توقعات بتأزم تداعيات تغير المناخ بمناطق الصراعات والنزاعات
يعد تغير المناخ أحد أكثر القضايا إلحاحًا في الوقت الراهن، وتأثيراته يشعر بها المجتمعات في جميع أنحاء العالم ولكن بالنسبة لمن يعيشون في المناطق المتضررة من النزاعات، يمكن أن يكون تأثيره مدمرًا بشكل خاص كما يمكن أن يؤدي الجمع بين ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار وزيادة التوترات الجيوسياسية وحدة الظواهر الجوية المتطرفة إلى تفاقم نقاط الضعف الحالية وخلق نقاط جديدة من الصعب اكتشافها، كما يؤدي إلى تعقيد جهود الوساطة لحل النزاعات كأخر سلبي إضافي، وفقًا لصحيفة آسيا تايمز.
وتتوقع الصحيفة أن يكون لتغير المناخ تأثير طويل المدى على تحديات إعادة البناء والتعافي من الصراعات وينعكس ذلك في مؤشر مبادرة نوتردام العالمية للتكيف، الذي يصنف أفغانستان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومالي، والصومال، واليمن وجميعهم ضحايا للنزاع الذي طال أمده - من بين أكثر الفئات عرضة لتغير المناخ، وفي حين تم الاعتراف على نطاق واسع بالصلات بين تغير المناخ والسلام والأمن، ولا يزال العمل العالمي عبر طيف التمويل المناخي بحاجة إلى اللحاق بالركب للوصول إلى تلك الموجودة في المناطق الهشة.
وتحت رئاسة مصر، شهدت قمة المناخ للأمم المتحدة (كوب -27) اتفاقًا رائعًا بشأن إنشاء صندوق للاستجابة للخسائر والأضرار، لا سيما في الدول الأكثر عرضة لتأثيرات المناخ كما شهدت إطلاق أول مبادرة مرتبطة بالسلام على الإطلاق في مؤتمر الأطراف، بعنوان "الاستجابات المناخية من أجل استدامة السلام".
واستعدادًا لمؤتمر الأطراف التالي (كوب-28)، عقدت دولة الإمارات العربية المتحدة اجتماعا غير رسمي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في مارس الماضي بشأن تمويل المناخ لبناء السلام واستدامته وفي إطار أسبوع أبوظبي للاستدامة، وبصفتها رئيسة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف، استضافت الإمارات الأسبوع الماضي مناقشة رفيعة المستوى حول تغير المناخ والسلام والأمن وهذه خطوات أساسية في الاتجاه الصحيح، ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لإدماج بناء السلام وأجندة المناخ في المناطق المتضررة من النزاع.
من أهم آثار تغير المناخ في المجتمعات المتأثرة بالحرب خطر النزوح مع تزايد الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف والعواصف، فإنها ستجبر الكثيرين على الفرار من ديارهم دون سابق إنذار وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتسبب التدهور البيئي بالفعل في مغادرة أكثر من 20 مليون شخص لمنازلهم ومن المحيط الهادئ، حيث تواجه بلدان مثل توفالو وكيريباتي ارتفاع مستوى سطح البحر، إلى أفريقيا، حيث يؤدي الجفاف والتصحر إلى إزاحة المجتمعات حيث يضطرون إلى البحث عن الغذاء والمياه، سيزداد النزوح المتأثر بالمناخ في المستقبل وثمة تأثير كبير آخر هو فقدان سبل العيش ويمكن أن تؤدي المنافسة المتزايدة على الموارد مثل المياه والأراضي إلى تفاقم التوترات أو تؤدي إلى اندلاع العنف وانعدام الأمن ووفقًا للأمم المتحدة، بحلول عام 2050، من المتوقع أن يعيش أكثر من نصف سكان العالم في مناطق تعاني من الإجهاد المائي والشرق الأوسط يعد عرضة لهذا الخطر بشكل خاص.
