الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

مساعي تسوية الأزمة.. وسطاء السودان يواجهون خيارات صعبة

الرئيس نيوز

ذكر تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن هناك معضلة بالنسبة للوسطاء: أيا كان القرار الذي يتخذونه بشأن شكل وجدول أعمال المحادثات الطارئة بشأن تسوية الأزمة السودانية، فإن ذلك سيحدد مسار صنع السلام في السودان حتى نهايته.

ومن أجل أن تسكت البنادق، سيتعامل الدبلوماسيون الأمريكيون والسعوديون فقط مع الجنرالات المتنافسين الذين أرسل كل منهم فريق تفاوض من ثلاثة أشخاص إلى جدة وتتلخص أجندة المباحثات في إيجاد وسيلة لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية وآلية مراقبة وممرات للمساعدات ولا يريد أي من الطرفين فتح مفاوضات للتوصل إلى اتفاق سياسي.

وستكون الأحزاب المدنية ولجان المقاومة في الأحياء، التي أطاحت احتجاجاتها السلمية بالنظام الاستبدادي للزعيم عمر البشير منذ أربع سنوات، من المتفرجين ولن يكون من السهل إقناع الجنرالات بأي نوع من وقف إطلاق النار وسيصر قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان على أنه يمثل الحكومة الشرعية وسيستمر اتهامه للجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، بأنه متمرد ولكن حميدتي، نائبه الفعلي حتى الاشتباكات، سيطالب بوضع متساو للجانبين.

وسيرغب في تجميد الوضع الراهن، وترك مقاتليه من قوات الدعم السريع شبه العسكرية يسيطرون على جزء كبير من الخرطوم، وسيطلب الجنرال البرهان العودة إلى المواقع في الأيام التي سبقت بدء الاشتباكات وبذلك فإن الحصول على حل وسط يعني المساومة الصعبة مع الجنرالات ويحتاج الوسطاء إلى كسب ثقتهم وتأكيدهم أنهم إذا قدموا تنازلات الآن، فلن يتركهم ذلك مكشوفين وضعفاء والجانب السلبي هو أن الطرفين المتحاربين سيطالبان بعد ذلك بالدور المهيمن في المحادثات السياسية وأجندة تناسب مصالحهما.

الشيء الوحيد الذي يتفق عليه البرهان وحميدتي - والجيران العرب - هو أنهم لا يريدون حكومة ديمقراطية، والتي كانت مطروحة قبل بدء القتال.

وكان العسكريان يديران البلاد منذ عام 2019 الذي أطاح بالبشير.

ومن المرجح أن تنتهي المفاوضات التي يسيطر عليها الجنرالات باتفاقية سلام.

للسودانيين تجارب طويلة مع مفاوضات السلام التي لا تنتهي بين الأطراف المختلفة، فما إن تنتهي جولة يأمل على إثرها شعب السودان تحقيق سلام دائم حتى تندلع موجة أخرى من العنف تستنزف الأرواح والممتلكات، ثمّ تعود الأطراف المتقاتلة إلى طاولة المفاوضات ذاتها.

 تتكرّر تلك القاعدة الآن بنفس التفاصيل في مدينة جدّة السعودية، حيث سيستمع الطرفان المتحاربان أحدهما للآخر للمرّة الأولى منذ اندلاع الاشتباكات العسكرية قبل ثلاثة أسابيع.

مفاوضات صعبة

من الصعب التكهن بنتائج هذه المفاوضات التي تحتضنها مدينة جدّة تحت وساطة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، لكن من واقع مواقف الطرفين والظروف التي تحيط بهما، فضلًا عن مجريات الواقع على الأرض، يمكن القول إنّ هذه المفاوضات لن تكون سهلة على الإطلاق، خاصة في ظلّ تباعد المواقف بين الأطراف وتعمّق أزمة الثقة بينهما مع استمرار المعارك الشرسة على الأرض والتعبئة الشعبية المستمرّة المطالِبة بحسم التمرّد بسرعة. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يستطيع طرفا الوساطة ومن خلفهما داعمو خيار التفاوض أن يحملا الأطراف على المضيّ نحو التهدئة واتّخاذ طاولة المفاوضات بديلًا للمعارك العسكرية على الأرض والواقع يشير إلى أنّ الطرفين قبِلا بالتفاوض في هذه المرحلة لثلاثة أسباب:

1- استجابة للضغوط الدولية والإقليمية الهائلة التي تعرّضا لها في الأيام الماضية.

