الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

هل تراجع الإمام الأكبر عن مباركة ما يسمى "بيت العائلة ‏الإبراهيمية"؟

الرئيس نيوز

لا يزال غياب شيخ الجامع الأزهر، الإمام الأكبر الدكتور أحمد ‏الطيب، عن افتتاح ما يسمى "بيت العائلة الإبراهيمية" بالإمارات، في ‏‏16 فبراير 2023، يثير تساؤلات عن موقف الإمام الطيب من ‏الخطوة في حد ذاتها، بعد حديث تقارير عما يسمى تدشين الديانة ‏الإبراهيمية، التي تنصهر فيها الأديان السماوية الثلاثة اليهودية ‏والمسيحية والإسلام، لكن فكرة إنشاء مجمع يضم كنيسًا يهوديًا ‏وكنيسة ومسجدًا، كان شيخ الأزهر قد وافق عليها في 4 فبراير ‏‏2019، أثناء توقيع ما سُمي بـ"وثيقة الأخوة الإنسانية".‏

‏"بيت العائلة الإبراهيمي" عبارة عن ثلاثة دور عبادة سُميت بأسماء ‏ذات مغزى، هي مسجد الإمام الأكبر أحمد الطيب (شيخ الأزهر)، ‏وكنيسة قداسة البابا (فرنسيس)، ومعبد (موسى بن ميمون) اليهودي، ‏ومن المقرر أنه بدأ في استقبال زواره مطلع مارس الجاري 2023.‏

وحرصت دولة الإمارات المتحدة على تحديد موقفها من فكرة البيت ‏الإبراهيمي بعد تصاعد الجدل بشأنها، وغعادة مغردين على مواقع ‏التواصل نشر فتوى قديمة من لجنة الإفتاء السعودية، بتحريم الجمع ‏بين مسجد وكنيسة وكنيس في مكان واحد تحت مسمى مجمع الأديان، ‏فضلًا عن وصفها الديانة الإبراهيمة بـ"الكفر". ‏

بحسب وكالة الأنباء الإماراتية فإن "بيت العائلة الإبراهيمية يعكس ‏رؤية الدولة لتلاقي الإنسانية وحوار الثقافات". وقال حمد خليفة ‏المبارك، رئيس بيت العائلة الإبراهيمية إن "تأسيس البيت الإبراهيمي ‏يأتي ليشكل امتدادًا لرؤية السلام والاحترام المتبادل في الإمارات التي ‏يعيش بها أكثر من جنسية من حول العالم".‏

أوضحت الوكالة أن هدف دولة الإمارات من خلال فكرة ذلك البيت ‏أهمية التركيز على ما يجمعنا من قيم مشتركة تدعو لها مختلف ‏الأديان لنكون حجر الأساس في بناء مظلة التسامح وواحة الإخوة ‏التي نعيش فيها جميعا في تكامل وتعاون، الذي نحن في أمس الحاجة ‏له في هذا التوقيت تحديدا، خصوصا بعد انتشار أوبئة مثل فيروس ‏كورونا المستجد التي تحتاج إلى تعاون عالمي لمواجهته.‏

تؤكد دولة الإمارات من خلال ذلك البيت أهمية الإيمان بالاختلاف، ‏وأن تنوع المذاهب والعقائد لا يمكن إلغاؤه، وأن التعايش بين أتباع ‏الديانات المختلفة في وئام وسلام واحترام متبادل هو السبيل لتعزيز ‏الاستقرار، وبناء درع واق لحماية مجتمعاتنا من أخطار الإقصاء ‏والتشدد والتطرف.‏

وحضر حفل الاحتفال نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية ‏الإماراتي، سيف بن زايد آل نهيان، ومعه وزير التسامح والتعايش، ‏نهيان بن مبارك آل نهيان، فيما غاب شيخ الجامع الأزهر، الإمام ‏الأكبر أحمد الطيب، والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان، فيما حضرها ‏ممثل عن الأزهر والكنيسة الكاثوليكية إلى جانب ممثلين عن اليهودية. ‏

لماذا غاب الإمام الأكبر أحمد الطيب عن حفل الاجتماع؟ ‏

وفق صحيفة "الاستقلال" الجزائرية، فإن الإمام الأكبر، قرر عدم ‏الحضور؛ خشية تورطه في التطبيع العلني ومصافحة إسرائيليين، ‏حيث حضر الحفل "قيادات دينية إسرائيلية معروف تطرفها" على حد ‏وصف الصحيفة. ‏

لفتت الصحيفة أيضًا أن السبب الثاني لعدم حضور الإمام الطيب حفل ‏الافتتاح، تصاعد الحديث عما يسمى "الدين الإبراهيمي"، وبالتالي ‏يخشى الإمام الأكبر أن يلتبس على الناس الأمر، على الرغم من أنه ‏سجل موقفه بشكل واضح وصريح بشأن ما يسمى "الدين الإبراهيمي. ‏

وحضر الحفل نيابة عن الأزهر، رئيس جامعتها السابق، محمد حسين ‏المحرصاوي، ورئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان بالفاتيكان، ‏الكاردينال ميغيل أنخيل أيوسو جيكسوت، والحاخام الأكبر للتجمعات ‏العبرية في بريطانيا والكومنولث، السير إفرايم ميرفيس.‏

