السبت 27 أبريل 2024 الموافق 18 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

حسن أحمد عبدالله يكتب: الفيدرالية في لبنان.. أحلام العصافير وأقنعة وحوش المذاهب

حسن أحمد عبد الله
حسن أحمد عبد الله كاتب وباحث لبناني

يسعى الحالمون في لبنان إلى جعل ما يتوهمونه واقعا فيما الحقيقة أن ذلك يؤدي إلى مزيد من التوترات الاجتماعية، قبل السياسية، ما يساهم تاليا في إضعاف المشاركة الشعبية في العملية الاقتصادية التي هي جوهر التماسك الاجتماعي.

للأسف، أن هؤلاء كانوا من الحالمين بالفيدرالية، أو الحالمين في السيطرة على الأخر، لا يرون الواقع، ويتجاهلون التاريخ، خصوصا خلال الحرب الأهلية، وما نتج منها من علاقات اجتماعية قامت على أساس مغاير للنمط الطائفي، فيما يعملون على تسويق المنطق المذهبي، ويحولون أي تهديد للبنان ككل إلى تهديد للمذهب، في الوقت الذي يجمع هؤلاء على جمع كل الطوائف المسيحية بتسمية "المسيحيين"، ويعملون على تجزئة المسلمين إلى مذاهب، كي يمارسوا نوعا من التضليل، وكي يقولوا إن التهديد يخص المسيحيين تحديدا، في المقابل يلجأ الاخرون إلى الانجرار في هذا السياق، فيصبح أي انتقاد لسلوك مسؤول، اكان شيعيا أو سنيا أو درزيا، من المحرمات.

لهذا رأينا في السنوات الثلاثين الماضية كيف بدأت تنقلب المواقف من محتكري النطق باسم المذاهب على بعضها بعضا، ففي حين يدافع البعض عن "اتفاق الطائف" يهاجمه الاخر، وهكذا دواليك في نمطية خاوية من اي مضمون.

في هذا ثمة حقيقة يتجاهلها الجميع، وهي ان "الطائف" لم يكن الا منصة لبناء دولة، بل هو الخطوة الاولى، والواجب اتباعها بخطوات كثيرة من اجل الوصول دولة قانون.

في لبنان ثمة عادة سياسية فاسدة يمكن ان تسميتها بـ" الورم الخبيث" الذي يغذيه الجميع، وهي تحويل الموقت الى دائم، خصوصا في المادة 95 من الدستور، التي هي محض اجرائية، لكنها تقوم على تنظيم اولي للدولة.

ففي النص الاول الصادر عام 1926 ومعدل عام 1943، وقد اعيد النص كما هو في في تعديلات "الطائف" عام 1989، ورد الاتي "بصورة موقتة والتماسا للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وبتشكيل الوزارة دون ان يؤول ذلك الى الاضرار بمصلحة الدولة".

ماذا يعني ذلك؟ حين يفتقد المجتمع الكفاءة بسبب الهيمنة على الوظيفة بحكم التوزيع المذهبي، والمحاصصة، تصبح "الواسطة المذهبية" الدرع الواقي للموظف، وتغيب المحاسبة الا حين يتعارض سلوك الموظف مع المسؤول الطائفي، لذلك، مثلا، لم يحاسب اي من المسؤولين في العام 1975 عن الارتكابات الجرمية التي ادت الى الحرب الاهلية، وضاعت عملية اغتيال سياسي في وضح النهار(معروف سعد 6 مارس 1975) في خضم الحمايات الطائفية للمسؤولين الامنيين، ايضا ادى غض النظر عن مجرزة "البوسطة"( 13 أبريل 1975) الى الى الحرب.

في الحقيقة لم تكن تلك الحرب طائفية في أساسها، رغم أن أحد الأطراف سعى الى جعلها طائفية عبر القتل على الهوية، ما ادى ردود فعل الاطراف الاخرى، خصوصا بعد مجارز "السبت الاسود" ومخيم تل الزعتر.

الحقيقة قاسية، لكن يجب الا ان نحيد عنها، لهذا بعد تلك المرحلة تطورت الحرب الى مسارات اخرى، حتى العام 1982 والغزو الاسرائيلي الذي حول الصراع الى مذهبي، بطرق عمل عليها طوال عقود، ورسخه في وجوده المباشر.

افظع جريمة ارتكبت في لبنان هي قوننت الاحتلال الاسرائيلي في الحكم الصادر في 20 تشرين اول/ اكتوبر عام 2017، اذ تناسى في الحيثيات ظروف الحرب، وبالتالي رسخ ان الغزو والاحتلال لهما شرعية، وهو مناقض لكل المواثيق والمعاهدات الدولية، ومناقض ايضا للدستور اللبناني.

لا يمكن تطبيق الفيدرالية من خلال الأصوات المسيحية والمارونية 

يطرح روبرت رايبل في مقالة مطولة سؤالا هو: هل يمكن للفيدرالية أن تنجح في لبنان؟ وهو أستاذ للشؤون السياسية في قسم العلوم السياسية في جامعة "فلوريدا أتلانتيك" الاميركية، ويخلص الى القول: "لا يمكن تطبيق الفيدرالية من خلال الأصوات المسيحية، والمارونية بشكل أساسي، لوحدها".

يضيف: "لتحقيق أي قدر من النجاح، لا بد من معالجة القضايا الهيكلية التي تشكل حاليًا حواجز وبذل جهود شاملة إلى أقصى حد. وفي ظل غياب جهد طائفي جماعي داعم للفيدرالية، لا يمكن توقع تقاسم السلطة أو الإبقاء على السلام بين الكانتونات الطائفية المستقلة عن بعضها بعضًا. فالفيدرالية كما هي مقترحة حاليًا هي وصفة لتجدد الفتنة الأهلية، كما أثبت لنا مرارًا تاريخ لبنان".

كما كتب رايبل "ان هذه الفكرة ليست جديدة، وقد حظي الخيار الفيدرالي بتأييد، وكان موضوع نقاش بين السياسيين المسيحيين والأحزاب المسيحية بشكل رئيسي قبل الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) وخلالها. كما عرض الرئيس كميل شمعون (1952-1958) خطة مفصلة للبنان الفيدرالي، كما قدمت "الجبهة اللبنانية"، التي تمثل تطلعات الموارنة بشكل رئيسي، مشروعًا فيدراليًا خلال الحوار الوطني اللبناني في لوزان عام 1984. وراودت فكرة الفيدرالية الرئيس المنتخب بشير الجميل، الذي اغتيل عام 1982".

يذهب أنصار الفيدرالية الى تطبيق النموذج السويسري الذي لا ينطبق على لبنان، من حيث التوزيع الديموغرافي والجغرافي، والتشكيلات المذهبية، والقيادات التي تتحكم فيها، فيما يفتقد هذا النموذج الى اهم نقطة وهي الاستفتاء والاحصاء، وهما غير معمول بهما في لبنان.

كل هم هؤلاء تأبيد الامارات المذهبية، او بالاحرى الطائفية، عبر بناء امارات سياسية واقتصادية، وفي هذا يتناغم جميع الطاقم السياسي اللبناني مع هذا المطلب، على مبدأ " "يتمنَّعن وهنَّ الرَّاغبات"، المنسوب على الامام علي بن ابي طالب، وما يكشف ذلك زعامات الاحزاب والتيارات اللبنانية المحتكرة لقيادة تلك التجمعات.

كاتب وباحث لبناني وصحفي بجريدة السياسة الكويتية