هل تراجع الإمام الأكبر عن مباركة ما يسمى "بيت العائلة الإبراهيمية"؟
لا يزال غياب شيخ الجامع الأزهر، الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، عن افتتاح ما يسمى "بيت العائلة الإبراهيمية" بالإمارات، في 16 فبراير 2023، يثير تساؤلات عن موقف الإمام الطيب من الخطوة في حد ذاتها، بعد حديث تقارير عما يسمى تدشين الديانة الإبراهيمية، التي تنصهر فيها الأديان السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام، لكن فكرة إنشاء مجمع يضم كنيسًا يهوديًا وكنيسة ومسجدًا، كان شيخ الأزهر قد وافق عليها في 4 فبراير 2019، أثناء توقيع ما سُمي بـ"وثيقة الأخوة الإنسانية".
"بيت العائلة الإبراهيمي" عبارة عن ثلاثة دور عبادة سُميت بأسماء ذات مغزى، هي مسجد الإمام الأكبر أحمد الطيب (شيخ الأزهر)، وكنيسة قداسة البابا (فرنسيس)، ومعبد (موسى بن ميمون) اليهودي، ومن المقرر أنه بدأ في استقبال زواره مطلع مارس الجاري 2023.
وحرصت دولة الإمارات المتحدة على تحديد موقفها من فكرة البيت الإبراهيمي بعد تصاعد الجدل بشأنها، وغعادة مغردين على مواقع التواصل نشر فتوى قديمة من لجنة الإفتاء السعودية، بتحريم الجمع بين مسجد وكنيسة وكنيس في مكان واحد تحت مسمى مجمع الأديان، فضلًا عن وصفها الديانة الإبراهيمة بـ"الكفر".
بحسب وكالة الأنباء الإماراتية فإن "بيت العائلة الإبراهيمية يعكس رؤية الدولة لتلاقي الإنسانية وحوار الثقافات". وقال حمد خليفة المبارك، رئيس بيت العائلة الإبراهيمية إن "تأسيس البيت الإبراهيمي يأتي ليشكل امتدادًا لرؤية السلام والاحترام المتبادل في الإمارات التي يعيش بها أكثر من جنسية من حول العالم".
أوضحت الوكالة أن هدف دولة الإمارات من خلال فكرة ذلك البيت أهمية التركيز على ما يجمعنا من قيم مشتركة تدعو لها مختلف الأديان لنكون حجر الأساس في بناء مظلة التسامح وواحة الإخوة التي نعيش فيها جميعا في تكامل وتعاون، الذي نحن في أمس الحاجة له في هذا التوقيت تحديدا، خصوصا بعد انتشار أوبئة مثل فيروس كورونا المستجد التي تحتاج إلى تعاون عالمي لمواجهته.
تؤكد دولة الإمارات من خلال ذلك البيت أهمية الإيمان بالاختلاف، وأن تنوع المذاهب والعقائد لا يمكن إلغاؤه، وأن التعايش بين أتباع الديانات المختلفة في وئام وسلام واحترام متبادل هو السبيل لتعزيز الاستقرار، وبناء درع واق لحماية مجتمعاتنا من أخطار الإقصاء والتشدد والتطرف.
وحضر حفل الاحتفال نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الإماراتي، سيف بن زايد آل نهيان، ومعه وزير التسامح والتعايش، نهيان بن مبارك آل نهيان، فيما غاب شيخ الجامع الأزهر، الإمام الأكبر أحمد الطيب، والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان، فيما حضرها ممثل عن الأزهر والكنيسة الكاثوليكية إلى جانب ممثلين عن اليهودية.
لماذا غاب الإمام الأكبر أحمد الطيب عن حفل الاجتماع؟
وفق صحيفة "الاستقلال" الجزائرية، فإن الإمام الأكبر، قرر عدم الحضور؛ خشية تورطه في التطبيع العلني ومصافحة إسرائيليين، حيث حضر الحفل "قيادات دينية إسرائيلية معروف تطرفها" على حد وصف الصحيفة.
لفتت الصحيفة أيضًا أن السبب الثاني لعدم حضور الإمام الطيب حفل الافتتاح، تصاعد الحديث عما يسمى "الدين الإبراهيمي"، وبالتالي يخشى الإمام الأكبر أن يلتبس على الناس الأمر، على الرغم من أنه سجل موقفه بشكل واضح وصريح بشأن ما يسمى "الدين الإبراهيمي.
وحضر الحفل نيابة عن الأزهر، رئيس جامعتها السابق، محمد حسين المحرصاوي، ورئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان بالفاتيكان، الكاردينال ميغيل أنخيل أيوسو جيكسوت، والحاخام الأكبر للتجمعات العبرية في بريطانيا والكومنولث، السير إفرايم ميرفيس.
