مونديال قطر.. توترات الشرق الأوسط تنتقل للمدرجات في كأس العالم
أصبحت بطولة كأس العالم الأولى التي تقام في الشرق الأوسط مسرحًا مصغرًا لعرض مظاهر رمزية تعبر عن زخم التوترات السياسية التي تجتاح واحدة من أكثر مناطق العالم تقلبًا وسلط تنظيم البطولة في هذا العام الضوء على الدور المشوب ببعض الغموض الذي غالبًا ما تلعبه الدولة المضيفة قطر في أزمات منطقتها وجوارها، وفقًا لتحليل سياسي موسع نشرته رويترز.
كانت مباريات إيران هي الأكثر شحنًا من الناحية السياسية بعد أن أعرب المشجعون عن دعمهم للمتظاهرين الذين يتحدون بجرأة القيادة الدينية لمرشد الثورة الإسلامية وتحدي القبضة الأمنية لحرسه الثوري، في الداخل الإيراني كما بدت الحساسية الدبلوماسية في ردود الفعل القطرية على تصرفات المشجعين، حيث تربط الدوحة علاقات جيدة بطهران.
كما امتد التعاطف مع الفلسطينيين بين المشجعين إلى الملاعب حيث تتنافس أربعة منتخبات عربية وارتدى اللاعبون القطريون شارات الذراع المؤيدة لنضال الفلسطينيين، حتى بعدما سمحت قطر للمشجعين الإسرائيليين بالوصول إليها عبر الجو مباشرة لأول مرة، ونشرت رويترز صورة لرجل يتوشح العلم الفلسطيني خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم في الدوحة، وفي غضون ذلك، تُرى الأعلام الفلسطينية بانتظام في الملاعب ومناطق المشجعين وتباع في المتاجر على الرغم من أن المنتخب الوطني لم يتأهل للبطولة.
ورفع المشجعون التونسيون في مباراتهم يوم 26 نوفمبر ضد أستراليا لافتة ضخمة كتب عليها "فلسطين حرة"، وهي خطوة لا يبدو أنها تستدعي تحرك المنظمين وتجنب المشجعون العرب الصحفيين الإسرائيليين الذين يغطون الأخبار من قطر وقال عمر بركات، مدرب كرة القدم للمنتخب الفلسطيني الذي يزور الدوحة للمشاركة في كأس العالم، إنه حمل علمه في المباريات دون إيقافه وقال "إنه بيان سياسي ونحن فخورون به".
فرصة أمام الجهود التصالحية.. أمير قطر ونشاط سياسي وكروي لافت
وبدوره انخرط الشيخ تميم بن حمد، أمير قطر، في أعمال مهمة سياسيًا، حيث ظهر الأمير متوشحًا علمًا سعوديًا خلال مباراة المنتخب السعودي التاريخية أمام الأرجنتين، في إشارة لافتة لدعم ملحوظ لبلد كان يعمل معه على إصلاح العلاقات المتوترة بسبب التوترات الإقليمية خلال السنوات الماضية، وقد أضافت مثل هذه الإيماءات إلى الأبعاد السياسية لبطولة غارقة في الجدل حتى قبل انطلاقها بشأن معاملة العمالة الوافدة وما أثير حول حقوق مجتمع الميم في الدولة المضيفة ذات المجتمع المحافظ، حيث يجرم القانون المثلية الجنسية، وتعد المخاطر كبيرة بالنسبة لقطر، التي تأمل في أن تؤدي بطولة كأس العالم إلى تعزيز دورها على الساحة العالمية وفي الشرق الأوسط، حيث بقيت كدولة مستقلة منذ عام 1971 على الرغم من الاضطرابات الإقليمية العديدة.
وبينما ظهرت التوترات في بعض المباريات، قدمت البطولة أيضًا مسرحًا لبعض الإجراءات التصالحية الواضحة، ويبدو أن أمير قطر أراد إرسال رسالة برغبته في تجاوز خلافات قطر السابقة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر بسبب سياسات الدوحة الإقليمية، بما في ذلك دعم الإخوان خلال انتفاضات الربيع العربي من عام 2011.
