دويتش فيله: لماذا تتراجع هيمنة الدولار في الشرق الأوسط؟
![الرئيس نيوز]( /UploadCache/libfiles/16/5/600x338o/374.jpg)
علق تقرير لموقع دويتش فيله الألماني على قرار حظر العراق التعاملات بالدولار الأمريكي، وخطط السعوديين والإماراتيين لبيع النفط بعملات أخرى بديلة، وهناك خطط لإنشاء عملة جديدة بالكامل لتجاوز هيمنة الدولار الأمريكي التي طال أمدها ولمعرفة السبب حول هذا التريند الاقتصادي الذي يزداد زخمًا في 2023، ألقى التقرير نظرة فاحصة أولًا على تداعيات الحرب في أوكرانيا.
وأضاف التقرير أن أي شخص في العراق إذا أراد شراء سيارة أو منزل هذا الأسبوع أصيب بصدمة شديدة في أعقاب أعلنت الحكومة العراقية الأحد الماضي، حظرا على إجراء الصفقات الشخصية أو التجارية بالدولار الأمريكي وكان المعتاد، حتى وقت قريب، قيام المواطن العراقي بعمليات شراء أصول باهظة الثمن باستخدام الدولار وبسبب التخفيض المستمر لقيمة الدينار، سيحتاجون إلى عدة أكياس مملوءة بأوراق الدينار الورقية لشراء سيارة أو منزل ولذلك عادة ما يستخدم محفظة مليئة بالدولار بدلًا من ذلك وعلى مدار عقود من الزمان، كان الدولار الأمريكي هو أفضل عملة في الشرق الأوسط ولكن هذا السائد ربما بدأ يتغير وخلال الأشهر القليلة الماضية، أدلى كبار السياسيين في عدد من دول الشرق الأوسط بتصريحات تشير إلى أن هيمنة الدولار في المنطقة قد تتلاشى.
في العراق، كانت السلطات الأمريكية تزيد من صعوبة إدخال الدولارات إلى البلاد - ويبدو أنها كانت قلقة من تهريب الكثير من الأموال النقدية الأمريكية إلى الحكومة الإيرانية المجاورة، التي تخضع لعقوبات، لكنها تحظى بدعم ضمني من العديد من السياسيين العراقيين وأدت هذه الندرة الدولار إلى تقلبات في قيمة الدينار العراقي المرتبط بالعملة الأمريكية، وأدت هذه التقلبات إلى الحظر نهاية الأسبوع الماضي. وفي فبراير، وبفضل أزمة العملة الأمريكية جزئيًا، أعلنت الحكومة العراقية أنها ستتعامل مع الصين باستخدام اليوان بدلًا من الدولار.
دول الشرق الأوسط تبحث عن بدائل
وفي وقت سابق من هذا العام، صرح وزير المالية السعودي بأن بلاده "منفتحة" على بيع النفط بعملات مختلفة، بما في ذلك اليورو واليوان الصيني والروبل الروسي، وأعلنت الإمارات أنها ستبدأ التعامل مع الهند بالروبية الهندية وفي العام الماضي، وأعلنت مصر أيضا عن خطط لإصدار سندات - أوراق مالية تساعد الحكومات على توفير التمويلات باليوان الصيني وقد أصدرت بالفعل سندات بالين الياباني.
بالإضافة إلى ذلك، قالت العديد من دول الشرق الأوسط - مصر والسعودية والإمارات والجزائر والبحرين - إنها تريد الانضمام إلى الكتلة الجيوسياسية المعروفة باسم بريكس، وهي اختصار للبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا وأعلنت روسيا بالفعل عن اجتماع يونيو، الذي سيناقش فيه التحالف إنشاء نوع جديد من العملة للتجارة عبر الحدود بين الأعضاء.