2- عدم قدرة أيّ من الطرفين على تحقيق نصر حاسم بعد مضيّ ثلاثة أسابيع ساهمت في طرح خيار المفاوضات كنافذة أخرى للتعامل مع هذه الأزمة، خاصة في ظلّ بروز مخاوف داخلية وخارجية من أن تتحوّل الاشتباكات التي بدأت خاطفة إلى حرب طويلة الأمد تهدّد مستقبل البلاد وتعمل على تقويض الأمن والاستقرار في منطقة حيوية من إفريقيا والعالم العربي، وهو ما لخّصته مديرة المخابرات الأمريكية بقولها: "القتال في السودان بين القوات المسلّحة السودانية وقوات الدعم السريع من المرجّح أن يطول في ظلّ اعتقاد كلا الجانبين أنّه قادر على الانتصار عسكريًا، وأنّه ليست لديه حوافز تُذكر للتفاوض".

ويمكن القول إنّ الجهود الدولية لتقديم مبادرة متماسكة للطرفين قد تأخّرت نسبيًا، فبينما انشغلت الدول الغربية في بدايات الأزمة بإجلاء رعاياها من السودان، كان هناك اعتقاد شائع بقدرة القوات المسلّحة على حسم المعركة.

3- تزايد المخاوف من انهيار مؤسّسات الدولة الذي سيفتح الباب واسعًا للفوضى وانتشار الجماعات المتطرّفة، ولاستغلال تلك الفوضى من قبل جماعات منظّمة لتنشيط الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، مع إمكانية انتقال تداعيات عدم الاستقرار إلى دول الجوار، وهو ما دعا جمهورية مصر العربية إلى التعبير عن قلقها من استغلال دوائر خارجية هذه الأزمة لنشر الفوضى، بإشارتها في بيان خارجيّتها إلى "ضرورة عدم استغلال أيّ طرف خارجي للتطوّرات الجارية في السودان من خلال القيام بأعمال تؤجّج من حدّة الصراع".

جهود دولية متأخرة

يمكن القول إنّ الجهود الدولية لتقديم مبادرة متماسكة للطرفين قد تأخّرت نسبيًا، فبينما انشغلت الدول الغربية في بدايات الأزمة بإجلاء رعاياها من السودان، كان هناك اعتقاد شائع بقدرة القوات المسلّحة على حسم المعركة قبل أن تلجأ القوات المتمرّدة إلى تكتيكات الاحتماء بالمدنيين واتّخاذ المستشفيات مقارّ عسكرية، الأمر الذي أخّر حسم المعركة وزاد من كلفتها الإنسانية، لكن نجحت أخيرًا المساعي الأمريكية بالتنسيق مع السعودية وأطراف أخرى في جمع الطرفين حول طاولة التفاوض. 

وعلى الرغم من المساعي التي بذلها الاتحاد الإفريقي ودول "إيغاد"، إلا أنّ التأثير الكبير للولايات المتحدة والسعودية رجّح كفّة استضافتهما هذه الاجتماعات، فالدولتان عضوان مهمّان في الرباعية الدولية، التي تضمّ إلى جانبَيْهما بريطانيا والإمارات، وظلّتا قريبتين من الأطراف المختلفة في المشهد السوداني، وخاصة السعودية التي طوّرت علاقتها مع الجيش وقوات الدعم السريع من خلال مشاركتهما في عملية "عاصفة الحزم" في اليمن لسنوات. 

أمّا بالنسبة للولايات المتحدة فإنّها تتولّى هذه الوساطة بعد القرار التنفيذي للرئيس جو بايدن الذي هدّد بفرض عقوبات على من يؤجّجون النزاع في السودان.

