دلالات الغياب العربي عن "قمة الديمقراطية" في واشنطن
تعقد في واشنطن هذه الأيام قمة الديمقراطية بحضور زعماء وقادة دول وشخصيات من حول العالم، ووفقًا لموقع دويتش فيله الألماني، تشهد القمة غيابًا عربيًا ملحوظًا، فهل تغيرت أولويات واشنطن حيال المنطقة العربية؟ وهل للغزو الروسي لأوكرانيا تأثير على تغير تلك الأولويات؟ رغم أن دعم الديمقراطية في العالم كان أحد أهم شعارات حملته الانتخابية للرئاسة، يرى البعض أن الرئيس الأمريكي جو بايدن غير من أولوياته بشكل واضح.
وعلى مدار يومين، تستضيف الحكومة الأمريكية "قمة الديمقراطية" التي تناقش مجموعة متنوعة من الملفات الدولية الساخنة يناقش فيها قادة من جميع أنحاء العالم (120 دولة) بما فيها عدة دول إفريقية، سبل تعزيز الديمقراطية في العالم كما يشارك المستشار الألماني أولاف شولتز في القمة عبر الفيديو.
وعلى أجندة القمة لهذا العام عدة ملفات هامة منها الشراكات الجديدة التي تعزز الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد وسيادة القانون والعدالة وبناء الثقة في المجتمعات والشفافية المالية والنزاهة وتعزيز العمل الجماعي والتحديات التي تواجه الديمقراطيات ووضع المرأة، إلى جانب الأزمة الأوكرانية وسبل إنهاء الغزو الروسي.
تعهدات جديدة
استهل الرئيس الأمريكي جو بايدن القمة بتعهد بلاده بإنفاق 690 مليون دولار لتعزيز برامج الديمقراطية في أنحاء العالم، وقال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية إن إدارة بايدن تعتزم اغتنام فرصة القمة التي تستمر يومين بهدف التركيز على جعل "التكنولوجيا تعمل لصالح الديمقراطية وليس ضدها" ويركز التمويل الجديد على البرامج التي تدعم وسائل الإعلام الحرة والمستقلة ومكافحة الفساد وتعزيز حقوق الإنسان وتطوير التكنولوجيا التي تعمل على تحسين الديمقراطية ودعم انتخابات حرة ونزيهة، حسب المصدر نفسه.
يذكر أن "قمة الديمقراطية" تستضيفها الولايات المتحدة "لتجديد الديمقراطية في الداخل ومواجهة الأنظمة الاستبدادية في الخارج" واستضافت الولايات المتحدة القمة الأولى(2021) بمفردها، وضمت هذه المرة 4 مضيفين مشاركين - كوستاريكا وهولندا وكوريا الجنوبية وزامبيا - بعد أن انتقد سفراء من الصين وروسيا القمة الأولى، واتهموا بايدن بإحداث انقسام عالمي بعقلية الحرب الباردة.
دلالات ضعف الحضور العربي
وفيما عدا العراق، تشهد القمة هذا العام ضعفًا في الحضور العربي وغياب متحدثين أساسيين منه، كما لم يتم اختيار أي دولة عربية ضمن الدول الأساسية المستضيفة للقمة، الأمر الذي قد يُعزى لعدة عوامل، منها تركيز الولايات المتحدة على الشؤون الداخلية، والتحديات التي تواجهها في العلاقات الدولية مع دول أخرى مثل روسيا والصين ويرى المحللون أن هذا لا يعني بالضرورة تراجع أهمية الديمقراطية في السياسة الأمريكية بالعالم العربي. فالولايات المتحدة لا تزال تعتبر الديمقراطية وحقوق الإنسان جزءًا أساسيًا من سياستها الخارجية، ولكن قد يكون الانشغال بمسائل أخرى مؤقتًا يؤثر على حضورها في المنطقة.
ويرى البعض أن تراجع الحضور يأتي نتيجة لفشل تجارب "الربيع العربي" وعدم الاستقرار في بعض الدول العربية، وهو ما يجعل الولايات المتحدة تركز على الأولويات الأخرى مثل محاربة الإرهاب والتعاون الاقتصادي.
ويرى الدكتور طارق الكحلاوي، الناشط السياسي التونسي ومدير سابق للمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية (في فترة حكم الرئيس الأسبق الدكتور منصف المرزوقي) أن سبب ضعف الحضور العربي هو "حالة الجفاف والجدب الديمقراطي في المنطقة العربية، وبالتالي من الطبيعي أن يكون الحضور العربي ضعيفًا في قمة معنية بالديمقراطية بمعنى أن تسجيل الغياب في هذه الحالة سيكون بديهيًا".
وأضاف الكحلاوي في تصريحاته لدويتش فيله - عربية من تونس أن هناك أيضًا "تراجع حتى في بعض الدول التي سجلت تقدمًا في سجل الديمقراطية ومنها تونس وهناك تراجع عن عدد من المكاسب الديمقراطية. وهناك أيضًا ما يمكن اعتباره توترًا في العلاقة بين تونس والولايات المتحدة اتضح في زيارات المسؤولين الأمريكيين الأخيرة لتونس، منها نائبة وزير الخارجية منذ أسبوع، وكلها زيارات سجلت بشكل متواتر انتقادات تجاه تونس والرئيس قيس سعيد خاصة في مسائل الفصل بين السلطات والطريقة التي تمت بها الانتخابات ما يعتبره الأمريكيون تراجعا في التشاركية".
