عاجل| قطار التطبيع المصري التركي ينطلق.. وتحضيرات لقمة تجمع السيسي وأردوغان
بدا أن المصافحة بين الرئيس السيسي ونظيره التركي رجب أردوغان، بدأت في تدشين مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، من شأنها ترميم ما أتلفته سنوات الخصومة غير المبررة من قبل أنقرة؛ بسبب دعمها تنظيم الإخوان، ومعارضتها ثورة المصريين في 30 يونيو 2013 التي أنهت حكم الإخوان للبلاد.
ففي أحدث تصريحات من الجانب التركي، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، إن احتمالًا لعقد لقاء قمة تركية مصرية في الفترة القادمة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والمصري عبد الفتاح السيسي.
أوضح متحدث الرئاسة التركية أنه من الممكن أن تتجدد اللقاءات التركية المصرية بالفترة المقبلة، وقد يلتقي وزراء الخارجية التركي والمصري، مشيرا إلى أنه من المبكر الحديث عن أي زيارة ستكون أولا، زيارة أردوغان لمصر أو السيسي لتركيا.
تابع: "قبل هذا الأمر يجب تجهيز الكثير من التحضيرات وتجهيز الأسس، وخلال 3 أو 4 أشهر، من الممكن أن نتخّذ خطوات محدّدة عملية مهمة بالعلاقة مع مصر إن حدث التقارب مع مصر، فهذا لا يعني بأن التقارب مع سورية سيحدث غدا".
وفود تركية
وخلال وقت سابق، قال مصدر تركي رفيع المستوى لوكالة أنباء “رويترز” إن هناك تحضيرات للقاء يجمع الرئيسين أردوغان والسيسي في القريب العاجل، فيما لفت وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، مساء أمس الاثنين، للصحفيين، إلى أن تركيا ومصر قد تستأنفان العلاقات الدبلوماسية الكاملة وتعيدان تعيين سفيرين "في الأشهر المقبلة"، وقال إن البلدين قد يستأنفان المشاورات الدبلوماسية بقيادة نائبي وزيري الخارجية في إطار عملية التطبيع قريبا.
وتصافح السيسي وأردوغان في قطر على هامش افتتاح كأس العالم لكرة القدم الأسبوع الماضي فيما وصفه بيان للرئاسة المصرية بأنه بداية جديدة في العلاقات الثنائية بينهما.
ووفق وكالة "رويترز" للأنباء، فإن مصدر مصري مطلع قال إن وفدًا تركيًا في القاهرة يناقش كيفية تقريب وجهات النظر بشأن ملفات أمنية مشتركة، وأخرى تتعلق بوسائل إعلام مقرها تركيا.
تعاون مشترك
مسؤول تركي كبير تحدث مع "رويترز" وقال إن الدولتين قد تدخلان في تعاون جدي بشأن قضايا إقليمية خاصة في أفريقيا، وأن الوفود ستبدأ في مناقشة قضايا تجارية وعسكرية وسياسية خلال الفترة القليلة المقبلة.
أشار المسؤول التركي إلى بعض هذه الملفات، ومنها اتفاق تركيا لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا ومشروعات الطاقة واستكشاف الموارد الهيدروكربونية وخطوط الأنابيب في البحر المتوسط، وتابع قائلا: "إن تعيين السفيرين والتواصل لترتيب لقاء آخر بين الرئيسين أردوغان والسيسي سيتم في المستقبل القريب، ويماثل هذا النهج التركي مساعي أنقرة التي تبذلها مؤخرا لإحياء العلاقات مع الإمارات والسعودية.
لقاء الـ45 دقيقة
وخلال الساعات القليلة الماضية، قال الرئيس أردوغان إن عملية بناء العلاقات مع مصر ستبدأ باجتماع وزراء من البلدين، وإن المحادثات ستتطور انطلاقا من ذلك، وخلال برنامج حواري تلفزيوني تم تسجيله في محافظة تركية، قال أردوغان إنه تحدث مع الرئيس السيسي لنحو 30 إلى 45 دقيقة في ذلك اللقاء، على هامش افتتاح كأس العالم لكرة القدم في قطر.
تابع خلال اللقاء الذي نقلته وكالة "الاناضول" التركية الرسمية: "لقد ركزنا المحادثات مع السيد السيسي هناك وقلنا لنتبادل الآن زيارات الوزراء على مستوى منخفض. بعد ذلك، دعونا نوسع نطاق هذه المحادثات". ولفت إلى أن اللقاء مع الرئيس السيسي جرى في قطر إثر وساطة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
أوضح أنه أبلغ الرئيس السيسي أن ما تريده أنقرة هو إنهاء الخلاف القائم وأنه يجب ألا تكون هناك مشكلة بين البلدين في البحر الأبيض المتوسط، وأردف: "لقد بدأ المسار الآن لتطبيع العلاقات، وسيستمر مع وزرائنا"، وشدّد على أهمية الروابط بين تركيا والشعب المصري في المتوسط، مؤكدًا أنه يجب عدم إفساح المجال في هذا الصدد لجهات أخرى، مثل اليونان، وأضاف: "لذلك أعتقد أنه ستكون هناك تطورات جيدة".
محادثات استكشافية
وبدأت الدولتان مشاورات بين مسؤولين كبار في وزارة الخارجية العام الماضي وسط مساع من تركيا لتخفيف التوتر مع مصر والإمارات والسعودية.
في إطار ذلك، طلبت أنقرة من محطات تلفزيونية تتبع تنظيم الإخوان ويتم بثها من تركيا، على انتهاج خط معتدل في انتقادها لمصر.