ومنذ عام 2021، كانت الإمارات أيضًا جزءًا من مشروع تجريبي يديره بنك التسويات الدولية ومقره سويسرا، وهو نوع من البنوك المركزية للبنوك المركزية يبحث هذا المشروع في المدفوعات الرقمية والمشفرة عبر الحدود التي قد تعتبر بديلًا للدولار وتجدر الإشارة إلى أن المشاركين الآخرين هم تايلاند وهونج كونج والصين.
هل انتهى عصر الدولار الأمريكي؟
أدت بدائل الدولار الأمريكي التي تزيد كل يوم إلى سلسلة من العناوين المثيرة للقلق مؤخرًا وتساءلت صحيفة نيويورك تايمز: "هل هيمنة الدولار تحت التهديد؟" في حين حذرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" من "الاستعداد لعالم متعدد الأقطاب".
وكتبت وكالة بلومبرج أواخر الشهر الماضي: "إن التخلي عن الدولار يحدث بوتيرة مذهلة " ويشكل الدولار الأمريكي الآن حوالي 58٪ من الاحتياطيات الأجنبية الرسمية على مستوى العالم، حسبما أفادت بلومبرج في قصتها، بانخفاض عن 73٪ في عام 2001 وفي أواخر السبعينيات، كانت 85٪، ومع ذلك، يصر معظم الخبراء على أن الابتعاد عن الدولار يسير بشكل أبطأ بكثير مما توحي به عناوين الأخبار الأخيرة وهذا صحيح بالتأكيد بالنسبة للشرق الأوسط ومنذ سبعينيات القرن الماضي، أقامت دول الخليج المنتجة للنفط شراكة مع الولايات المتحدة، حيث توفر أمريكا الأمن وتقوم دول مثل السعودية والإمارات بتصدير النفط في علاقة عنوانها تبادل المنفعة، وربطت معظم دول الخليج، باستثناء الكويت، عملاتها بالدولار الأمريكي.
وأشار حسن الحسن، الباحث في سياسات الشرق الأوسط لدى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، إلى أن “أحد أكبر مؤشرات التحول الجاد بعيدًا عن الدولار هو الرغبة في فك ارتباط هذه العملات ولكن حتى الآن، لم نر ذلك يتحقق في الواقع العملي”.
ويقول دانيال مكدويل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيراكيوز بنيويورك، عندما سئل عما إذا كانت تأكيدات القادة العرب تشير إلى انهيار الدولار في الشرق الأوسط: "الكلمات الرئيسية هنا هي: التصريحات والمحتملة والعبارات سهلة، فعلًا"، في إشارة إلى أن واشنطن لا تأخذ محاولات الابتعاد عن الدولار على محمل الجد.
وأضاف في تصريحات لدويتش فيله: "الأفعل هي الأمر الأصعب بالنسبة للدول المنتجة للنفط، مثل السعودية، فإن هذه الأنواع من التصريحات والتحريضات هي أيضًا وسيلة لجذب انتباه أمريكا ومغازلة الصينيين قد تجعل صانعي السياسة الأمريكيين يركزون المزيد من الاهتمام على مصالح دول الخليج".
لا يستبعد ماكدويل احتمال أن تتلاشى هيمنة الدولار يومًا ما. وقال ساخرًا: "تنهار جميع الإمبراطوريات في نهاية المطاف" ولكن في الوقت الحالي، "الكثير من هذا الحديث رمزي وسياسي وأي تغيير نراه سيكون هامشيًا وبطيئًا" واتفق الخبراء الذين استطلع التقرير آراءهم لى أنه من المحتمل أن يكون هناك سببان رئيسيان لتهديدات الشرق الأوسط باستخدام عملات أخرى.
أولًا، إن الأمر يتعلق بالحرب الروسية في أوكرانيا.
ويعتقد ماكدويل أن العقوبات جزء مهم للغاية من النقاش الدائر، وأشار كتابه الجديد، بعنوان "التغلب على العوائق: العقوبات المالية الأمريكية ورد الفعل الدولي ضد الدولار"، بنفس القدر، "أنه كلما استخدمت الولايات المتحدة الدولار كسلاح للسياسة الخارجية، كلما تحرك خصومها على المستوى الدولي وحاولوا ممارسة الأنشطة الاقتصادية بعملات أخرى".
وأوضح الحسن: "في الوقت الحالي، هناك الكثير من الأموال الروسية التي تمر عبر دول في الشرق الأوسط وآسيا" "بشكل أساسي تلك هي الدول التي اختارت عدم الامتثال أو عدم تطبيق العقوبات الأمريكية أو الأوروبية"، ولكن في حالة زيادة تشديد العقوبات على روسيا، وتحويلها إلى ما يُعرف بالعقوبات الثانوية، فإن تلك الدول ستواجه صعوبة أكبر في تجنب الدولار كما ستعاقب العقوبات الثانوية الأطراف الثالثة - البلدان أو الشركات - التي تعمل مع الكيان الخاضع للعقوبات، لذا فإن أي طرف يريد التعامل مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي سيجد صعوبة في الالتفاف على العقوبات الثانوية.
واستنتج ماكدويل أن "الحكومات التي تشعر بالقلق إزاء العقوبات الأمريكية تفكر بشكل متزايد في كيفية المضي قدمًا في الابتعاد عن الدولار حتى لو لم تكن مستعدة بعد أو مهتمة بإجراء تحول جذري بعيدًا عن الدولار".
تهديد أعمال النفط
يقدم الحسن السبب الثاني وراء رغبة بعض دول الشرق الأوسط في الابتعاد عن الدولار وقال "أعتقد أن هناك إحساسًا بأن الولايات المتحدة تحاول إعادة كتابة قواعد سوق النفط العالمية - لاستهداف المصالح الروسية - وهذا يمثل تهديدًا استراتيجيًا للسعودية"، لأنها ثاني أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة.
وفي مارس، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان إنه إذا حاولت أي دولة فرض حد أقصى لسعر صادرات النفط السعودية، بالطريقة التي فرضها الغرب ضد روسيا، فإن بلاده لن تبيع لها النفط وبعد يوم، ردد وزير الطاقة الجزائري هذا التصريح بصيغة مشابهة خوفا من سابقة خطيرة وهذا هو السبب في أن الابتعاد عن الدولار، ولكن يبدو من المرجح أن تستمر محاولات الابتعاد عن الدولار طالما استمرت العقوبات.
كما ترى ماريا دمرتزيس، أستاذة السياسة الاقتصادية في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، وزميلة مؤسسة بروجيل الاقتصادية ولكن هذا التحول بعيدًا عن الدولار لن يحدث بين عشية وضحاها وأشارت إلى أنه حتى إذا أرادت بعض الدول تجاوز الدولار الأمريكي كعملة، فسيكون من الأصعب استبدال البنية التحتية للتسوية التي يوفرها النظام المدفوع بالدولار.
القطاع المصرفي كسلاح
ذا كنت من الهند وترغب في بيع شيء ما إلى تشيلي، على سبيل المثال، فمن المحتمل أن تقوم بذلك بالدولار ولكنك لا تفعل ذلك فقط لأنه يمكنك بسهولة تسعير منتج ما بالدولار، إذ يمكنك أيضًا القيام بذلك كما توضح دميرتزيس: "لأنك تستخدم البنية التحتية للدولار الأمريكي لتسوية الصفقة"، موضحةً أن التسوية هي "الإجراء القانوني لأخذ أموال من حساب ووضعها في حساب آخر" ومن أجل القيام بذلك، هناك حاجة إلى بنية تحتية موثوقة، كما قالت، وهو شيء توفره الولايات المتحدة منذ عقود.
وأوضحت دميرتزيس أن أي بديل عن ذلك له "آثار قانونية وإدارية ضخمة"؛ على سبيل المثال، هل تعترف تشيلي بالإطار القانوني للهند؟ فالانتظار حتى الوصول إلى بنكين مركزيين بينهما تفاهمات للتسوية بشكل ثنائي هو رحلة طويلة".