في ذكرى تأسيسه الـ1083.. محطات مشرقة في مسيرة الجامع الأزهر قبلة الوسطية
تحل اليوم الأربعاء، السابع من رمضان الذكرى الـ 1083 على افتتاح الجامع الأزهر الشريف، قبلة العلم وكعبة العلماء، ومقصد الطلاب والباحثين من مصر وأكثر من 100 دولة حول العالم، والذي يشهد طفرة كبيرة في الأنشطة الدعوية والفعاليات العلمية خلال السنوات العشر الأخير، وهو ما وصفه كثير من المحللين والمهتمين بأنه عودة للجامع والجامعة.
وقال الدكتور خلف جلال الباحث التاريخي بالجامع الأزهر - في بيان اليوم - أن الجامع الأزهر الذي أسسه القائد جوهر الصقلي كثاني معلم من معالم القاهرة، تأسس عقب تأسيس مدينة القاهرة، بدأ عمارته في الرابع والعشرين من جمادي الأولى سنة 359هـ الموافق 7 من مايو 970م، وبعد تشييده بعامين تم فتح الصلاة فيه في السابع من شهر رمضان سنة 361هـ، الموافق 23 من يونيو سنة 972م، وبذلك يكون بناؤه قد استغرق سنتين وثلاثة أشهر.
وأوضح أن أول صلاة أقيمت في الجامع الأزهر كانت صلاة الجمعة، ويعد الأزهر أول مسجد جامع أقيم في مدينة القاهرة المعزية، وأول عمل فني معماري أقامه الفاطميون في مصر ولا يزال قائمًا حتى اليوم، ويشغل نفس المكان الذي أقيم فيه منذ ألف سنة، وإن كان قد ألحق بمبناه منشآت جديدة زادت في مساحته الأولى، وما زالت في الجامع الأزهر بقية من المنشآت والنقوش الفاطمية الأولى تحتل ذات المكان الذي أقيمت فيه عند إنشاء المسجد، وهي تكاد تبلغ نصف مساحة المسجد الحالي.
وأضاف الباحث التاريخي بالجامع الأزهر، أن جوهر الصقلي، جعل أمام الجامع الأزهر رحبة فسيحة جدًا، وكان الخلفاء الفاطميون حين يذهبون إلى الجامع الأزهر للصلاة بالناس يترجل الجنود ويصطفون في هذه الرحبة حتى يدخل الخليفة الجامع، ويشمل الأزهر مكانًا مسقوفًا يسمى مقصورة ومكانًا آخر غير مسقوف يسمى صحنًا، بالإضافة إلى الملحقات التي تتبع المساجد عادة.
وأشار إلى أن جوهر الصقلي بنى مقصورة كبيرة فيها 76 عمودًا من الرخام الجيد الأبيض اللون في صفوف متوازية، كما بنى قوصرة بين كل عمودين، كما أنشأ جوهر محرابًا بالمقصورة التي بناها ويسمى القبلة القديمة، وكتبت جملة تذكارية في الجامع الأزهر بالخط الكوفي بدائرة القبة التي في الرواق الأول إلى يمين المحراب والمنبر، إلا أن هذا النقش قد اندثر.
وبحسب ما وصفه الباحث التاريخي، أن مسطح الجامع عندما بناه جوهر الصقلي كان يقرب من نصف مسطحه الحالي، ثم ما لبث أن أضيفت إليه بنايات أخرى في أزمنة متعددة، حتى وصل إلى الحالة التي هو عليها الآن، وأول ما يقابل الداخل إليه من الناحية البحرية "المواجهة لميدان الأزهر الآن"، وبابان متجاوران يعرفان ببابي المزينين أنشأهما الأمير عبدالرحمن كتخدا سنة 1163هـ 1753م، وهما يؤديان إلى مجاز محصور بين مدرسيتين إحداهما اليسرى الشرقية، وتعرف باسم المدرسة الأقبغاوية نسبة إلى منشئها الأمير: علاء الدين آقبغا عبدالواحد" سنة 740هـ 1339م، وتشغلها الآن مكتبة الأزهر، وبهذه المدرسة محراب زينت حنيته – أي محرابه – وكوشه العقد بالفسيفساء المذهبة والمتعددة الألوان، ويعد محراب هذه المدرسة من أبدع محاريب القاهرة.
