التجربة السيئة في العراق تقيد خطوات واشنطن في أوكرانيا
ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية أن الولايات المتحدة، في العقدين الماضيين منذ حرب العراق الثانية، تبدو مثل ملوك عائلة "بوربون" الأوروبية التي حكمت فرنسا وإسبانيا حتى القرن الثامن عشر حين نزع منهم العرش، فهم لم يتعلموا شيئًا ولم ينسوا شيئًا.
وكان الغزو والاحتلال غير الشرعيين للعراق قصة فشل جيوسياسي وكارثة سياسية داخلية على مستوى أمريكا فلا أحد يفهم القرار المتهور لشن الحرب، ولكي يفهم القرار يجب على المرء أولًا أن يفهم استراتيجية الولايات المتحدة الكبرى للهيمنة العالمية، التي اتبعتها واشنطن بثبات منذ عام 1945، فقد وفرت "الحرب على الإرهاب" غطاءً سياسيًا لمواصلة السعي إلى السيادة والسيطرة والهيمنة، وأثارت تصرفات جورج دبليو بوش المتهورة بعض الهمسات من القلق بشأن الضرر الذي تم إلحاقه بأمريكا ذاتها، ولكن تلك الهمسات سرعان تلاشت من أروقة السلطة وبدلًا من ذلك، رفضت الولايات المتحدة المضي قدمًا في نفس المسار، معتقدة أن الدول "إما معنا أو ضدنا".
وكان مفتاح قوة الولايات المتحدة هو قدرتها على الهيمنة على مناطق العالم الثلاثة الأكثر أهمية بالنسبة لها لأسباب أمنية واقتصادية وهي: أوروبا الغربية وشرق آسيا والشرق الأوسط، وتعتمد القوة الأمريكية على منع ظهور منافس مهيمن على اليابسة الأوراسية أو قوة واحدة في الخليج تسيطر على غالبية احتياطيات النفط في العالم ومع ذلك، فإن التحالفات الناشئة في الوقت الحاضر يمكن أن تؤدي إلى نتائج لا ترغب فيها واشنطن.
ويشير التاريخ إلى أنه عندما تصبح قوة عظمى قوية للغاية، فإنها تهزم بجهود الموازنة المضادة للقوى الكبرى الأخرى ويلقي الغزو الروسي لأوكرانيا، بجلاء شديد مدى الاختلاف في نظرة حلفاء الولايات المتحدة وبقية العالم إلى الصراع.
وأضافت الصحيفة البريطانية: "إن توسيع مجالات التبادل التجاري مع موسكو هو الذي يساعد روسيا على تفادي العقوبات الغربية على كل شيء من النفط إلى الرقائق الدقيقة المستخدمة في الصناعات التكنولوجية، إلى جانب صعود الصين، كشفت التطورات الأخيرة محاولات الولايات المتحدة للحفاظ على قوتها "أحادية القطب" في النظام السياسي الدولي، والتي حصلت عليها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1989.
وتتصور الولايات المتحدة الوصول إلى عالم متعدد الأقطاب ومتنوع أيديولوجيًا على أنه لحظة خطر كبير ويذهب المنطق إلى أنه كلما زاد عدد القوى العظمى، زاد عدد المنافسات وزادت فرصة اندلاع الحروب ويمكن أن يكون العكس صحيحًا أيضًا مع دول مثل تركيا والهند التي تعمل على تجنب الانحياز لأحد الأطراف في النزاعات وقد تجد الدول التي تحررت من الدوران في فلك السياسة الأمريكية أن عليها الإفلات من شبكة من القواعد المصممة هصيصًا لمنفعة واشنطن، لذا يستمر البحث عن شروط أفضل في مكان آخر ويبرز اتفاق هذا الشهر لاستعادة العلاقات بين السعودية وإيران، الذي تفاوضت عليه الصين وتوسطت فيه، التنافس الصيني الأمريكي المتسارع.
