ترتيبات الإقليم الجديدة.. ماذا بحث الشيخ محمد بن زايد في مصر؟
لا تزال الجولات المكوكية للرؤساء العرب تعكس حالة الحراك الدبلوماسي الذي يشهده إقليم الشرق الأوسط، الذي يبدو أنه يتهيأ لأوضاع جديدة، سيترتب عليها تغيير قواعد اللعبة المعمول بها منذ عقود، حتى على مستوى الدور الفاعل أو المهيمن للدول العظمى وتحديدًا أمريكا الذي بدأ دورها يتراجع في المنطقة العربية لصالح المربع الشرقي روسيا والصين.
فبعد أيام من زيارة غير معلن عنها مسبقًا للرئيس السيسي إلى المملكة السعودية، والتي عرفت بلقاء السحور، والتي يبدو أنه خيم عليها ملفات أمنية؛ لكون الحضور فيها كان مسؤولين أمنيين من البلدين، زار الشيخ محمد بن زايد القاهرة، الأربعاء الماضي، وكان في استقباله الرئيس السيسي، وأجريت له مراسم استقبال كبيرة في قصر الاتحادية الرئاسي؛ مما يعكس مكانة دولة الإمارات كحليف استراتيجي لمصر.
سعيد باللقاء
وقال الشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، على صفحته على تويتر: "سعدت بلقاء أخي الرئيس عبد الفتاح السيسي في القاهرة، بحثنا تعزيز علاقتنا الأخوية الراسخة، ورؤيتنا نحو تعزيز السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة".
وذكرت وكالة الأنباء الإماراتية (وام)، أن "رئيس الدولة والرئيس السيسي بحثا في القاهرة العلاقات الثنائية، ومستجدات المنطقة ومختلف مسارات التعاون والعمل المشترك ومواصلة دفعها إلى الأمام بما يحقق المصالح المتبادلة للبلدين وشعبيهما الشقيقين".
وقالت صفحة الرئاسة المصرية على فيسبوك في بيان: "استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، بقصر الاتحادية، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أقيمت مراسم الاستقبال الرسمي وتم استعراض حرس الشرف وعزف السلامين الوطنيين".
وصرح المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، بأن "الرئيس رحب بأخيه، ضيف مصر العزيز، الشيخ محمد بن زايد، مؤكدًا اعتزاز مصر، حكومة وشعبًا، بالعلاقات بين البلدين الشقيقين، وما يربطهما من أواصر تاريخية وثيقة"، بحسب البيان.
ومن جانبه، أعرب رئيس دولة الإمارات عن تقدير بلاده لمصر وشعبها وقيادتها، وحرص الإمارات الدائم على تعزيز علاقات التعاون الأخوية المتميزة بين البلدين.
وأضاف البيان: "بحث الرئيسان سبل تطوير آليات وأطر التعاون المشترك في جميع المجالات، لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين، والتنسيق الحثيث تجاه التطورات الإقليمية المختلفة، في ضوء ما يمثله التعاون والتنسيق المصري الإماراتي من دعامة أساسية، لترسيخ الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة".
وأضاف المتحدث الرسمي، أن "اللقاء تناول أيضًا تبادل وجهات النظر، بشأن أبرز الملفات المطروحة على الساحتين الإقليمية والدولية، حيث عكست المناقشات تفاهمًا متبادلًا إزاء سبل التعامل مع تلك القضايا، وتم الاتفاق على الاستمرار في بذل الجهود المشتركة، لتعزيز التعاون والتنسيق والتضامن بين الدول العربية، لمجابهة التحديات المتزايدة على الأصعدة كافة".
توقيت الزيارة
ولا يمكن إغفال توقيت الزيارة ودلالاته، فقد جاءت بالتزامن مع مزاعم صحف أميركية بأن وثائق البنتاجون السرية المسربة زعمت تصنيع مصر ذخائر وصواريخ لصالح الجيش الروسي لاستخدامها في حرب أوكرانيا، الأمر الذي نفته مصر جملة وتفصيلا، كما زعمت الوثائق أن الإمارات تتحدى أمريكا بنسج علاقات استراتيجية مع روسيا، إلى جانب استضافت رجال أعمال روس في أبو ظبي.
كما تأتي الزيارة بالتزامن مع محادثات سعودية إيرانية لتطبيع العلاقات مما أفضى إلي اتفاق بإنهاء الحرب السعودية في اليمن.
لكن ومع هذه الإنباء الإيجابية لا تفاصيل بشأن بنود اتفاق وقف الحرب وتفاصيل التسوية السياسية بين الحوثيين والحكومة اليمنية.
ويبدو أن تسوية الأوضاع في اليمن ليس بالأمر السهل خاصة في ظل انقسام يمني متمثل في وجود المجلس الانتقالي في الجنوب اليمني المدعوم إماراتيا والراغب في الانفصال بالجنوب.
ويشن قادة حوثيون هجومًا على الإمارات، ويؤكدون رفض وجودها في الجنوب، ورفض أي أدوار لها في المشهد اليمني وهددوا بتحويل الدائرة عليهم من حيث العمليات، بعدما كانت السعودية هي من في مرمى نيرانهم ومسيراتهم الإيرانية الصنع.
وقد تحدثت تقارير صحفية عن فتور في العلاقات السعودية الإماراتية، وانعكس ذلك في غياب الأمير محمد بن سلمان عن لقاء أبوظبي التشاوري، الذي حضرته قطر والبحرين وعمان ومصر والأردن، خلال وقت سابق، وكان ظاهرًا الغياب السعودي عن اللقاء.
