هل يعجل الزلزال التركي السوري المميت من مصالحة القاهرة بدمشق وأنقرة؟
كسر الزلزال المميت الذي ضرب تركيا وسوريا الصمت الذي يخيم على محاولات إعادة علاقات طبيعية بين القاهرة ودمشق وأنقرة، فقد أجرى الرئيس عبدالفتاح السيسي اتصالا هاتفيا مع نظيريه التركي رجب طيب أردوغان والسوري بشار الأسد، في اتصالين هاتفيين هما الأول من نوعهما خاصة بالنسبة لسوريا؛ اذ يعد أول اتصال مباشر مع الأسد بعد سنوات من القطيعة، وثاني تواصل مع أردوغان بعد لقائهما الخاطف ومصافحة بعضهما البعض على هامش افتتاح مونديال قطر في الدوحة نوفمبر 2022.
وبينما تسعى تركيا ومصر لتجاوز خلافات وتوترات وقطيعة بينهما منذ عارضت الأولى وبشدة ثورة المصريين على نظام الرئيس الإخواني محمد مرسي، في 2013، عزز الاتصال الهاتفي بين الرئيس السيسي والرئيس الأسد، من فرص فتح الباب لتواصل سياسي بين الدولتين السورية والمصرية.
مهاتفة السيسي للأسد
والثلاثاء الماضي، أعلن المتحدث باسم الرئاسة، المستشار أحمد فهمي، أن الرئيس السيسي تواصل هاتفيا مع نظيره السوري بشار الأسد، معبرا عن تضامنه مع سوريا ومقدما تعازيه في ضحايا الزلزال العنيف الذي خلف آلاف القتلى والمصابين، فيما يعد هذا الاتصال الأول من نوعه على الإطلاق بين الرئيسين، فضلًا عن كونه يفتح الطريق لاستئناف العلاقات بين البلدين المقطوعة منذ عهد الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي.
وبعد الاتصال، طرح العديد من التساؤلات حول مدى فرصة أن يمهد الاتصال إلى تحول كبير في العلاقات المصرية السورية، وأن تمهد مباحثات الدولتين إلى عودة سوريا للجامعة العربية.
ووفق المتحدث الرئاسي، فقد أعرب الرئيس السوري عن امتنانه لهذه اللفتة الكريمة من السيد الرئيس، مؤكدًا اعتزاز سوريا بالعلاقات التاريخية والأخوية التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين.
علاقات مستمرة
ولم تقطع القاهرة علاقاتها بالكامل مع دمشق، لكن الاتصالات لم ترق لمستوى استئناف العلاقات بشكل كامل على غرار ما فعلت الإمارات في 2018، التي قررت استئناف العلاقات مع النظام السوري وإعادة فتح مقرات بعثاتها الدبلوماسية في العاصمة السورية استنادا لمنطق الواقعية السياسية وضرورة عدم ترك سوريا فريسة للتغلغل الإيراني التركي والأجنبي.
وخلال الفترة الماضية أشارت العديد من التقارير إلى أن اتصالات مصرية سورية تتم على مستوى الأجهزة الاستخباراتية، وأن رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك، دائم التواصل مع الاجهزة المصرية للتنسيق والتشاور.
وفي مارس 2020 زعمت تقارير صحفية، بينها صحيفة “الوطن السورية”، أن لقاءً بين رئيس جهاز المخابرات المصرية الوزير عباس كامل، التقى اللواء علي مملوك، وناقش اللقاء وقتها التصعيد التركي في شمال سوريا، وملف أخر يتعلق بنقل تركيا مقاتلين من الجماعات المسلحة في إدلب إلى ليبيا. وقالت الصحيفة وفتها إن القاهرة تسعى إلى تشكيل رفع التنسيق الأمني مع عدد من أجهزة الاستخبارات العربية لمواجهة تركيا في العالم العربي.
فرص التصالح
وخلال فترة ماضية، تبنت مصر والجزائر والإمارات جهودًا لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، لكن هذه الجهود توقفت نتيجة عدم حدوث توافق عربي حولها، وتصدرت قطر الدول العربية الرافضة لاستئناف العلاقات مع دمشق، متهمة الأسد بارتكاب جرائم بحق شعبه، مطالبة في الوقت ذاته بحل سياسي ينهي الأزمة.
ووفق صحيفة “أحوال”، فإن اتجاه تركيا لمصالحة مع النظام السوري من شأنه أن يعجل بمصالحة مصرية سورية ضمن حسابات المصالح والنفوذ وضمن جهود مصر لكبح التمدد التركي في المنطقة ويقول الموقع: “وبين متحفظ ومعارض بقي كرسي سوريا في الجامعة العربية شاغرا، لكن مع عودة العلاقات الإماراتية السورية ومع أول اتصال هاتفي بين الأسد والسيسي، قد تشهد الأيام القادمة انعطافة كبيرة في العلاقات من القطيعة إلى المصالحة وتعزيز التعاون”.
السيسي وأردوغان
ويوم الثلثاء الماضي، قال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية المستشار أحمد فهمي إن الرئيس السيسي تقدم لنظيره التركي بالتعازي والمواساة في ضحايا الزلزال المروع الذي أسفر عن آلاف الضحايا والجرحى، مؤكدا تضامن مصر مع الشعب التركي وتقديم المساعدة والإغاثة الإنسانية لتجاوز آثار هذه الكارثة. وأضاف أن الرئيس أردوغان شكر الرئيس السيسي على هذه المشاعر الطيبة، مشيرا إلى أنها تؤكد عمق الروابط التاريخية التي تجمع بين الشعبين المصري والتركي الشقيقين.
وبدأت الحكومة التركية قبل أشهر في استكشاف سبل استئناف العلاقات الدبلوماسية في سياق مسار مصالحة أوسع بدأته مع الإمارات ثم إسرائيل والسعودية وكذلك مؤخرا مع دمشق. لكن الاتصالات والخطوات لا تزال بطيئة مقارنة بوتيرة المصالحات مع الإمارات والسعودية وإسرائيل، فيما كان يتوقع أن تؤسس المصافحة التاريخية بين السيسي وأردوغان في الدوحة لمسار مصالحة أسرع، وهو الأمر الذ لم يتحقق إلى الآن.
وتتشابك مصر وتركيا في العديد من الملفات بينها شرق المتوسط الغني بالاكتشافات البترولية والغازية، وكذلك في ملف ليبيا، إلى جانب رفض القاهرة للسياسات العدائية التركية في سوريا والعراق.
ويبدو أن رفض تركيا إخراج قواتها من ليبيا التي تنظر إليها مصر بأنها امتداد لأمنها القومي من الناحية الغربية، وكذلك رفض أنقرة تفكيك قواعدها العسكرية هناك، إلى جانب رفضها إخراج المرتزقة الذينجلبتهم تركيا للقتال لصالح القوى التي تسيطر على العاصمة طرابلس، من بينأكثر الأسباب التي تعطل ملف إعادة تطبيع العلاقات المصرية التركية.
وأمس الأربعاء، قالت لجنة 5+5 العسكرية الليبية المجتمعة في مصر إنها توصلت لآلية لسحب إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة.