هل يستطيع غاز شمال إفريقيا سد الفجوة وحل أزمة الطاقة في أوروبا؟
يبدو أن وضع الغاز الطبيعي في أوروبا بعيد كل البعد عن الكآبة إذا صدق السياسيون في ضوء المستويات الحالية من المخزن، التي تتراوح بين 91-100% ممتلئة، وتسمع بعض التنهدات تعبيرا عن الارتياح عبر أسواق الغاز الأوروبية الشمالية الغربية ولم يعد موسم الشتاء القادم يبدو وكأنه سيناريو يوم القيامة كما توقع المراقبون خلال الصف الماضي، ولا سيما ما دامت سفن الغاز الطبيعي المسال تطفو أمام الموانئ الأوروبية في انتظار تفريغ حمولتها.
ومع ذلك، فإن الواقع يبدو أكثر كآبة بعض الشيء، فلا مجال للإسراف في التفاؤل، وهذا الرأي الأكثر أمانًا، فالأزمة لم تمر بشكل كامل، وفقًا لتقرير موقع أويل برايس المهتم بشؤون الطاقة، حتى مع مستويات التخزين المرتفعة الحالية وما زال الغاز الروسي يدخل الأسواق الأوروبية قد تكون قيود جانب العرض مشكلة أكبر مما كان متوقعًا. وستتأثر إمدادات الغاز الروسي عندما يفرض الاتحاد الأوروبي نظام عقوبات ديسمبر على النفط والمنتجات البترولية التي تصدرها موسكو، ولكن أيضًا على الجانب الآخر من القارة.
كانت دول جنوب أوروبا نشطة للغاية لتأمين إمدادات جديدة في الأشهر القليلة الماضية، وتم إرسال وفود إلى مصر والجزائر للمطالبة بكميات إضافية وعقود طويلة الأجل وتزدهر صادرات الغاز الطبيعي المسال في مصر، وسيأتي المزيد في العام المقبل، كما تستفيد الجزائر، أكبر مصدر للغاز في شمال إفريقيا في أوروبا. وواحدة تلو الأخرى، يتم طرح وتوقيع اتفاقيات الغاز طويلة الأجل، حيث تقوم إسبانيا وإيطاليا وحتى سلوفينيا بالتوقيع ويعتبر مستوى التفاؤل أكثر من رائع، ولكن يبدو أن السياسة الداخلية الجزائرية كانت حجر عثرة رئيسي مرة أخرى.
كما أفاد موقع أخبار الطاقة العربي "عتاقة"، بأن صفقة الغاز الجزائرية الفرنسية المتوقعة طويلة الأمد قد واجهت مرة أخرى تحديًا بسبب المناورات السياسية وتقول التقارير المتداولة إن الجزائر أبلغت باريس بأن الصفقة الحالية قد تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى، وكانت فرنسا تأمل في توقيع الاتفاق قبل نهاية عام 2022، لتعويض خسارة إمدادات الغاز الروسي. وبهذا الاتفاق، توقعت باريس زيادة وارداتها الحالية من الغاز الجزائري بنحو 50٪، ولكن أجلت الجزائر المفاوضات رسميًا حتى عام 2023 وأحد الأسباب الرئيسية الأكثر شهرة للتأجيل هو الضغط الجزائري الداخلي لإجبار فرنسا على الدفع مقابل إحجامها عن أن تكون أكثر مرونة في نظام التأشيرات للجزائريين، وللاعتراف ودفع ثمن ماضيها الاستعماري في الجزائر والاعتراف بأخطائها في الماضي.
وفي أغسطس، وقع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون "إعلان الجزائر لتجديد الشراكة بين الجزائر وفرنسا" إلا أن الاحتفال بالذكرى الستين لاستقلال الجزائر تسبب مرة أخرى في احتكاك سياسي، حيث أكد الجانبان على موقفهما بقوة، ويبدو أن نفوذ فرنسا في الجزائر يتضاءل ويقف الآن وراء دول مثل تركيا وإيطاليا وإن تأثير روسيا والصين (أكبر شريك للجزائر) أكبر بكثير.
