بعد تحقيقهم أول انتصار ميداني.. هل يقتنع المحتجون الإيرانيون بحل “شرطة الأخلاق”؟
فيما يبدو مؤشرًا قويًا على قوة الحراك في الداخل الإيراني، منذ اندلاع تظاهرات شعبية ضد ممارسات ما تسمى “شرطة الأخلاق” في إيران، قبل نحو شهرين ونصف الشهر ولا تزال شحنة الغضب مستمرة، أصدرت السلطات الإيرانية قرارًا، أمس الأحد، بحل شرطة “الأخلاق” التي كان قد أسسها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، بهدف المحافظة على اللباس الإسلامي، في الشارع.
الخطوة جاءت على وقع استمرار التظاهر في الشارع، وتفشي موجة الإضرابات العامة في العديد من المحافظات الإيرانية، منذ مقتل المواطنة الإيرانية، مهسا أميني بعد احتجازها في مقر شرطة الأخلاق، لمخلفتها اللباس الإسلامي المتمثل في الحجاب.
وعلى الرغم من إدانة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي واقعة القتل، وأمره بفتح تحقيق في الواقعة، وعزائه لأسرة الضحية إلا أن المحتجين في الشارع لم تقنعهم هذه الخطوات، واستمروا في تظاهراتهم، بل وابتكروا أشكالًا جديدة للتعبير عن غضبهم، مثل تدشينهم ظاهرة "تطيير العمائمم"، وهي مواجهة أي رجل دين يلتقونه في الشارع، ويتم نزع العمامة من على رأسه، بطريقة مهينة، في إشارة منهم إلى احتجاجهم على ممارسات رجال الدين، وفرضهم شروط إلزامية على المواطنين.
واتهم النظام الإيراني ما أسماهم أطرافًا خارجية تؤجج الغضب الشعبي، وتحرضهم على الاستمرار في التظاهر، ودأب خلال الفترة الأخيرة على استدعاء سفراء دول أوروبية، كان أخرهم ألمانيا، فضلًا عن اتهامهم لأمريكا وبريطانيا وإسرائيل ودول خليجية بالوقوف وراء تلك التظاهرات.
حل شرطة الاخلاق
وأمس الأحد، أعلن المدعي العام التخلي عن "شرطة الأخلاق"، وأضاف في بيانه أنه تم إلغاء دورية الإرشاد، أي شرطة الآداب، مؤكدًا فك ربطها عن القضاء.
كما تابع أنه تم إلغاؤها من قبل نفس الجهة التي أسستها في الماضي، وفقا لما ذكرت وكالة أنباء "إيلنا" العمالية.
ويعد قرار حل “شرطة الأخلاق” أول انتصار للمتظاهرين في الشارع، لكن لا مؤشرات على تفاعل جماهيري إيجابي في الشارع مع الخطوة التي جاءت متأخرة جدًا، ولو أنها جاءت في أعقاب حادث مقتل مهسا أميني، لربما كان استحسنها الكثير.
ومن المرجح أن يفتح قرار حل “شرطة الأخلاق” شهية المتظاهرين في الاستمرار في احتجاجاتهم؛ لنحقيق مكاسب تتعلق بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية سياسية أخرى.
ويخشى مراقبون من تحول التظاهرات لاشتباكات داخلية بين أنصار النظام وهم قطاع كبير للغاية لا يمكن الاستهانة به، وبين المتظاهرين الذي يغلب عليهم التوجه المدني أو العلماني.
ما هي "شرطة الأخلاق"؟
ووفق موقع “العربية” فإنه وعلى الرغم من أن الدوريات المشابهة لدوريات التوجيه كانت تعمل بأشكال مختلفة منذ ثمانينيات القرن الماضي في إيران، فإن نشاط هذه الدوريات تحت هذا الاسم بدأ في عام 2005.
فبعد "ثورة 1979" تم تشكيل دوريات مختلفة للتعامل مع القضايا الاجتماعية التي كانت تعتبر خطًا أحمر للحكومة، مثل ملابس النساء أو العلاقة بين الفتيان والفتيات، بينها دوريات لجان الثورة الإسلامية، ودوريات "جند الله" التابعة لقوات الدرك، في الستينيات، قبل اندماج القوتين في قوات الشرطة، ودوريات "ثار الله" التابعة للحرس الثوري بالتعاون مع قوات الباسيج.
وأثناء رئاسة السياسي الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني 1996، ومع اندماج اللجان الثورية مع الشرطة والدرك، استمرت هذه الدوريات على شكل قوة شرطة، وفي يونيو من العام نفسه نفذت وزارة الداخلية خطة "مكافحة عدم ارتداء الحجاب" في طهران.
أما في عام 1996 فنفذت وزارة الداخلية الإيرانية مشروع "محاربة الحجاب السيئ" في العاصمة طهران في البداية، واستمرت هذه الدوريات في السنوات التالية مع تغييرات في الشكل والاسم، إلا أنه في آخر أيام الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي تمت الموافقة على قوات شرطة الآداب والأخلاق.
إلى أن وافق المجلس الأعلى للثورة الثقافية الذي يتبع للمرشد علي خامنئي على "استراتيجيات تنمية ثقافة العفة والحجاب" في جلسته 566 في 4 أغسطس 2004.
وتم تشكيل دورية الأخلاق بشكلها الحالي في أواخر أيام حكومة الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي عام 2005.
متى كانت أكثر نشاطًا؟
وبحسب إسماعيل أحمدي مقدم، القائد السابق لقوة الشرطة، فإن تشكيل دورية التوجيه جاء بناء على قرار وافق عليه المجلس الثوري الأعلى خلال الأيام الأخيرة من نشاط حكومة محمد خاتمي، وتم تنفيذه في وقت مبكر من إدارة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد.
يذكر أن الإصلاحيين عندما يتولون رئاسة الجمهورية في إيران، عملوا على الحد من ظاهرة انتشار قوات شرطة الآداب والأخلاق، لكن في عهد التيار المتشدد يتم تفعيلها بقوة، حيث تقوم النساء بملاحقة الفتيات اللاتي لا يلتزمن بالحجاب واعتقالهن، فيما تلاحق قوات شرطة من الرجال الشبان الذين يرتدون ملابس تعتبرها السلطات "غير لائقة وجزءا من الغزو الثقافي الغربي للمجتمع الإيراني".
ومنذ مقتل أميني في 16 سبتمبر 2022، بعد ثلاثة أيام من اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق، لم تهدأ التظاهرات في البلاد.
فقد أشعلت وفاتها منذ ذلك الحين نار الغضب حول عدة قضايا، من بينها القيود المفروضة على الحريات الشخصية والقواعد الصارمة المتعلقة بملابس المرأة، فضلًا عن الأزمة المعيشية والاقتصادية التي يعاني منها الإيرانيون، ناهيك عن القوانين المتشددة التي يفرضها نظام الحكم وتركيبته السياسية والدينية بشكل عام.