لماذا رفع الكرملين بروتوكول زيارة الأسد الأخيرة لمستوى أعلى؟
يشير الاحتفاء الروسي العلني بزيارة الرئيس السوري الأخيرة إلى موسكو، على عكس اجتماعاته السرية السابقة، إلى أن الأسد في وضع أقوى للتفاوض مع موسكو، وفقًا للمحلل الروسي أنطون مارداسوف، في تقرير نشره موقع المونيتور الأمريكي.
وكانت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو الأخيرة هي الأولى له التي يطبق فيها البروتوكول المعتاد، ولا تعامل على أنها عملية خاصة كزياراته السابقة التي لم يتم الإعلان عنها سوى بعد وقوعها.
كانت زيارة الأسد مختلفة في هذه المرة، حتى أن رحلته سبقها الإعلان عنها فقد ذكرت صحيفة فيدوموستي الروسية في 6 مارس عن الاستعدادات للزيارة الرسمية وشمل حفل استقبال الأسد في مبنى الحكومة بمطار فنوكوفو الاستقبال الرسمي على السجادة الحمراء واستعراض حرس شرف وعزف النشيد الوطني السوري بالأوركسترا وكان نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف والسفير الروسي في سوريا الكسندر يفيموف والسفير السوري لدى موسكو بشار الجعفري في انتظار وصول بشار الأسد.
وكان الأسد قد سافر سابقًا إلى روسيا أربع مرات سرًا، هلال الفترة من 2015 إلى 2021 وكما لاحظ الخبراء الروس، فإن هذه الزيارة - "علنية ورسمية ومختلفة ولا تشير فقط إلى أن الوضع العالمي قد تغير، ولكن أيضًا تحمل دلالاتها توقعات معينة" لموسكو ودمشق من المفاوضات، ومع ذلك، لا تزال هناك بعض الملاحظات؛ فقد تم تعديل لقطات لقاء الأسد في المطار لتجنب إظهار صور الطائرة التي نقلته إلى موسكو على عكس مزاعم الخبراء الروس بأن "الأسد لم يعد تحت التهديد"، يبدو أن الرئيس السوري قد نُقل إلى فنوكوفو على متن طائرة من طراز IL-62M تابعة لوزارة الدفاع الروسية، يستخدمها العديد من المسؤولين الروس، عبر أجواء الأردن والمجال الجوي الإيراني.
وحاولت موسكو أيضًا إضفاء الطابع الرسمي على الزيارة من خلال إضافة وضع الزهور على ضريح الجندي المجهول في حديقة الكسندروفسكي إلى برنامج زيارة الأسد، مع استعراض حرس الشرف العسكري بالإضافة إلى ذلك، أجريت المحادثات في الكرملين مع وفود ضمت وزراء الاقتصاد والدفاع والمالية.
ومع ذلك، فإن هذا لم يزيل الأسئلة التي كان العديد من خبراء السياسة الخارجية يطرحونها: لماذا لم يتم اتباع القواعد المعتادة للبروتوكول الدبلوماسي من قبل؟ لماذا لم يستقبل بوتين الأسد عند الطائرة طالما تم الاستقبال رسميًا على السجادة الحمراء.
وتبدو هذه الأسئلة مهمة بالفعل، لأن مثل هذه الفروق الدقيقة غالبًا ما تشكل السياسة الخارجية للشرق الأوسط وقد يكون هناك سببان على الأقل لنهج روسيا الجديد؛ الأول: هو أن موسكو أخذت في الاعتبار رحلات الأسد الأخيرة إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، دون أي رعاية روسية والثاني أن موسكو قررت تقديم خدمة للأسد لأنها تحتاج أيضًا إلى شيء منه، ألا وهو موافقته على مواصلة الاتصالات مع تركيا وعقد لقاء محتمل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو شريك تجاري مهم لموسكو.
في لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شكر الأسد الجانب الروسي على كل شيء فعلته من أجل سوريا كما قالت صحيفة كوميرسانت الروسية ومع ذلك، فإن مثل هذا الخطاب الغارق في المجاملات من الأسد لا يشير في الحقيقة إلى الكثير من الدلالات وأشار مصدر في السلك الدبلوماسي الروسي في تصريحات لموقع المونيتور إلى أنه خلال الزيارات العديدة للوفود الروسية إلى دمشق للإعداد للمحادثات مع المعارضة، أبدى الأسد دائمًا الاستعداد نفسه لقبول المبادرات الروسية وقال مصدر مطلع على العلاقات الروسية السورية "لكن في الحقيقة بنفس الحماس خرب نظام الأسد وعرقل كل المقترحات بعد مغادرة الوفود الروسية القصر الرئاسي."
وفي اليوم التالي لمحادثات الأسد وبوتين، أصبح معروفًا أن اجتماع نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري قد تم تأجيله "لأسباب فنية" وقال دبلوماسي روسي سابق: "من الواضح أنه كانت هناك قوة قاهرة، ومن المحتمل أن تكون هذه القوة القاهرة هي الأسد نفسه في مقابلته مع وكالة سبوتنيك الروسية، حيث أعطى تركيا الإنذار السابق بلغة واضحة وتخلي عن المحادثات التي كان يتم التحضير لها من أنقرة".
من ناحية أخرى، تستمر الظروف المعيشية في المناطق التي تسيطر عليها دمشق في التدهور، وتبخرت آمال السكان في المشاركة الروسية في إعادة إعمار سوريا وفي هذا الصدد، من الواضح أن أي تنازلات من موسكو - سواء مع المعارضة في أستانة أو مع تركيا - ليست ضرورة للأسد، ويمكن أن يكون عنيدًا وعلى العكس من ذلك - بالنظر إلى الحرب في أوكرانيا - فإن موسكو هي الآن بحاجة إلى رأس الجسر السوري وحرية العمل في منطقة البحر الأبيض المتوسط أكثر مما يحتاج الأسد إلى الروس.
من ناحية أخرى، ينخرط الأسد بالفعل بنشاط مع لاعبين إقليميين بمفرده، ويخشى الكرملين من بعض المناورات التي قد تتم من خلف ظهر موسكو، كما يتضح من الوضع المتصاعد في إدلب عام 2020 فيما يتعلق بالاتفاقات السورية الإماراتية.
وتدرك موسكو جيدًا حاجة النظام السوري الملحة إلى إمدادات مستمرة من النفط ومواد البناء، لكنها لم تكن في عجلة من أمرها للمساعدة طوال هذه السنوات ولم يكن ضبط النفس في موسكو بسبب التهديد بالعقوبات ولكن بسبب حقيقة أن الشركات ليس لديها حافز للعمل بخسارة وعلى ما يبدو، بعد كل العقوبات الواسعة والخسائر ذات الصلة، ليس لدى رجال الأعمال الروس سبب وجيه لإعادة النظر في موقفهم السابق.