أما الدبلوماسي الأمريكي السابق الدكتور نبيل خوري فقال إن القمة هي تظاهرة سياسية لإدارة الرئيس بايدن ليقول إن الولايات المتحدة ستقود الحركة الديمقراطية في العالم وتدعمها كما أنها فرصة لتبادل الآراء، بما يشبه مؤتمر أكاديمي، فالافتتاحيات بالأمس لبعض الرؤساء المشاركين منهم الرئيس العراقي طبعا كانت خطابات سياسية.
وعن سبب ضعف الحضور العربي في القمة، قال خوري في حوار هاتفي مع DW عربية من واشنطن: "من الناحية الواقعية ليس هنالك ديمقراطية حقيقية في العالم العربي، ربما هنالك محاولات أو بدايات، لذا اعتقد أنه كان من الأفضل التركيز على المجتمع المدني. لأنه في العالم العربي - وإن لم تكن هنالك حكومات ديمقراطية بكل معنى الكلمة - هناك مجتمعات مدنية قوية ونشطة مثل المجتمع المدني المغربي واليمني".
وأعرب خوري عن اعتقاده بأنه كان من الضروري "تشجيع المجتمعات المدنية التي تسعى إلى دعم الديمقراطية ومساعدتها وأن هذا الأمر كان يجب أن يكون له الأولوية، وكذا مناقشة كيف يمكن للولايات المتحدة أو دول أخرى أن تساعد على تقوية المجتمعات المدنية، فإذا كان الهدف تشجيع الديمقراطية فأظن أنه كان من الأفضل التركيز بشكل أكبر على المجتمعات المدنية، وبهذه الحالة سيكون للعالم العربي حضور أكبر وأهم".
براجماتية أمريكية
وتشير تقارير وتحليلات مختلفة إلى أن تراجع دعم الولايات المتحدة للديمقراطية في العالم العربي سببه الأساسي هو النهج البراغماتي، لأن الولايات المتحدة يبدو أنها أقرت بالأمر الواقع وقررت التعامل مع هذه الأنظمة العربية، على الرغم من أن دعم الديمقراطية ومواجهة الديكتاتوريات حول العالم كانت في صميم الحملة الانتخابية للرئيس بايدن.
في هذا السياق يقول طارق الكحلاوي إن السياسة الأمريكية عمومًا لم تكن مسألة دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان من أولوياتها على المستوى العملي والفعلي لكن المسألة الديمقراطية طبعًا على مستوى الخطاب الأمريكي الرسمي هي مسألة مركزية، وحتى في الربيع العربي في 2011 كانت تتعامل ببراجماتية كبيرة وهناك مسألة خوف واشنطن من ترك فراغات، أو أن تلعب روسيا والصين أدوارًا متقدمة في المنطقة العربية.
تأثيرات حرب أوكرانيا على الدعم الأمريكي للديمقراطية
وفيما يتعلق بتأثير حرب أوكرانيا على توجهات السياسة الأمريكية في العالم العربي ولاسيما في ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان، فرغم أن هذا الأمر قد لا يكون له تأثير مباشر إلا أن النزاع الروسي الأوكراني قد يؤثر على أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة إذ من المهم ملاحظة أن الولايات المتحدة تعمل على مواجهة التحديات في السياسة الخارجية بشكل شامل، وقد تؤثر الأحداث في مختلف أنحاء العالم على أولوياتها وتركيزها في المنطقة، خاصة وأن السياسة الخارجية الأمريكية تتأثر بالعديد من العوامل، وليس هناك عامل واحد يؤثر على توجهاتها بشكل حصري.
في هذا الصدد، يعتقد الدبلوماسي الأمريكي السابق الدكتور نبيل خوري من واشنطن أن انهماك الولايات المتحدة ودول أوروبا وأعضاء الناتو في الحرب في أوكرانيا يكلف الكثير من الجهود والأموال، وهذا يتسبب في تحول مصادر مساعدة الديمقراطية إلى مساعدة أوكرانيا ضد روسيا، وبالتالي فرغم أن إدارة بايدن تريد دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان لكن البراغماتية والواقعية تفرض أمرًا آخر فالولايات المتحدة تريد أن تؤمن مصالحها الأمنية والاقتصادية وعلاقتها مع دول الخليج، أكبر مثال على ذلك.
ويقول خوري إن "هذا التناقض أو التجاذب ما بين مصلحتين، ولكن هل تتغلب المصلحة الاقتصادية والمصلحة الأمنية كما في أوكرانيا على مصلحة مساندة الديمقراطية؟ هذا تحد كبير لإدارة بايدن، ولا أظن أنهم يعرفون الجواب عن هذا السؤال".
من جانبه، قال المدير التنفيذي لمكتب مؤسسات المجتمع المفتوح في الولايات المتحدة والعضو الديمقراطي السابق في الكونجرس توماس بيرييلو: "هناك انقسامٌ أساسي في الوقت الحالي بين القادة الذين يحكمون بلدانهم بقمعيةٍ وسلطوية مقابل أولئك الذين يسيرون في اتجاه أكثر انفتاحًا وديمقراطية". ويضيف أنه في حال جرت القمة بالشكل الصحيح، يمكنها أن تكون بمثابة "ثقل موازن" لصعود الأنظمة الاستبدادية، بحيث تساعد الديمقراطيات الناشئة على تبادل الخبرات فيما بينها".