موقف الإمام الأكبر من الدين الإبراهيمي
وفي نوفمبر 2021، حذر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، خلال كلمته في احتفالية مرور عشر سنوات على تدشين بيت العائلة المصرية، مما يسمى بالديانة الإبراهيمية.
وأكد شيخ الأزهر، أن محاولة الخلط بين تآخي الإسلام والمسيحية في الدفاع عن حق المواطن المصري في أن يعيشَ في أمنٍ وسلامٍ واستقرارٍ، الخلطُ بين هذا التآخي وبين امتزاج هذين الدِّينين، وذوبان الفروق والقسمات الخاصة بكلٍّ منهما.. وبخاصة في ظل التوجُّهات التي تُنادي -بـ"الإبراهيمية" أو الدين الإبراهيمي، نسبةً إلى إبراهيم -عليه السلام- أبي الأنبياء ومجمع رسالاتهم، وملتقى شرائعهم، وما تطمحُ إليه هذه التوجهات –فيما يبدو– من مزج اليهودية والمسيحية والإسلام في رسالةٍ واحدة أو دِين واحد يجتمعُ عليه الناس، ويُخلصهم من بوائق النزاعات، والصراعات التي تُؤدي إلى إزهاق الأرواح وإراقة الدماء والحروب المسلحة بين الناس، بل بين أبناء الدِّين الواحد، والمؤمنين بعقيدةٍ واحدة.
وأكد أنَّ أمانة الكلمة تقتضي التوضيح والتنبيه على أمر مهم قطعًا للشكوك والظنون التي يُثيرها البعضُ، في محاولةٍ منهم لصرف الأنظار عن كيان بيت العائلة المصرية، ويريدون تركه يموت موتًا رحيمًا، أو يبقى جثةً هامدة بين الحياة والموت.
وأوضح شيخ الأزهر أنَّه «من منطلق إيماننا برسالاتنا السماوية نُؤمن بأنَّ اجتماع الخلق على دِينٍ واحدٍ أو رسالةٍ سماوية واحدة أمرٌ مستحيل في العادة التي فطر الله الناس عليها، وكيف لا، واختلافُ الناس، اختلافًا جذريًّا، في ألوانهم وعقائدهم، وعقولهم ولغاتهم، بل في بصمات أصابعِهم وحديثًا بصمات أعينِهم، كلُّ ذلك حقيقةٌ تاريخية وعلمية، وقبل ذلك هي حقيقة قُرآنية أكَّدها القرآن الكريم ونصَّ على أنَّ الله خلق الناس ليكونوا مختلفين، وأنه لو شاء أن يخلقهم على مِلَّةٍ واحدة أو لونٍ واحد أو لغةٍ واحدة أو إدراك واحد لفعَل، لكنه -تعالى- لم يشأ ذلك، وشاء اختلافَهم وتوزُّعَهم على أديان ولغات وألوان وأجناس شتى لا تُعد ولا تُحصى، ثم بيَّن أن هذا الاختلاف باقٍ ومستمر في الناس إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.
واستشهد بقول الله تعالى ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [هود: 118]، موضحًا أنَّ الله تعالى بين أنَّه كما خلَقَ المؤمنين من عبادِه، خلَقَ منهم الكافرين أيضًا، يقول الله تعالى في أوائل سورة التغابن: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [التغابن: 2].
وأشار شيخ الأزهر، إلى أنَّ انفتاحَ الأزهر وعلماءه على كنائس مصر ورجالها وقادتها، وفي مقدمتها الكنيسةُ الأرثوذكسية، وكذلك انفتاح الكنائس المصرية على الأزهر، ليس كما يُصوِّرُه البعض محاولةً لإذابة الفوارق بين العقائد والملل والأديان، مبينًا أنَّ هذا البعض يَصعُب عليه فهمُ الفرق بين احترام عقيدة الآخَر وبين الإيمان بها، وأنَّ احترامَ عقيدة الآخَر شيءٌ والاعترافَ بها شيءٌ آخَرُ مختلفٌ تمامَ الاختلاف وفي هذا الإطار يستقيمُ فهمنا لقوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، وقوله: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: 48]، وغيرها من آيات القرآن الكريم.
وتابع أنَّ انفتاحُ الأزهر على المؤسسات الدِّينيةِ داخل مصر، وخارجها، هو انفتاحٌ من أجل البحث عن المشتركات الإنسانية بين الأديان السماوية، والتعلُّق بها لانتشال الإنسانية من أزمتها المعاصرة، وتحريرها مِمَّا حاق بها من ظلم القادرين، وبغي الأقوياء وغطرسة المتسلِّطين على المستضعفين.