عاجل| هل انخفاض العقود الآجلة مؤشر على تعويم جديد للجنيه؟
ذكر وقع "انفستنج دوت كوم" أنه في ظل استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري إلى مستويات قياسية بالعقود الآجلة غير القابلة للتسليم، يتكاثر الحديث عن ماهية هذه العقود ومدى تأثيرها على الجنيه سواء خلال هذه الفترة أو حتى في المستقبل.
وفي الوقت نفسه، وصل الدولار إلى أعلى مستوياته في السوق الموازية، نتيجة لارتفاع الطلب على العملة الأمريكية ونقص المعروض منها في الأسواق، مع عودة أزمة تباطؤ الإفراجات الجمركية، وتكدس البضائع في الموانئ المصرية، ولجوء شريحة كبيرة من المستوردين إلى السوق الموازية للعملة لتدبير الدولار، وهي الأسباب التي دفعت بنوك ومؤسسات دولية مثل بنك "HSBC" إلى توقع تراجع الجنيه إلى مستويات جديدة أمام الدولار.
وعلى الجانب الآخر، تترقب الأسواق اجتماع المركزي المصري نهاية الأسبوع المقبل بشأن تسعير الفائدة. في ظل مواصل الجنيه استقراره في سوق الصرف الرسمية، ليسجل بنهاية تعاملات أمس 30.84 للشراء، و30.95 للبيع، وفقًا لبيانات المركزي المصري.
العقود الآجلة.. ما هي؟ وهل تشير إلى تراجع الجنيه؟
منذ أيام واصلت العقود الآجلة غير القابلة للتسليم للجنيه المصري تراجعاتها القوية من جديد. حيث تخطت حاجز الـ 40 جنيه مقابل الدولار لأجل 12 شهرًا، وفقًا لبيانات وكالة "بلومبرغ".
والعقود الآجلة هي عقود تتم بين طرفين، حيث يضع كل طرف رهانه في هذا العقد على السعر الذي سيصل إليه الجنيه بعد عام من الآن - إذا كانت لأجل 12 شهرًا-، ولهذه السبب سميت آجلة أي لا تحدث عاجلًا. فعلى سبيل المثال، إذا اشتريت جنيه بعقد آجل لمدة سنة بسعر 40 جنيه للدولار الواحد، وبعد مرور هذه السنة إذا كان سعر الدولار 50 جنيهًا ستحقق ربحًا كبيرًا، أما إذا ظل كما هو أو انخفض دون الـ 40 فلن تحقق أي أرباح. وبالتالي إذا توقعت هذه العقود ارتفاعًا بالدولار يدل ذلك على أن هناك مخاطر تحيط بالجنيه المصري، والعكس صحيح.
ولكن الجدير بالذكر في هذا الإطار، أننا نتحدث هنا في حالة الجنيه المصري عن عقود آجلة غير قابلة للتسليم، والتي تعتبر مجرد أداة تستخدم عموما للتحوط أو المضاربة على العملات عندما تزيد ضوابط الصرف من صعوبة تداول الأجانب في السوق الفورية مباشرة. حيث يختلف العقد الآجل غير القابل للتسليم عن العقد الآجل العادي في أنه لا توجد تسوية فعلية للعمليتين عند حلول موعد الاستحقاق.
وغالبًا تقوم البنوك الاستثمارية كبرى وصناديق التحوط العالمية باستخدام العقود الآجلة وتتداولها منصات إلكترونية دولية، حيث يتم استخدامها عندما تواجه عملة ما تقلبات في أسعارها، حيث يتم وضع سعرًا مستقبيليًا متفق عليه بين الطرفين يحمي من خلاله المستثمر أرباحه واستثماراته. ويحدث ذلك غالبًا بالعملات غير المحررة بشكل كامل، حيث تتعرض دائمًا لتقلبات بفعل الفجوة بين السعر الرسمي والسعر بالسوق الموازية، بجانب أنها تعد مؤشرًا على سعر العملة في المستقبل، وذلك على وقع أن المضاربات على ارتفاعها في المستقبل تكون مبنية على مخاطر تحيط بهذه العملة. وغالبًا ما يحتاج البنك المركزي إلى سد الفجوة بين السعر الرسمي والآجل لمنع المضاربات على العملة.
