أين موقع ليبيا في ملف التقارب المصري التركي؟
نشرت صحيفة “آراب نيوز” مقالا كتبه ياسر ياكيس، وزير خارجية تركيا الأسبق وعضو مؤسس في حزب العدالة والتنمية الحاكم، يتطرق فيه إلى تطورات ملف التقارب المصري التركي وموقع ليبيا بين أولويات هذا التقارب.
وكانت مصر قد أعلنت الشهر الماضي أنها أعادت ترسيم حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة في البحر الأبيض المتوسط المتاخم لليبيا.
وأشار ياكيس إلى أن ثمة اعتقاد في أنقرة بأن هذه الحدود الجديدة تتداخل جزئيًا مع المنطقة الاقتصادية الخالصة التي أنشأتها مذكرة التفاهم التي وقعتها تركيا في عام 2019 مع الحكومة التي تسيطر على طرابلس العاصمة، وساهم في توقيعها الدعم العسكري التركي كجزء من مذكرة التفاهم التي لعبت دورًا في إنقاذ حكومة فايز السراج من الانهيار وكانت هناك مزاعم في ذلك الوقت بأن السراج وافق على توقيع الاتفاقيتين تحت الإكراه، وشبح الهزيمة أمام الجيش الوطني الليبي.
على الرغم من أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو زعم الأسبوع الماضي إن ثلاث مذكرات موقعة من قبل تركيا وليبيا لا تحتاج إلى تصديق مجلس النواب ومقره طبرق، يعتقد المجتمع الدولي أنها لن تكون وثائق دولية صالحة يمكن التعويل عليها إذا لم يتم التصديق عليها من قبل مجلس النواب وهو البرلمان الليبي المنتخب، لذا تعد الاتفاقية الموقعة في الصخيرات، المغرب، في 17 ديسمبر 2015، هي النص الصالح الوحيد الذي أقرته الأمم المتحدة وتنص هذه الاتفاقية على أن أي اتفاق ملزم يجب أن يصادق عليه البرلمان العامل في طبرق.
ويقول هذا البرلمان إن حكومة طرابلس قد انتهت ولايتها عندما تعذر إجراء الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر 2021 لعدة أسباب، ولذلك، تعتبر ولاية حكومة طرابلس منتهية ولا يمكنها اتخاذ قرارات ملزمة نيابة عن ليبيا.
وأشار المقال إلى أن فتحي باشاغا، الذي شغل منصب وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، ومن المعروف انحيازه للإخوان، رغم أنه انضم لاحقًا إلى الحركة العلمانية لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح وفي مارس 2022، انتخب هذا البرلمان باشاغا رئيسًا لوزراء حكومة طبرق ويشار إليه رسميًا باسم “رئيس الوزراء المؤقت لحكومة الاستقرار الوطني”.
وأعربت الأمم المتحدة عن مخاوفها بشأن الافتقار إلى الشفافية والإجراءات، فضلًا عن أعمال الترهيب قبل جلسة البرلمان التي صوتت لانتخاب باشاغا رئيسًا للوزراء وأضاف هذا مزيدًا من التعقيد إلى العملية الدستورية وبعبارة أخرى، تحتاج المؤسسة السياسية في ليبيا برمتها إلى إصلاح جدي.
وأضاف المقال: "قد يمتد التعاون بين أنقرة والقاهرة إلى العمل معًا لإيجاد حل دائم لمشاكل ليبيا المزمنة.
كان باشاغا الرجل الذي يحظى بثقة تركيا منذ فترة طويلة، لكنه حاول مؤخرًا تحقيق التوازن بين هيمنة أنقرة والقاهرة وأثينا ويبدو إنه يفضل الحل التفاوضي ومن المحتمل أن يكون الفاعلان الرئيسيان في هذه التطورات هما تركيا ومصر ويبدو أن القاهرة مدركة لدور تركيا في المنطقة.
جاءت مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإعادة رسم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر في وقت حدث فيه تغير كبير في العلاقات التركية المصرية، وفي أكتوبر، عندما وقعت تركيا مذكرة تفاهم جديدة مع الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها بشأن التعاون في مجال المحروقات، سارع وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى إعلان أن القاهرة علقت من جانب واحد مفاوضات تطبيع العلاقات التركية المصرية.
وبدا أن تصريح شكري يحفظ حق مصر في الرد، وعندما استقبل السيسي بحرارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قطر خلال كأس العالم لكرة القدم، جاءت صورتهما في تركيا كمفاجأة سارة، فقد غيّر حماس الرئيسين للتقارب الأجواء السائدة في العلاقات ولم يقتصر الأمر على الترحيب الحار ببعضهم البعض، ولكن كان لديهما أيضًا اجتماع غير مجدول لمدة نصف ساعة.
وامتنعت أنقرة عن التعليق على مبادرة السيسي لإعادة رسم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر وتقول أن هذه قضية بين مصر وليبيا بعبارة أخرى، يبدو أن أنقرة عازمة على عدم إثارة القضية دون داعٍ، ويبدو أن هذا السؤال معلق لدى الجانبين التركي والمصري. فمن الجانب التركي، لا يمكن تنفيذ الاتفاقات التي وقعتها تركيا مع حكومة طرابلس دون تصديق البرلمان وعلى الجانب المصري، مبادرة القاهرة مفتوحة لتحدي دول ثالثة ويبدو أن كل شيء مرتبط بالعملية الدستورية الليبية. إذا لم يتم القضاء على الطبيعة ذات الرأسين للحكم في ليبيا، فستستمر المشكلة في تسميم الأجواء.
قد لا تعترف تركيا ومصر بالضرورة بالمناطق الاقتصادية الخالصة لبعضهما البعض، لكن التقارب التركي المصري يمثل صفقة كبيرة لدرجة أن البلدين قد يجدان طرقًا لتقديم تنازلات متبادلة وحلول ترضي الجميع، وقد تجد البلدان طرقًا لتقديم تنازلات متبادلة، قد يمتد هذا التعاون أيضًا إلى العمل معًا لإيجاد حل دائم لمشاكل ليبيا المزمنة.