وتساهم ندرة المياه بالفعل في حدوث أزمة إنسانية وتؤدي إلى النزوح في العراق. اعتبارًا من يناير 2019، سجلت المنظمة الدولية للهجرة ما يقرب من 15000 حالة نزوح جديدة بسبب نقص المياه من المحافظات الجنوبية في البلاد و12000 حالة أخرى بسبب الجفاف في نوفمبر 2021 وبالفعل، دقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر جرس الإنذار بشأن تأثير تغير المناخ على البلدان الغارقة في النزاعات، ولا سيما في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي والعراق.
بالإضافة إلى هذه الآثار المباشرة، يمكن أن يؤثر تغير المناخ بشكل كبير على صحة الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المتضررة من النزاع، مما يزيد من انتشار الأمراض مثل الملاريا وحمى الضنك. ساهم انخفاض غلة المحاصيل في المناطق الساخنة مثل أفغانستان واليمن وجنوب السودان في الجوع أو سوء التغذية وفي الصومال، أدت حالات الجفاف والفيضانات المتكررة، أو الانهيارات الأرضية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، بشكل مباشر إلى ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا والإسهال.
ولا يمكن المبالغة في الآثار السياسية والأمنية لتغير المناخ، لا سيما في المناطق التي تمزقها النزاعات، ومن المرجح أن تكون مصدرًا متزايدًا للعنف المجتمعي وعنف الدول في المستقبل.
ومع ذلك، يشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن أقل من 2 دولار أمريكي للفرد الواحد يتدفق من تمويل المناخ إلى البلدان المصنفة على أنها "هشة للغاية" ولهذا السبب يجب توجيه المزيد من الاهتمام والموارد نحو معالجة آثار تغير المناخ على المجتمعات المتأثرة بالصراع.
أولًا، من الضروري زيادة التمويل للتكيف مع تغير المناخ والحد من مخاطر الكوارث في المناطق المتضررة من النزاعات. ويمكن أن يشمل ذلك تمويل مشاريع البنية التحتية وأنظمة الإنذار المبكر وخطط الاستجابة للطوارئ ويمكن للجهات الفاعلة الإنسانية والأمنية والإنمائية، على وجه الخصوص، البدء في تحديد طرق الحصول على التمويل في البيئات الهشة وحتمًا، سوف يحتاج هذا إلى أن يقابله تقدم في القضايا الفنية المتعلقة بحجم التمويل الذي يمكن إنفاقه في البيئات الصعبة.
ثانيًا، يحتاج المعنيون تحسين برامجهم من خلال الاستثمار في سبل العيش المستدامة بما في ذلك التدريب الزراعي والتمويل الصغير جنبًا إلى جنب مع الرعاية الصحية والوقاية من الأمراض ولكي يحدث ذلك، تحتاج وكالات الأمم المتحدة التي تتعامل مع المناطق المتأثرة بالصراع إلى مزيد من الدعم من الدول الأعضاء
وثالثًا، يجب دعم وتشجيع مصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك توليد الطاقة الشمسية خارج الشبكة، في المناطق المتضررة من النزاعات ويمتلك القطاع الخاص بالفعل بعض الابتكارات المهمة التي يمكن دمجها واستخدامها على نطاق أوسع
ورابعًا، تظل المساهمات المحددة وطنيًا بموجب اتفاق باريس ضرورية للجهود العالمية للتصدي لتغير المناخ. ومع ذلك، لا يحتل السلام والأمن مكانة بارزة فيها. هذا يحتاج إلى التغيير وأخيرًا، يجب علينا زيادة الجهود لمعالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع - الفقر وعدم المساواة وعدم الاستقرار السياسي.
وأكدت الصحيفة أنه يجب على جميع الجهود المبذولة للتخفيف من الآثار السلبية لتغير المناخ على المجتمعات المتأثرة بالصراع التعاون والتعاون بين الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمعات المحلية. هذا هو السبب في أنه من الضروري أن تنتقل المحادثات بين أصحاب المصلحة بسرعة من الأفكار إلى الخطط القابلة للتنفيذ ولكن عدم اتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ لن يؤدي إلا إلى تفاقم معاناة المجتمعات في المناطق المتضررة من النزاعات ولذلك من الضروري أن تبذل قمة الأطراف المقبلة جهودًا طموحة للتخفيف من آثار تغير المناخ على هذه المجتمعات.