بروكنجز: التطبيع مع سوريا يشير إلى خلق نظام شرق أوسطي جديد
حذر معهد بروكنجز الإدارة الأمريكية من تبعات تصويت جامعة الدول العربية هذا الأسبوع على إعادة عضوية سوريا، منهية التعليق الذي فرضته على عضوية دمشق منذ عام 2011، إذ يمثل التصويت نقطة تحول في التطبيع مع دمشق تتويجًا لحملة دبلوماسية استمرت سنوات من قبل قادة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والأردن لإعادة التواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد، على أمل أن يكون إغراء التطبيع أكثر فاعلية من العقوبات في إقناعه بالتسوية في بلاده حفاظًا على المصالح الإقليمية، وعلى رأسها ملفات اللاجئين وتهريب المخدرات.
ويعتقد الباحث ستيفن هايدمان، زميل مركز سياسة الشرق الأوسط أن التطبيع في الحالة السورية لم يؤد بعد ولكن المهم هو ما يتضمنه التصويت من اعتراف بالحكومة السورية وأنه يجب التعامل معها، حتى لو كان على مضض.
ويعتبر هايدمان ما حدث مع سوريا قطعة واحدة من اللغز الإقليمي الأكبر، فعودة دمشق أكثر أهمية بالنسبة للتعزيز المستمر لما لا يمكن وصفه إلا ببنية أمنية إقليمية جديدة للشرق الأوسط، وهي إطار لإدارة الخصومات التي ربما تكون أهم تحول في الديناميكيات الإقليمية منذ الغزو الأمريكي للعراق إلى جانب خطوات أخرى ضيّقت الانقسامات الإقليمية - بين إيران والسعودية بوساطة صينية؛ وتطبيع العلاقات مع دولة قطر في محيطها الخليجي وعودة الدفء إلى علاقات تركيا وخصومها العرب السابقين مثل مصر، وتفاهمات الغاز بين إسرائيل ولبنان حول القضايا البحرية أو التقارب الملحوظ بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين - ويعتبر تطبيع سوريا خطوة إضافية نحو وقف تصعيد الصراعات الإقليمية المستعصية.
ومضى التقرير مؤكدًا أن آثار هذا التحول تتجلى أيضًا في اليمن، حيث أتاح التقارب السعودي الإيراني أطول وقف لإطلاق النار حتى الآن في الحرب الأهلية التي استمرت عقدًا من الزمان في البلاد وفي التحرك نحو المشاركة البناءة، يبدو أن الفاعلين الإقليميين قد رفعوا مستوى البراجماتية والواقعية أعلى من أي انقسامات جيوسياسية أو اعتبارات طائفية قسمتهم على مدار عقود ولكن هذا التحول لا يعني بدايات سلام دافئ بين الخصوم العرب أو بين الأنظمة العربية وإيران، بل يشير إلى أن التوترات بين الأسد والأنظمة التي عملت منذ بضع سنوات فقط على الإطاحة بنظامه قد تضاءلت وخفت حدتها.
وفي المقابل لفت التقرير إلى الدور المتناقص للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والنظام الدولي متعدد الأقطاب بشكل متزايد، وتركت هذه التغييرات الأنظمة العربية تتحمل نصيبًا أكبر من عبء الأمن الإقليمي، ومكنتها من تقليل أولويات الولايات المتحدة في إدارة التهديدات الإقليمية، وتوسيع نطاق الاحتمالات للنظر إلى ما وراء الولايات المتحدة، بما في ذلك الصين وروسيا، لتسوية الخلافات الإقليمية وإذا كان الإطار الذي نشأ من هذه الظروف لن ينهي الانقسامات الإقليمية، فقد يعمل على منع المنافسات الدائمة من الغليان أو التحول إلى صراع مفتوح، فإذا حدث ذلك، فقد يشهد الغرب سابقة تاريخية للعالم العربي: تشكيل إطار أمني منظم محليًا، بعد الحرب الباردة، وما بعد السلام الأمريكي.