بالنسبة للقوات المسلّحة السودانية تقتصر جولة هذه المفاوضات فقط على مناقشة إقرار "هدنة لأغراض إنسانية" ولا تشمل ضمن بنودها أيّ مناقشات سياسية مع من تصفهم بالمتمرّدين. ويرفع الجيش سقفه للمفاوضات مشترطًا تسليم من بقي من قوات الدعم السريع أسلحتهم ودمجهم في الجيش من دون قيد أو شرط ومحاكمة قيادتهم المتمرّدة، وهو ما عبّر عنه الفريق ياسر العطا عضو مجلس السيادة، وكذلك الفريق شمس الدين كباشي. 

وإذ يتّخذ الجيش هذا الموقف فإنّه يصرّ على توصيف ما حدث بتمرّد فرقة تابعة له يجب إخضاعها للقانون بالقوّة. 

ويمتلك الجيش نقاط قوّة مهمّة في هذا الصدد هي هدوء الأحوال في جميع ولايات السودان الأخرى عدا جزء من ولاية الخرطوم، وتدمير البنية التحتية والقيادية ومنظومة السيطرة لقوات الدعم السريع مع قطع كامل لخطوط إمدادها. 

وفوق هذا كلّه يحظى الجيش بتأييد مجتمعي واسع ومؤازرة جماهيرية تطالبه بحسم التمرّد، غير أنّ استمرار المعارك للأسبوع الثالث وزيادة معاناة المواطنين يشكّلان ضغطًا على الجيش، كما أنّ استمرار المعركة قد يُغري أطرافًا إقليمية بالتدخّل لدعم قوات الدعم السريع.

حاجة قوات الدعم للهدنة

أمّا قوات الدعم السريع فقد كانت بحاجة إلى مثل هذه الهدنة لالتقاط أنفاسها وامتصاص الضغط المتواصل عليها من الجيش عبر سلاح الطيران لتحرير المؤسّسات السيادية التي تحتلّها، ويتمثّل أعلى سقف لها في المحافظة على شرعيّتها وعدم سريان قرار قائد الجيش عليها باعتبارها قوّات متمرّدة خارجة على سلطات الدولة، ولذلك ظلّت تناور في ما يتعلّق باستئناف العملية السياسية التي تدعمها دوائر غربية وأطراف إقليمية، ولم تفوّت أيّ فرصة لمحاولة إدخال الإسلاميين (البعيدين عن المشهد) طرفًا في هذه الاشتباكات، وذلك لكسب التعاطف من أطراف تناصب الإسلاميين العداء. 

كما أنّ المخاوف الكبرى للجيش تجاه هذه القوّات هو استغلالها هذه الهدنة لإعادة بناء خطوط إمدادها داخليًا وخارجيًا، وخاصة أنّ قوى الحرّية والتغيير وبعض الشخصيّات التي توالي قوات الدعم السريع كان لها دور في التحرّكات التي أفضت إلى تبلور الوساطات الدولية والإقليمية، ولذلك حرص السفير دفع الله عضو وفد التفاوض الحكومي على توضيح أنّ حكومة السودان وافقت على الهدنة فقط وليس على وساطة لمناقشة قضايا سياسية مع المتمرّدين، مشدّدًا على أنّ الحلّ النهائي هو الحسم العسكري وأنّ المفاوضات الحالية لن تكون مباشرة وإنّما عبر وسطاء.

وساطة من ثلاث مراحل

لإدراك طرفَي الوساطة تباعُدَ المواقف بين الطرفين وصعوبة إقناعهما بالجلوس حول طاولة المفاوضات، تعتمد الوساطة على مراحل ثلاث تبدأ بالهدنة، ثمّ وقف إطلاق النار، وأخيرًا الجلوس للتفاوض. 

ومن واقع ما يجري على الأرض من معارك شرسة واستمرار قوات الدعم السريع باحتلال مقارّ سيادية وخدمية وفقدان قواتها التواصل الفعّال مع قيادتها، وتعاون قيادة الدعم السريع مع قوى سياسية تناوئ الجيش، فإنّ تصوّر نجاح الهدنة ووقف إطلاق النار يبدو أمرًا في غاية الصعوبة. 

وأمّا الكابوس الأكبر للشعب السوداني فهو استمرار هذه المعارك لفترة طويلة وانحدار الوضع إلى نماذج الحرب الأهلية في الدول القريبة من السودان، وأن تكون مفاوضات جدّة مدخلًا إلى مفاوضات أخرى سيطول أمدها.