موقف الإمام الأكبر من الدين الإبراهيمي

وفي نوفمبر 2021، حذر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ‏شيخ الأزهر، خلال كلمته في احتفالية مرور عشر سنوات على تدشين ‏بيت العائلة المصرية، مما يسمى بالديانة الإبراهيمية. ‏

وأكد شيخ الأزهر، أن محاولة الخلط بين تآخي الإسلام والمسيحية في ‏الدفاع عن حق المواطن المصري في أن يعيشَ في أمنٍ وسلامٍ ‏واستقرارٍ، الخلطُ بين هذا التآخي وبين امتزاج هذين الدِّينين، وذوبان ‏الفروق والقسمات الخاصة بكلٍّ منهما.. وبخاصة في ظل التوجُّهات ‏التي تُنادي -بـ"الإبراهيمية" أو الدين الإبراهيمي، نسبةً إلى إبراهيم -‏عليه السلام- أبي الأنبياء ومجمع رسالاتهم، وملتقى شرائعهم، وما ‏تطمحُ إليه هذه التوجهات –فيما يبدو– من مزج اليهودية والمسيحية ‏والإسلام في رسالةٍ واحدة أو دِين واحد يجتمعُ عليه الناس، ويُخلصهم ‏من بوائق النزاعات، والصراعات التي تُؤدي إلى إزهاق الأرواح ‏وإراقة الدماء والحروب المسلحة بين الناس، بل بين أبناء الدِّين ‏الواحد، والمؤمنين بعقيدةٍ واحدة.‏

وأكد أنَّ أمانة الكلمة تقتضي التوضيح والتنبيه على أمر مهم قطعًا ‏للشكوك والظنون التي يُثيرها البعضُ، في محاولةٍ منهم لصرف ‏الأنظار عن كيان بيت العائلة المصرية، ويريدون تركه يموت موتًا ‏رحيمًا، أو يبقى جثةً هامدة بين الحياة والموت.‏

وأوضح شيخ الأزهر أنَّه «من منطلق إيماننا برسالاتنا السماوية نُؤمن ‏بأنَّ اجتماع الخلق على دِينٍ واحدٍ أو رسالةٍ سماوية واحدة أمرٌ ‏مستحيل في العادة التي فطر الله الناس عليها، وكيف لا، واختلافُ ‏الناس، اختلافًا جذريًّا، في ألوانهم وعقائدهم، وعقولهم ولغاتهم، بل ‏في بصمات أصابعِهم وحديثًا بصمات أعينِهم، كلُّ ذلك حقيقةٌ تاريخية ‏وعلمية، وقبل ذلك هي حقيقة قُرآنية أكَّدها القرآن الكريم ونصَّ على ‏أنَّ الله خلق الناس ليكونوا مختلفين، وأنه لو شاء أن يخلقهم على مِلَّةٍ ‏واحدة أو لونٍ واحد أو لغةٍ واحدة أو إدراك واحد لفعَل، لكنه -تعالى- ‏لم يشأ ذلك، وشاء اختلافَهم وتوزُّعَهم على أديان ولغات وألوان ‏وأجناس شتى لا تُعد ولا تُحصى، ثم بيَّن أن هذا الاختلاف باقٍ ‏ومستمر في الناس إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.‏

واستشهد بقول الله تعالى ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ ‏يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [هود: 118]، موضحًا أنَّ الله تعالى بين أنَّه كما خلَقَ ‏المؤمنين من عبادِه، خلَقَ منهم الكافرين أيضًا، يقول الله تعالى في ‏أوائل سورة التغابن: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ ‏بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [التغابن: 2].‏

وأشار شيخ الأزهر، إلى أنَّ انفتاحَ الأزهر وعلماءه على كنائس مصر ‏ورجالها وقادتها، وفي مقدمتها الكنيسةُ الأرثوذكسية، وكذلك انفتاح ‏الكنائس المصرية على الأزهر، ليس كما يُصوِّرُه البعض محاولةً ‏لإذابة الفوارق بين العقائد والملل والأديان، مبينًا أنَّ هذا البعض ‏يَصعُب عليه فهمُ الفرق بين احترام عقيدة الآخَر وبين الإيمان بها، ‏وأنَّ احترامَ عقيدة الآخَر شيءٌ والاعترافَ بها شيءٌ آخَرُ مختلفٌ تمامَ ‏الاختلاف وفي هذا الإطار يستقيمُ فهمنا لقوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي ‏الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، وقوله: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ ‏‏[المائدة: 48]، وغيرها من آيات القرآن الكريم.‏

وتابع أنَّ انفتاحُ الأزهر على المؤسسات الدِّينيةِ داخل مصر، ‏وخارجها، هو انفتاحٌ من أجل البحث عن المشتركات الإنسانية بين ‏الأديان السماوية، والتعلُّق بها لانتشال الإنسانية من أزمتها المعاصرة، ‏وتحريرها مِمَّا حاق بها من ظلم القادرين، وبغي الأقوياء وغطرسة ‏المتسلِّطين على المستضعفين.‏