وفي الشؤون العالمية، يعد الطريق إلى الجحيم مرصوفًا بالنوايا الحسنة، فهذا مثل سائر ويتفق معه الكثير من المراقبين والمحللين، ومع ذلك، يجب الحكم على السياسات بناءً على نتائجها.
كانت استراتيجية الولايات المتحدة منذ السبعينيات تتمثل في إبقاء موسكو خارج الشرق الأوسط وأثبت الغزو والاحتلال الكارثي للعراق دعوة لقوى أخرى لدخول المنطقة وبحلول عام 2016، كانت هناك شراكة نفطية سعودية روسية، ودعم روسي للنظام الإيراني ووجود عسكري روسي في سوريا وفي ذلك العام، كان لدى الولايات المتحدة خيار انتخاب مرشح لمواجهة الصين، دونالد ترامب، أو مرشح مواجهة روسيا، هيلاري كلينتون ويقودها الآن الرئيس، جو بايدن، على ما يبدو على استعداد لمواجهة كلا الخصمين العملاقين في وقت واحد على أساس الاعتقاد بأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون آمنة إلا في عالم من الدول الديمقراطية ذات التفكير المماثل لذا فإن الخطاب الأوحد للسياسة الخارجية الأمريكية التي تم التعبير عنها بوضوح في خطاب بوش الابن لم تختف.
إن الطبيعة المتقلبة والمتمحورة حول الذات للقوة الأمريكية معروفة جيدًا للأصدقاء والأعداء على حد سواء وكانت الولايات المتحدة مستعدة للانقسام مع حلفائها القدامى حتى لو أضرت تحركاتها بالشرق الأوسط بالشكل الذي يناسبها ولم يكن لدى واشنطن سوى القليل من الوقت للاحتجاجات الدبلوماسية الفرنسية والألمانية ضد الطبيعة غير القانونية لحرب العراق.
وقُتل مئات الآلاف من المدنيين في العراق وقد ساهم النظام السياسي الذي زرعته واشنطن في العراق في ارتفاع حدة الانقسامات وجعل الدولة العراقية عمليًا غير قابلة للحكم وبينما يتدفق النفط العراقي إلى الأسواق العالمية، تم اختلاس حوالي 150 مليار دولار عن طريق الفساد ولا يزال هناك عدد رمزي من القوات الأمريكية لإبقاء تنظيم داعش الإرهابي في مأزق، لكن القوة الحقيقية في بغداد تمر عبر طهران إذ تتمتع الميليشيات المتحالفة مع إيران بصوت مرجح في السياسة العراقية ولا يمكن للولايات المتحدة أن تفعل الكثير لكي يتعافى العراق لأن طفرة النفط والغاز الصخري جعلت البلاد قوة عظمى في مجال الطاقة.
لم تفقد الولايات المتحدة طعمها في أن تكون شرطي العالم، وعلى خلفية الربيع العربي، في عام 2011، أعاد باراك أوباما القوات الأمريكية إلى العمل في ليبيا، دون أي اهتمام بخلاف ألمانيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في مهمة انجرفت إلى هدف غير معلن يتمثل في تغيير النظام وحرب أهلية دموية وجاء الانسحاب الأمريكي الفاشل من أفغانستان في عام 2021 فجأة وصدمة لبريطانيا، التي عانت من ثاني أعلى خسائر بين الدول الغربية في إبعاد طالبان عن السلطة أما فيما يتعلق بالحكمة من السماح للمسلحين باجتياح كابول، فقد قفزت واشنطن فوق وجهة نظر لندن، وأكملت اللعبة بطريقتها، وهناك تحذير من احتمالات تكرار متاعب العراق الأخيرة ولكن في هذه المرة ستكون ساحة الأخطاء في أوكرانيا، لذا يبدو أن خطوات واشنطن شديدة الحذر في التعاطي مع الشأن الأوكراني.