مباحثات في عمان واجتماع مسؤولي روسيا وتركيا وإيران وسوريا في موسكو.. ماذا سيحدث بعد ذلك؟
التقى وزير الخارجية السوري فيصل المقداد مع وزراء الخارجية العرب في عمان اليوم الاثنين لبحث تطبيع العلاقات مع دمشق، وأعاقت الخلافات بين القوى العربية الجهود التي يقودها الأردن نحو فصل جديد مع دمشق وهناك شكوك من جانب واشنطن.
وعند وصول المقداد، أعلن الأردن أن قواته المسلحة قتلت مهربًا على الحدود مع سوريا، مما يبرز مشكلة المخدرات غير المشروعة في قلب المحادثات مع دمشق وألقت المملكة باللوم على الجيش السوري والميليشيات المدعومة من إيران، فيما وصفه مسؤولون عرب بأنه تجارة مخدرات بمليارات الدولارات سنويًا أثرت الحكومة والميليشيات المتحالفة معها، لكنها شكلت تهديدًا كبيرًا لأمن الأردن والسعودية، وفقًا لصحيفة ذي ناشيونال.
وقالت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية إن المقداد وصل إلى عمان للقاء وزراء خارجية الأردن ومصر والعراق والمملكة العربية السعودية، بعد أسبوعين من اجتماع أكبر في جدة، وقاطعت عدد من الدول العربية دمشق منذ احتجاجات عام 2011، وكان اجتماع جدة، الذي عُقد في الشهر الذي أُعلن فيه عن الوفاق بين الرياض وطهران، لم يفلح في تسوية الخلافات العربية حول كيفية التعامل مع المسألة السورية وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية سنان المجالي أن المباحثات التي جرت في عمان يوم الاثنين "تبني على الاتصالات" التي أجرتها الدول الأربع مع دمشق.
وحول سوريا أيضًا ولكن ليس في عمان بل في موسكو، أي على مسرح مختلف، اعترفت مجلة “فوربس” الأمريكية أن غالبية وسائل الإعلام الغربية تحاول تجاهل التطورات الأخيرة في ملف عودة دمشق إلى المجتمع الدولي، ومن بينها شبكات إخبارية تكتفي بالاستنكار، وفي الأثناء تستضيف موسكو يومين من محادثات التقارب بين تركيا وسوريا وإيران وظاهريًا، ينصب التركيز على التوفيق بين تركيا وسوريا، لكن من المؤكد أن الأمر يبدو وكأنه اشتباك إقليمي يشمل كل الأطراف المعنية مع تداعيات تمتد إلى منطقة الشرق الأوسط وخارجها ولا تقل أهمية بالنسبة للغائبين عن مباحثات موسكو، أي الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية وآخرون.
ورجحت المجلة أن انصراف وسائل الإعلام الغربية عن مباحثات موسكو قد يكون بسبب تدني التوقعات فكثير من المراقبين لا يتوقعون أن تأتي أي شيء من هذه المباحثات، ويستبعد آخرون أن تخرج بأي شيء ملموس أو أن تغير التوازنات القائمة.
ولكن لماذا تهتم موسكو بالتقارب بين سوريا وتركيا الآن؟ ترجح المجلة أن هناك رغبة لدى الكرملين في أن يُظهر أنه لا يزال بإمكانه إنشاء منصة مصغرة لخمس قوى إقليمية ويحتاج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تأثير العلاقات العامة وتسويق جهوده لجمهوره المحلي، ففي الواقع، كل الأنظمة المشاركة في حاجة إلي حملة علاقات عامة ويبدو أن هذا تفسيرًا معقولًا ولكن المجلة تفضل إلقاء نظرة فاحصة للوصول إلى تفسير أعمق: فهناك أولًا تركيا وهي الدولة الغريبة والعضو الوحيد في الناتو، في مواجهة كتلة موحدة من منافسيها، فلماذا يرسل أردوغان كبار مبعوثيه في مثل هذه المناورة العدائية التي لا طائل من ورائها كما يزعم المراقبون خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في لبلاده في منتصف شهر مايو، وهي انتخابات قد يخسرها في معركة عادلة بعد أن دمرت كارثة الزلزال دعمه الشعبي لذا فهو مصاب بالتوتر ويريد أن يعرف ما قد يخطط له خصومه الأجانب ضده.