في عمل آخر للمصالحة بين الدول التي اهتزت علاقاتها بفعل الربيع العربي، صافح الرئيس عبد الفتاح السيسي نظيره التركي رجب طيب أردوغان في حفل الافتتاح في الدوحة يوم 20 نوفمبر، وعلقت كريستيان كوتس أولريشسن، أستاذة العلوم السياسية في معهد بيكر بجامعة رايس في الولايات المتحدة، بالقول إن الفترة التي سبقت البطولة كانت "معقدة بسبب عقد سابقة نشأت من التنافسات الجيوسياسية التي أعقبت الربيع العربي"، وأضافت أنه يتعين على السلطات القطرية أن "تعثر على توازن جيد" بشأن إيران وفلسطين، ولكن في النهاية، فإن البطولة "تضع قطر مرة أخرى في قلب الدبلوماسية الإقليمية"، على حد قولها.
وقطر هي أول دولة في الشرق الأوسط تستضيف كأس العالم، وقد بدت في كثير من الأحيان وكأنها قوة منشقة ومستقلة التوجه في المنطقة: فهي تستضيف حركة حماس الفلسطينية، وحركة طالبان الأفغانية وكان لها في السابق بعض العلاقات التجارية مع إسرائيل، بينما تصادق إيران، خصم الرياض اللدود وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة.
وفي داخل الملاعب وخارجها، انعكست التوترات في إيران، التي اجتاحت البلاد منذ أكثر من شهرين في أعقاب وفاة الشابة محسا أميني، البالغة من العمر 22 عامًا، بعد اعتقالها لمخالفتها قواعد الملابس الصارمة، وذكرت شايان خسرواني، مشجعة إيرانية أمريكية يبلغ من العمر 30 عامًا كان ينوي زيارة العائلة في إيران بعد حضور البطولة في الدوحة، لكنها ألغت تلك الخطة بسبب الاحتجاجات ولكن البعض يقولون إن أمن الملاعب منعهم من إظهار دعمهم للاحتجاجات الإيرانية في مباراة منتخب إيران المقامة بتاريخ 25 نوفمبرمقابل منتخب ويلز، ومنع الأمن دخول الجماهير التي كانت تحمل علم إيران السابق للثورة وقمصان بألوان العلم الإيراني القديم التي تحمل شعار "امرأة، حياة، حرية" واسم الضحية "محسا أميني"، وبعد المباراة، ساد توتر خارج الملعب بين معارضي وأنصار الحكومة الإيرانية وقال اثنان من المشجعين الذين تجادلوا مع أمن الاستاد في مناسبات منفصلة بشأن مصادرة أعلامهم وقمصانهم لرويترز إنهما يعتقدان أن رد فعل الأمن القطري ينبع من علاقات قطر الجيدة مع إيران.
وذكر مسؤول قطري لرويترز أن "إجراءات أمنية إضافية اتخذت خلال المباريات التي يشارك فيها منتخب إيران في أعقاب التوترات السياسية الأخيرة التي تشهدها طهران" وعندما سُئل متحدث باسم اللجنة العليا المنظمة عن مواد وشارات وقمصان تمت مصادرتها، أحال رويترز إلى قائمة الفيفا وقطر للمواد المحظورة، التي تنص على حظر أي شيء يحتوي على "رسائل سياسية أو مسيئة أو تمييزية"، كما دار الجدل حول الفريق الإيراني، الذي شوهد على نطاق واسع مظهرًا الدعم للاحتجاجات في مباراته الأولى بالامتناع عن غناء النشيد الوطني قبل مباراته الثانية، وقال كمرس أحمد، 30 عاما، وهو محام من لوس أنجلوس، لرويترز إن المشجعين الإيرانيين يعانون من "صراع داخلي" سببه الطريقة التي تم بها إسكات الاحتجاجات" في بلدهم.
وقبل مباراة حاسمة بين الولايات المتحدة وإيران، أمس الثلاثاء، عرض الاتحاد الأمريكي لكرة القدم مؤقتًا العلم الوطني الإيراني على وسائل التواصل الاجتماعي بدون شعار الجمهورية الإسلامية تضامنًا مع المحتجين في إيران وزادت المباراة من أهمية البطولة بالنسبة لإيران، حيث اعتبرت القيادة الدينية واشنطن منذ فترة طويلة "الشيطان الأكبر" وتتهمها بإثارة الاضطرابات الحالية.