وبالنسبة لفرنسا، فإن استمرار خلافها مع الجزائر يأتي في الوقت الخطأ وتعتبر إمدادات الغاز المستقبلية في أوروبا غير آمنة، لذا فإن أي ضغط إضافي على أحجام الواردات العادية يعتبر أمرًا بالغ الأهمية وفي الوقت الحالي، لا تزال شركة الطاقة الفرنسية إنجي تواصل محادثاتها مع شركة سوناطراك المملوكة للحكومة الجزائرية فيما يتعلق بأحجام الغاز الطبيعي المسال الإضافية وخطوط الأنابيب ويبدو أن المفاوضات الآن تواجه عقبة، حيث توجد خلافات حول الجانب الجزائري. رفض زيادة مدة العقد (2024) مع استمرار وجود فروق في الأسعار.
كما تتوقع دول أوروبية أخرى إمدادات جزائرية إضافية. في 18 نوفمبر، صرحت شركة إيني الإيطالية العملاقة للنفط والغاز أنها تتوقع مضاعفة تدفقات الغاز من الجزائر بحلول عام 2024 ووذكرت لوسيا كالفوسا (رئيس مجلس إدارة شركة إيني) أن "استبدال الغاز الروسي سيأتي إلى حد كبير من الجزائر، التي ستتضاعف إمداداتها إلى إيني. من حوالي 9 مليارات متر مكعب سنويًا إلى حوالي 18 مليار متر مكعب بحلول عام 2024. ومن هذه التسعة مليارات الإضافية، وصل جزء بالفعل وسيصل الآخر بشكل تدريجي خلال عام 2023 ".
ثمة رسالة أخرى تأتي من إسبانيا؛ فعلى الرغم من أن شركة الطاقة الإسبانية إيناجاس أعلنت أن الجزائر توفر في الوقت الحالي 21.2٪ من الغاز عبر خط أنابيب ميدجاس، وهو ما يمثل 20٪ من إجمالي الاستهلاك الإسباني، لم يتم تلقي أي كميات إضافية حقيقية. ومنذ نهاية عام 2021، دخلت إسبانيا والجزائر في صراع سياسي مرتبط بالمغرب وجبهة البوليساريو، وهي حركة تحرير تطالب بالصحراء الغربية ويبدو أن أي تعزيز لمكانة تصدير الغاز الجزائري في السوق الإسبانية ناتج فقط عن حقيقة أن الموردين الآخرين قد خفضوا ارتباطهم بقرار موسكو في هذا الشأن.
وأشار التقرير إلى أن تفاؤل بعض الدول الأوروبية مبني على توقعات لم تتحقق بعد وبدون إمدادات إضافية، قد تكافح أوروبا لتأمين كمية كافية من الغاز في عام 2023. قد لا تحقق الجزائر الاستقرار الذي تشتد الحاجة إليه في أسواق الغاز في الاتحاد الأوروبي، وقد لا تلتزم حتى بمستويات الإمداد العاديةو خلال الشهرين الماضيين، أصبح من الواضح أن الوعود الجزائرية والعقود الجديدة ليست أساسًا قويًا لتأمين توريد الغاز الطبيعي المطلوب في الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، مع تراجع الصادرات الجزائرية بنسبة 12٪ على أساس سنوي، لتصل إلى مستوى 36.2 مليار متر مكعب فقط.
وأعرب البعض عن قلق أكثر بشأن الأشهر المقبلة، حيث لا يزال نفوذ موسكو في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا يتزايد والنتيجة المباشرة المحتملة لعقوبات الاتحاد الأوروبي النفطية المقبلة على روسيا قد تكون رفض أكثر تمردًا من جانب الجزائر كما أن الضغط السياسي المحلي المتزايد والحوادث التقنية "المتوقعة" من السيناريوهات المحتملة. وأجرت روسيا والجزائر الأسبوع الماضي مناورات عسكرية مشتركة في البحر المتوسط، وموسكو هي أيضا أكبر مورد للأسلحة للجزائر.