ولفت الباحث إلى أن المدرسة الثانية هي "المدرسة الطيبرسية " نسبة إلى منشئها الأمير علاء الدين طيبرس سنة 709هـ - 1309/1310م، وجعلها مسجدًا زيادة في الجامع الأزهر، وقد جعلت الآن كملحق للمكتبة، وبها محراب جمع رخامه على نظام خاص، يعتبر آيه في الدقة والإبداع، وقد أصلح واجهة هذه المدرسة، أيضًا الأمير عبدالرحمن كتخدا، وللمبنى شبابيك تطل على الجامع الأزهر، إلا أنه حافظ بشبابيكها المكونة من أشكال هندسية صنعت من النحاس المصبوب الذي لم يستخدم إلا في بضعة آثار أخرى.
واسترسل الباحث التاريخي عرضه ووصفه للجامع الأزهر قائلا: وينتهي المجاز من الناحية القبلة بباب تجاوره مئذنة وكلاهما من إنشاء السلطان قايتباي سنة 873هـ / (1458م، وفيها بلغت صناعة الزخرف في الحجر غاية الإبداع، ومن المرجح أن يكون هذا الباب قد حل محل الباب الأصلي للجامع حين إنشائه، ومنه ننتهي إلى صحن مكشوف مستطيل الشكل تحيط به الايوانات من ثلاث جهات، 5 منها في الرواق الشرقي، و3 في كل من الرواق القبلي والبحري، أما الرواق الغربي فخلو منها، وواجهات الأيوانات الأربعة محمولة على عقود فارسية الطراز، وفي وسط الرواق الشرقي مجاز يتجه عاموديا على المحراب القديم.
وأضاف "يعلو مقدمة هذا المجاز من عند الصحن، قبة محمولة على أعمدة وأكتاف، وعقود هذا المجاز تعتبر أقدم عقود في هذا الرواق، وعقود المجاز وسقفه مرتفع عن باقي الرواق، وقد حليت عقوده وواجهاتها بنقوش نباتيه جميلة وكتابات كوفيه مزهوة، وبأعلى الجدار الأصلي للجامع توجد شبابيك القديمة منها ذات، عقود مستديرة، وهي جصية ومفرغة بأشكال هندسية تتخللها مضاهيات ملونة، ويحيط بهذه النوافز أفريز من الخط الكوفي المزخرف بآيات من القرآن الكريم، وما زالت بقايا هذه الشبابيك تحدد الجامع القديم من جهاته الثلاث الشرقية والقبلية والبحرية.
وأوضح الباحث أن الأزهر ظل على مدار تاريخه يفتح أبوابه للظامئين إلى العلم والمعرفة من العلماء والطلاب من داخل مصر وخارجها دون تمييز أو إقصاء، فهو يمثل القِبْلة العلمية لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، والأُنموذج الذي يُحتذَى به في الترابط العربي والإسلامي، وصار يتفرد عن غيره من الجامعات الإسلامية على مر العصور بعالمية رسالته التي تقوم على كونه المنبع الأصيل للعلوم الإسلامية والعربية والعقلية، والموطن الدائم لطلاب العلم من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وبدوره الراسخ والفاعل والإيجابي والمتواصل في خدمة ورقي الحضارتين الإسلامية والإنسانية.
وأشار إلى أنه انبثق عن الأزهر مجموعة من الأورقة منها أروقة الوافدين، ورواق الأتراك، ورواق الشوام، ورواق الحرمين: تم تخصيص هذا الرواق للوافدين من بلاد الحرمين الشريفين، ورواق اليمنية،ورواق الأكراد، ورواق البغدادية، ورواق السليمانية، ورواق الهنود كان هذا الرواق مخصصًا للطلبة الوافدين من الهند، ورواق الجاوة (الجاوية): وكان مخصصًا للوافدين من إندونيسيا والفلبين وماليزيا، وأروقة المصريين.