وفي الوقت نفسه، دائمًا ما تتسع الفجوة بين السعر الرسمي والعقود الآجلة في أوقات الأزمات أو الضغوطات التي يشهدها الاقتصاد المصري بفعل شح العملة وهروب الأموال الساخنة، وهو ما حدث في مارس وأكتوبر من العام الماضي، ويناير هذا العام، مما استدعى تخفيضًا جديدًا بقيمة الجنيه لتقليل الفجوة بين السعر الرسمي والسعر بالسوق السوداء، خاصة بعد أن راهنت الأسواق على انخفاض الجنيه بالعقود الآجلة في مدى 12 شهرًا.
3 أسباب لانخفاض الجنيه بالعقود الآجلة
أشار الخبراء إلى أن ارتفاع سعر العقود الآجلة للجنيه أمام الدولار يرجع إلى 3 أسباب تتعلق بحالة عدم اليقين بشأن سعر صرف الجنيه المستقبلي، وكذلك سعر الفائدة الحالي المطبق على الجنيه والدولار، ويصب ارتفاع تكلفة المخاطر الاقتصادية العالمية يصب في صالح الدولار مقارنة بأي عملة في الأسواق الناشئة ومنها مصر، غير أن حالة عدم اليقين بشأن صعوبة تحديد المراقبين لزيادة سعر الفائدة التي سيقررها الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأمريكي) على الدولار، وكذلك صعوبة توقع اتجاه لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي لرفع سعر الفائدة في اجتماعه المقبل 30 مارس الجاري أو في اجتماع استثنائي انعكس على زيادة مخاطر تذبذب سعر الجنيه أمام الدولار باعتباره من أحد العوامل التي تؤخذ في الحسبان عند تحديد قيمة الجنيه أما السبب الثالث فهو صعوبة إيجاد عارضين من البنوك المراسلة خارج مصر للموافقة على إتمام عقود آجلة للدولار في ظل حالة عدم اليقين القائمة حاليًا.
يذكر أن زيادة تكلفة تأمين العقود الآجلة للجنيه لن تؤثر مباشرة على سعر الجنيه، لكنها مؤشر بشأن مخاطر سعر صرف الجنيه الحالي ولفترة زمنية مستقبلية محددة ليس بشرط أن تتحقق، ولكن يتم تأمين التاجر من خلالها في حالة وجود مخاطر متوقعة بشأن السعر المستقبلي.
أشار تقرير بنك "إتش إس بي سي" الصادر يوم الأربعاء إلى أن التراجع في سعر صرف العملة المحلية سيضيف أعباءً إضافية إلى الأسعار المرتفعة بالفعل، ومن الممكن أن يرفع معدل التضخم فوق 40% خلال أشهر الصيف ويتوقع البنك أن يقوم البنك المركزي بزيادة أسعار الفائدة بـ 300 نقطة أساس، وهو ما يؤثر سلبًا على معدلات النمو التي تعاني بالفعل بسبب تراجع المعنويات وهبوط الدخل الحقيقي، كما سيضيف ضغوطًا على التمويل العام، مما يؤخر الاستقرار في معدلات الدين المرتفعة بالفعل.
وذكرت مجموعة "جولدمان ساكس" في وقت سابق من هذا الشهر إن البنك المركزي المصري قد يضطر إلى رفع أسعار الفائدة بما يصل إلى 300 نقطة أساس عندما يجتمع بنهاية مارس الحالي، ولكن رفع أسعار الفائدة بهذا الحجم ليس هو الأول، فمع خفض قيمة الجنيه عدة مرات خلال العام الماضي اضطرت مصر إلى هذه الإجراءات لخفض التضخم حيث رفع البنك المركزي سعر الفائدة على الودائع القياسية بمقدار 300 نقطة أساس في ديسمبر - وهو أكبر معدل منذ عام 2016 - إلى 16.25٪ لكنه أبقاه عند هذه المعدلات منذ ذلك الحين.