ورجحت المجلة أن لحظة ضعف أردوغان لا تشمل فترة ما قبل الانتخابات فحسب، بل تشمل الأسابيع والأشهر التي تليها عندما تهز النتيجة شرعيته حتمًا، ويمكن أن يفترض المرء أن أردوغان لن يرحل بهدوء، وقد لا يرحل على الإطلاق، رغم أنه لا يحظى بشعبية كبيرة لدرجة أن البلاد ستقتنع بأنه خسر، فلا يستطيع أردوغان ترك السلطة لأن المعارضة سوف تطهر عائلته وحزبه وحاشيته والمقربين منه، ووسائل الإعلام والقضاء وكامل نخبة الخدمة المدنية تقريبًا لكونهم فاسدين ولذلك سيجد طرقًا لخداع التصويت أو "تقاسم" السلطة أو الحكم بطريقة غير مشروعة أو سيلجأ إلى الشفعة مثلما حدث في جورجيا بأي طريقة، ولن يحب الأتراك أي تسوية من هذا القبيل، لأنهم يعرفون أنه كان يجب أن يفقد السلطة.
وتتوقع “فوربس” عدم الاستقرار في أعقاب الانتخابات، والارتباك حول السلطة، والانقسام داخل الجيش، وربما هروب رأس المال، وغير ذلك الكثير، ولذلك لم تكن اجتماعات موسكو تتعلق فقط بالفترة التي تسبق انتخابات مايو ولكن أيضًا لفترة ما بعد ذلك عندما سيحتاج أردوغان إلى كل المساعدة التي يمكنه الحصول عليها.
إذن ما هي مناورة روسيا / إيران / سوريا في موسكو؟ تتوقع المجلة صدور تطمينات لأردوغان ولسان حال المسؤولين من روسيا وإيران وسوريا: "نحن لن نطلب منك خوض انتخابات نزيهة أو تسليم السلطة إذا خسرت، على عكس الغرب... في الواقع، نحن حلفاءك الأصدق في هذا الصدد، فلا مزيد من الهراء حول حقوق الإنسان أو الصحافة الحرة ويمكننا مساعدتك في الاحتفاظ بالسلطة إلى أجل غير مسمى، بل في الواقع، نفضل ذلك لأنه بهذه الطريقة لن تصبح تركيا جزءًا كاملًا من الكتلة الغربية".
لذلك سوف تقدم روسيا وإيران وسوريا الإغراءات وسيرد عليها أردوغان، ربما يقبل تلك الإغراءات، وهذا هو المكان الذي تبدأ فيه المساومة الصعبة؛ فقد لا تنجح الجزرة، فما هي العصا؟ ماذا يمكن أن يهددوا به؟ وماذا يريدون في المقابل؟ ترجح “فوربس” أن أردوغان في موقف ضعف بشكل خاص فيما يتعلق بقضية ثلاثة أو أربعة ملايين لاجئ في تركيا، معظمهم من سوريا وهو يود إعادتهم إلى مناطق آمنة في بلدهم.
إذن ما هي الشروط التي ستطلبها مباحثات موسكو وتتوقع أن يوافق عليها أردوغان؟ أول هذه الشروط هو إعادة العلاقات مع دمشق، حتى تعود سوريا إلى المجتمع الدولي على نحو طبيعي بالتدريج وببطء وسيطلب من أنقرة التوقف عن مساعدة أذربيجان وإعادة إحياء طريق الحرير التركي عبر أذربيجان، كما تريد كل من طهران وموسكو من أردوغان التوقف عن العبث في ساحتهم الخلفية.