كما أن زيارة الشيخ محمد بن زايد للقاهرة تأتي بعد إعلان هيئة موانئ دبي استثمارات ضخمة في مصر بنحو ملياري دولار، وقالت تقارير أن الهيئة وقعت اتفاقًا بتطوير وتشغيل ميناء سفاجا المصري.
والإمارات هي أكبر مستثمر أجنبي في مصر، باستثمارات تقدر بـ28 مليار دولار.
دمج سوريا
ولا شك أن اللقاء ناقش إجراءات خفض التوترات في المنطقة العربية، ومحاولات دمج سوريا مرة أخرى في محيطها العربي، ووضع تصور للحد من التدخلات التركية الإيرانية في المنطقة، وأن إعادة ترتيب المنطقة ومحادثات التقارب مع تلك الدولتين، يعني في المقام الأول العمل وفق قاعدة حفظ المصالح وتبادل المنافع، بدلًا من سياسية تقاطع المصالح والمعادلات الصفرية، التي لم ينتج عنها أي مكاسب لأي أطراف خلال الفترة الماضية.
البدء كان باتفاق العلا
المفكر السياسي، عضو مجلس الشيوخ، عبد المنعم سعيد، يقول في تصريحات متلفزة عن الزيارة: "زيارة الشيخ محمد بن زايد، لا يمكن أن تكون بمعزل عن لقاء السحور الذي تم في السعودية بين الرئيس السيسي والأمير محمد بن سلمان"، وقال إن اللقاء شارك فيه مسؤولين أمنيين، مما يعني أن الملفات الاقتصادية بين البلدين متفق عليها ولا عقبات فيها، وإنما التفكير هو للملفات الأمنية، وكيفية التعامل مع إيران وإسرائيل.
يضيف سعيد: "هناك رغبة في بناء إقليم دون ضغوط، ودون صراعات، ودون أيديولوجية، وأن الاتفاق هو على أين تلتقى المصالح، وأن يقوم كل طرف بالدور الذي عليه".
يتابع المفكر السياسي: "أعتقد أن المنطقة تمر بمرحلة غاية في الدقة منذ 1 أبريل 2021، الذي شهد بيان قمة العلا الذي أنهى مرحلة الاستقطاب الحاد في إقليم الشرق الأوسط". ولفت إلى أن إعلان العلا أنهي التحالف الرباعي العربي ضد قطر وتركيا، وبناء عليه بدأت عملية أخذت بعض الوقت أحيانًا وتسارعت أحيانًا أخرى.
موضحًا أن العلاقات الإماراتية التركية كانت سريعة، ولكن ليست كعودة العلاقات السعودية التركية التي كانت أسرع، وفي الحالة المصرية، لا تزال عملية إعادة العلاقات تأخذ بعض الوقت، حتى ولو تحسنت الأجواء كثيرًا؛ وذلك لوجود العديد من الملفات الخلافية والتشابكات في القضايا بين الدولتين (مصر وتركيا).
يقول الدكتور سعيد إن الاتفاق السعودي الإيراني مهم وسيكون له انعكاسات على العديد من قضايا المنطقة، وقال: "لقد بدأت المحادثات بين الدولتين عبر منصة عراقية وعمانية وحينما نتكلم عن المنصة العمانية فنحن نتكلم بذلك على موضوع اليمن، إلى أن وصلنا لاتفاق إعادة العلاقات بين البلدين برعاية صينية، ثم أنباء عن قرب التوصل لاتفاق وقف دائم لإطلاق النار في اليمن".
ورجح أن تكون مسألة بحث عودة سوريا إلى الجامعة العربية هي المتصدرة أجندة العديد من الهيئات الدبلوماسية العربية، لكن هذا الملف لابد أن يعالج بحذر شديد، فالأوضاع داخل سوريا ليست على ما يرام، هناك انقسام كبير في المجتمع، وانهيار للبنية التحتية، كما أن أجزاء كبيرة من الدولة محتلة، وهناك اعتماد سوري كبير على روسيا وإيران، إلى جانب أن العملية السياسية في سوريا متجمدة.
وتابع: "ظني أن الإجراءات العربية حاليًا التي تضمن إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، سيترتب عليه اتفاقات وترتيبات جديدة للأوضاع الداخلية سواء على مستوى علاقات سوريا مع الأطراف الخارجية أو علاقات المكونات السياسية السورية بالنظام".
سمة مميزة للمرحلة
لفت الدكتور سعيد إلى أن السمة المميزة لتلك المرحلة، هو اعتماد العرب على أنفسهم في إدارة الأحداث، وأنهم أصبحوا هم المبادرين بالفعل، في إشارة إلى تراجع ما كانت تعتبره أمريكا وصاية تاريخية أو دور تاريخي على المنطقة.
تابع المفكر السياسي: "الاعتماد على النفس أمر جيد جدًا، وظهر هذا، قبل اجتماع الرؤساء مع الرئيس بايدين، جرت العديد من المشاورات العربية العربية، لذلك خرج بيان القمة الأمريكية العربية متوازن جدًا".
لفت الدكتور سعيد إلى أن الصين لاعب جديد في الساحة العربية، لكن لابد من الأخذ في الاعتبار أن الصين تاريخيًا لا تنخرط في الملفات كافة لكنها تعطي الأولوية للملفات