واتجه البنك المركزي المصري للتشديد النقدي في مواجهة ارتفاع معدلات التضخم محليًا، حيث قرر رفع الأسعار بنحو 8% خلال عام 2022، متماشيًا مع التوجهات العالمية نحو تشديد السياسات النقدية، فيما تعد الزيادة الأكبر في تاريخ البنك المركزي المصري خلال عام.
توقعات الجنيه الفترة المقبلة
أفاد تقرير حديث من بنك "إتش إس بي سي - HSBC" بأن الدولار سيصل لمستويات الـ 35-40 جنيه للدولار الواحد خلال الأشهر القادمة، أي على المدى المتوسط كان بنك "إتش إس بي سي" قد توقع في وقت سابق أن يبلغ سعر الدولار مستوى 30-35 جنيها خلال العام الحالي. لكن التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري دفعته لتعديل توقعاته المتعلقة بالجنيه المصري لتصل إلى ما بين 35 - 40 جنيهًا خلال الأشهر القادمة وعلى المدى المتوسط وتابع البنك في تقريره أن الدولار سيصل إلى مستويات 37.5 جنيه كسعر متوسط خلال العام بدلا من متوسط سعر 32.5 جنيهًا في توقعاته السابقة التي صدرت في يناير.
وتوقعت وكالة "فيتش سوليوشنز" تسجيل سعر صرف الجنيه أمام الدولار 30 جنيهًا بنهاية العام الحالي، وذلك بعد أن ينخفض أمام الدولار إلى مستويات الـ 33 على المدى القصير خلال الأسابيع القادمة.
وأرجعت الوكالة ارتفاع الجنيه إلى مستويات الـ 30 بنهاية العام بعد انخفاضه إلى 33 إلى عدة عوامل أبرزها التقدم السريع في بيع الأصول المملوكة للدولة بحلول النصف الثاني من 2023، وزيادة تدفقات العملات الأجنبية، والتقارب بين سعر الصرف الرسمي ونظيره بالسوق الموازية وأكدت أن التخوفات من تفاقم الركود في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، سيعيق حدوث انتعاش أقوى في قيمة الجنيه خلال عام 2023 وذكرت أن الانخفاض المستمر في العملة بسبب التزام البنك المركزي باتباع سعر صرف مرن، وهو الأمر الذي سيستغرق بعض الوقت خوفًا من حدوث تراجع مفرط في قيمتها وأفاد تقرير سابق لبنك كريدي سويس أن سعر الدولار في مصر سيصل إلى مستويات الـ 35 جنيها ويرى البنك السويسري أيضا أن تنفيذ برنامج صندوق النقد يعتبر مناسبًا لتحسين الوضع الاقتصادي الحالي حتى وإن تم تنفيذه بشكل جزئي أو متأخر من قبل الحكومة.
بينما لم يحدد بنك أوف أمريكا سعرا متوقعًا للدولار، لكنه يرى أن تراجع الجنيه هو الحل العملي لسد فجوة التمويل الخارجية التي تعاني منها مصر في الآونة الأخيرة، حيث توقع تراجعًا كبيرًا دون تحديد نسبة التراجع وفي الوقت نفسه، أكد بنك "سوسيتيه جنرال" الفرنسي، منذ أيام، أن الجنيه سيتراجع بنحو 10%، قبل نهاية شهر مارس الحالي، ليصل إلى 34، بضغط من تزايد الديون أدى إلى حاجة الدولة إلى عملة أرخص، مع تعاظم عجز الحساب الجاري والنقص الحاد في الدولار. متوقعًا أن تنخفض قيمة الجنيه مرة أخرى في المستقبل القريب، مرجحًا أن يُنهي الربع الحالي دون مستوياته الحالية بنحو 10%.
فيما تحدثت كارلا سليم، الاقتصادية المختصة بشؤون الشرق الأوسط في بنك ستاندرد تشارترد، عن الوضع الاقتصادي المصري في مقابلة على بلومبرج. وقالت كارلا إن التأخير في توفر الأموال الساخنة قد يدفع الجنيه للهبوط مقابل الدولار إلى مستويات الـ 33-35 لتحفيز الاستثمارات الخليجية للدخول وإعادة الأموال الساخنة من جديد للاقتصاد المصري.