وتحركت القاهرة والدوحة بوتيرة أسرع لإعادة العلاقات بينهما على الوضع مع تركيا.
لقاءات غير معلنة
ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين إن المصافحة بين الرئيسين السيسي وأردوغان فتحت الباب أمام موجة من اللقاءات الدبلوماسية غير المعلنة بين مسؤولي المخابرات في البلدين.
وقال مصدر إقليمي مطلع إن وفدين استخباراتيين من البلدين التقيا في مصر مطلع الأسبوع. وقال المصدر الثاني، وهو مسؤول تركي كبير، إن مناقشات "مهمة" بدأت بينهما، ومن المقرر أن تبدأ تركيا ومصر محادثات حول القضايا العسكرية والسياسية والتجارية بما في ذلك مشاريع الطاقة.
ووفق الوكالة لم يعلق مسؤولون أتراك عندما سئلوا عن الاجتماع في مصر. وكذلك لم تعلق الخارجية المصرية على الأمر.
هدف تركي
وتسعى تركيا في المقام الأول، جراء مساعيها للتصالح مع مصر، تسوية وضعها في منطقة شرق المتوسط، وحفظ مكانها في منطقة شرق المتوسط الغنية بالاكتشافات الغازية والبترولية؛ إذ تُحرم أنقرة من الاستفادة من الثروات الضخمة الموجودة في شرق المتوسط؛ بسبب رفض اليونان وقبرص ومصر ترسيم الحدود البحرية مع تركيا؛ بسبب سياساتها العدائية، فضلًا عن كونها لم توقع على قانون البحار.
كما أن محاولات ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا لم تنجح لكونها وُقعت مع غير ذي صفة في ليبيا، وأن الاتفاقيات الدولية تؤكد على أن السلطات الانتقالية ليس من صلاحياتها توقيع الاتفاقيات الدولية أو المعاهدات.
إن التوافق المصري التركي بشأن تسوية الوضع في شرق المتوسط، قد تستفيد منه تركيا في الجلوس مع جارتها اليونانية والتفاوض معها لحسم الملفات الخلافية في المتوسط وبحر إيجة.
وخلال وقت سابق، نشر القائم بأعمال السفير التركي في القاهرة، صالح موتلو شين، النص الكامل لتعليق الرئيس التركي رجب أردوغان على مصافحته الرئيس السيسي، وكان التعليق الأبرز، في نهاية الكلمة، حيث قال: "بالطبع، طلبنا الوحيد منهم (في إشارة إلى مصر) هو دعونا بهذه المحادثات نحقق السلام هنا تجاه أولئك الذين يتخذون موقفًا ضدنا في البحر الأبيض المتوسط، ونأمل أن نستمر في طريقنا معهم".
مما يعزز من فرضية أن تسوية تركيا وضعها في شرق المتوسط مع مصر يحفظ لها حقها في تلك المنطقة في ظل توتر غير مسبوق مع اليونان وقبرص.
مصالح مصرية
أما بشأن الاستفادة المصرية من التقارب مع تركيا، أو في أحسن الأحوال إعادة التطبيع بين البلدين، وترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، فمصر من مصلحتها استقرار الاوضاع في منطقة شرق المتوسط، للبدء في مزيد من عمليات البحث والتنقيب عن الغاز ومشتقاته، وبالتالي تحقيق حلم التحول إلى مركز إقليمي للطاقة في شرق المتوسط؛ في ظل الاكتشافات الواعدة لمصر في المنطقة.
كما أن الترسيم البحري مع تركيا، في شرق المتوسط، يقطع الطريق أمام أي مساعي في تلك المنطقة لخلق مسارات جديدة لتصدير الغاز إلى أوروبا بعيدًا عن مصر، مثلما حدث قبل سابق في تحالف شرق المتوسط بين (اليونان وقبرص وإسرائيل وإيطاليا بدعم أمريكي) لإحياء مشروع أنبوب الغاز "إيست ميد"، فبالترسيم مع تركيا ستكون مصر لاعبًا أساسيًا في أي اتفاقات تخص تصدير الغاز إلى أوروبا.
إن تسوية الأوضاع في شرق المتوسط، بين مصر وتركيا، ربما يفتح نوافذ فرص للحديث عن تحالفات جديدة وفرص استثمار وقوة مؤثرة لا يمكن تجاوزها أو إغفالها.
تسوية الوضع في ليبيا
تستهدف مصر كذلك من تسوية الخلاف مع تركيا، إنهاء الوضع المأساوي في ليبيا، وذلك عبر الوصول إلى تفاهمات مع أنقرة تسمح بإخراج المرتزقة الذين تم جلبهم إلى ليبيا عبر تركيا؛ للقتال إلى جانب الحكومات المتعاقبة في طرابلس، وكذلك سحب القوات التركية وتفكيك قاعدتها العسكرية في قاعدة "الوطية الليبية الجوية".
وتهتم مصر بإنهاء الأزمة الليبية على اعتبار أن ليبيا تعد في الفضاء المصري امتداد للأمن القومي من الناحية الغربية، خاصة في ظل حدود مشتركة تصل إلى لنحو 1200 كيلوامتر، قد تستعمل كممر للجماعات الإرهابية، إذا لم يتم السيطرة الصارمة على الوضع هناك.
لكن تركيا لن تقبل على سحب قواتها والعناصر المسلحة الأجنبية التابعة لها من ليبيا، إلى جانب تفكيك أي قواعد عسكرية لها على الأرض الليبية، إلا إذا كان ثمن ذلك مجزيا بالنسبة لأنقرة، ولعل هذا الثمن المجزي هو تسوية الوضع في شرق المتوسط.