الإثنين 25 نوفمبر 2024 الموافق 23 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

هل تساهم المياه الافتراضية في حل مشكلة نقص المياه بمصر؟

الرئيس نيوز

قد تبدو القهوة والمكرونة والجاكيتات والملاءات والهواتف الذكية للوهلة الأولى أشياء لا علاقة بينها، ولكن العامل المشترك الواحد المؤكد الذي يربط بينها هوالماء، فكل شيء، المعنى الحرفي للكلمة، يحتاج إلى الماء، وعلى سبيل المثال، نحتاج إلى ثمانية آلاف لتر من الماء لإنتاج بنطلون جينز واحد، وفقًا لتقرير شبكة "ووتر فوتبرنت" المهتمة بالشؤون البيئية والموارد المائية.

وتستخدم كميات كبيرة من المياه لتصنيع السلع اليومية مثل الورق والبلاستيك والمعادن والمنسوجات ومن أجل الحفاظ على المياه، لا يمكن تجاهل كمية المياه اللازمة بالفعل لإنتاج المواد الأساسية.

إنتاج بلوزة حريمي كمثال، يُستهلك الماء مرات عديدة أثناء عملية إنتاجها كما يستخدم الماء في إنتاج الطاقة لتصنيع الملابس، ولتحريك الشاحنات التي ستقوم بتوصيل البلوزة إلى متاجر الأزياء.

ما هي المياه الافتراضية وما أهميتها؟

يوضح البروفيسور توني آلان، الرائد الفكري في كينجز كوليدج لندن، فكرة المياه الافتراضية - المياه المستهلكة أثناء عملية الإنتاج - لشرح كيف تجاوزت احتياجات بلدان الشرق الأوسط من المياه الإمدادات المتاحة منذ عام 1970، وينصح ألان الأنظمة الاقتصادية بحل مشكلة إمدادات المياه للمنطقة من خلال توفير المياه عن طريق التجارة، وتعتمد الدول التي تعاني من ندرة المياه بشكل متزايد على الموارد المائية للدول الأخرى لتلبية احتياجاتها من خلال التجارة العالمية ونتيجة لذلك، فإن الدولة التي تعاني من ندرة المياه تستورد بشكل متكرر منتجات كثيفة الاستخدام للمياه مثل المنسوجات بدلًا من وجود صناعات نسيجية محلية بتكلفة كبيرة لمواردها المائية.

ومن المتوقع أن تنخفض إمدادات المياه في مصر إلى أقل من 500 متر مكعب للفرد بحلول عام 2025، وهي حالة يشير إليها علماء الهيدرولوجيا باسم "الندرة المطلقة" إلى جانب قضية سد النهضة الإثيوبي المثير للجدل في إثيوبيا وواقع تغير المناخ، يعد الآن وقتًا مناسبًا لقلب الصفحة وبدء مناقشة جادة حول المياه الافتراضية.

هناك إمداد محدود من المياه العذبة على مستوى العالم، ونحو 3 في المائة فقط من إجمالي المياه على الأرض، والتي تقدر بـ 1.386 مليار كيلومتر مكعب وهي مياه عذبة ويمكن للبلدان الوصول إلى حوالي 1 في المائة فقط منه، حيث يتجمد الباقي في الأنهار الجليدية أو القمم الجليدية وتستهلك الزراعة أكثر من 70 في المائة من مياه العالم ومنتجات اللحوم، على سبيل المثال، تستهلك الكثير من الماء، ووفقًا لتقديرات الشبكة فإن إنتاج كيلوجرام واحد من لحم البقر يتطلب أكثر من 15400 جالون من الماء ومع فهم المزيد حول الجانب المخفي أو "الافتراضي" من استخدام المياه، يصبح من الواضح أن هناك العديد من الفرص المحتملة الأخرى لاستهلاك المياه بكفاءة أكبر.

ما هو مستقبل المياه في مصر؟

توصل الباحثان في مجال المناخ "كاثرين أ. نيكيل" و"الفاتح أ.ب.الطاهر" من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من خلال دراسة شاركا في إجرائها إلى أن قدرة مصر على إدارة الطلب المحلي واستخدام المياه بشكل فعال تعتمد على التعاون مع جيرانها بقدر ما تعتمد على قدرتها على القيام بذلك داخليًا، وتقول الدراسة: "تقترب مصر من عتبة بين نهر النيل كقوة مهيمنة في الحفاظ على نمو مصر ووجودها، ونموذج جديد يتميز بدور مهم بنفس القدر لحوض النيل والترابط والتعاون العالميين".

وتجادل الدراسة بأنه نظرًا لأنه تم الوصول إلى قدرة الإنتاج المحلي في مصر بالفعل، فإن الطلب الجديد - الذي يحركه النمو السكاني وارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي - يجب تلبيته من خلال الواردات ويفترض السيناريو زيادة عدد السكان بنسبة 1.7 في المائة بحلول عام 2035 لتساوي توقعات الأمم المتحدة للمتغيرات المتوسطة ونمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة 2.3 في المائة لتتناسب مع السنوات الثلاثين الماضية وتتغلب مصر على ندرة المياه من خلال استيراد 54 في المائة من مياهها الافتراضية وإعادة استخدام 42 في المائة من المياه المتجددة،  ويدعو المعنيون بالمياه والبيئة إلى استخدام أفضل لمصادر المياه غير التقليدية، مثل مياه الصرف الصحي ومعالجة المياه العذبة لتعزيز كفاءة استخدام المياه.

وبغض النظر عن عدد المشروعات التي تنفذها الدولة، لا تزال مصر تعتمد إلى حد كبير على مصادر المياه العذبة، والتي توفر أكثر من 90 بالمائة من احتياجاتها الحالية من المياه، لذا فإن إنشاء خيارات بديلة سيكون أمرًا بالغ الأهمية، لا سيما من مصادر غير تقليدية، وبالفعل؛ وضعت مصر العديد من السياسات الوطنية المعمول بها لتعزيز تحلية المياه وإعادة تدويرها. 

وتخطط مبادرة التحلية لإنتاج 3.3 مليون متر مكعب من المياه يوميًا في المرحلة الأولية و8.8 مليون متر مكعب يوميًا بتكلفة 8 مليارات دولار في المرحلة النهائية ومع ذلك، يوصي الباحثون بأن الحل البديل يمكن أن يعتمد أيضًا على التجارة الدولية والتعاون في إنتاج سلع محددة.

للاستفادة من واردات المياه الافتراضية، يوصي الباحثون بأن تركز مصر اعتمادها الافتراضي على المياه على المنتجات الأقل عرضة للصدمات العالمية ولن تستهلك الكثير من المياه محليًا كما أن التنوع الغذائي هو جانب آخر يجب مراعاته لتجنب الاعتماد المفرط على محاصيل معينة، مثل القمح، حيث يمكن أن يكون لزراعة الخضروات والفواكه عوائد أعلى من المياه من القمح.

ويمكن للتحليل الافتراضي للمياه أيضًا أن يمكّن البلدان من تحقيق ترابط بين الماء والغذاء من خلال تنويع إنتاج الغذاء ودعم التدخلات في المناطق التي تعاني من نقص منخفض إلى متوسط في المياه.

كما يمكن أن يساعد اتخاذ القرار الجماعي بين القادة في تحديد أنسب المناطق لإنتاج محاصيل معينة، وبالتالي توفير المزيد من المياه.