عادل حمودة: إسرائيل تراجعت عن ضرب مصر بالنووي في اللحظة الأخيرة
قال الكاتب الصحفي عادل حمودة، إنه حرص في رحلته إلى اليابان على زيارة مدينة هيروشيما، وتقع هيروشيما على بعد 800 كيلومتر من طوكيو، وسافر إليها بقطار يسمونه "النوزومي" أو "الرصاصة" لشدة سرعته التي تصل إلى 280 كيلومترا في الساعة.
وأضاف حمودة خلال برنامجه "واجه الحقيقة" على قناة القاهرة الإخبارية، أن هيروشيما نالت شهرتها من القنبلة النووية الأمريكية التي ألقيت عليها في الساعة الثامنة والربع من صباح يوم الاثنين 6 أغسطس 1945 من على ارتفاع 580 مترا فوق مركز المدينة. وبعد 4 أيام سقطت قنبلة ذرية أخرى علي مدينة ناجازاكي، لتستسلم اليابان وتنتهي الحرب العالمية الثانية.
دمرت القنبلتان مدينتي هيروشيما ونجازاكي وأحرقت في الحال نصف السكان وأصيب من بقي على قيد الحياة بسرطان الدم والتسمم الإشعاعي.
واحد من الذين ماتوا بالإشعاع في هيروشيما كان الشاعر الياباني تاميكي هيرا، الذي وصف ما حدث قائلًا: "هذا هو الانسان.. تغير كثيرا بسبب القنبلة الذرية.. جسمه انتفخ كالبالون.. لا فرق بين رجل وامرأة.. الكل سواء.. الكل قطعة لحم محترقة بلا ملامح".
وتابع: القنبلة التي ألقيت على هيروشيما سميت "الرجل البدين" لضخامة حجمها، لكن القنابل النووية الحديثة أصبحت أكثر رشاقة وأشد تدميرا، وفي "السوبر ماركت النووي" نجد قنبلة إستراتيجية تدمر هدفًا محددا بعينه مثل مراكز القيادة والبنية التحتية، وقنبلة نووية تكتيكية تستخدم للهجوم مع القوات التقليدية، وسنجد "القنبلة القذرة" وهي قنبلة تقليدية مخلوطة بيورانيوم مُشع، وسنجد رؤوسا نووية يمكن تركيبها علي صواريخ بعيدة المدى تستطيع تدمير العالم بأسره في ثوان. ساعتها لن يتاح لنا أن نبكي على من نحب أو نرثي أنفسنا.
إسرائيل تراجعت في اللحظة الأخيرة عن ضرب مصر بالنووي
أضاف الكاتب الصحفي عادل حمودة، إن النادي النووي يضم حاليا 10 أعضاء يمتلكون 13865 قنبلة، ويضم النادي دولا كبرى مثل الولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا وروسيا، ويضم دولا أخرى مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية، ومنذ اليوم الأول لإعلان دولة إسرائيل سعت إلى امتلاك القنبلة النووية.
وقال: هناك دراسة بعنوان "سجناء الخوف" يقول مارك جافتي أن صقور الجيش الإسرائيلي عارضوا الفكرة ما عدا موشي ديان، وصاحب الفكرة كان ديفيد بن جوريون أول رئيس حكومة في إسرائيل وقد وصف بأنه “نبي النار”.
بدأ المشروع النووي الإسرائيلي في مفاعل ديمونة الذي أقيم سرا في صحراء النقب وبدأ العمل فيه عام 1958 بمساعدة فرنسا بدعوى استخدام الطاقة النووية في زراعة الصحراء، لكن ذلك بشهادة شاهد من أهلها لم يكن صحيحا. الشاهد هو خبير نووي إسرائيلي من أصل مغربي هو موردخاي فعنونو، الذي كان في استراليا يتحدث عن السلام، وفي حديثه كشف أسرارًا كان يعرفها عن القنبلة الإسرائيلية مما أثار شهية الصحافة الاسترالية فسعت لشراء ما يملك من معلومات وصور ولكنهم فشلوا.
وفي سبتمبر 1986، التقى فعنونو في مدينة سيدني بالصحفي البريطاني بيتر هونام، وعرض عليه المعلومات والصور التي في حوزته لنشرها في صحيفة ساندي تايمز بعد التأكد من صحتها، وبما نشره فعنونو ثبت أن إسرائيل كانت تمتلك ما لا يقل عن 100 قنبلة نووية لتصبح سادس قوة نووية في العالم. وفي لندن التقي فعنونو بسائحة أمريكية تدعى سيندي فقد عقله أمام جمالها واستجاب لطلبها بالسفر إلى روما لقضاء عطلة نهاية الأسبوع حيث تمتلك شقة هناك، وما أن دخل فعنونو الشقة حتى وجد ضباط الموساد في انتظاره.
من ضمن ما نشره فعنونو أنه في عام 1972 توصل الإسرائيليون الي طريقة رخيصة لتخصيب اليورانيوم باستخدام تكنولوجيا الليزر وبمساعدة جنوب أفريقيا. وفي العام التالي.. بالتحديد في أكتوبر 1973 كادت إسرائيل أن تستخدم القنبلة النووية بعد أن حقق المصريون انتصارا مذهلا في الحرب، لكن الجسر الجوي الأمريكي الذي سارع بدعمها أعاد إليها عقلها.
علماء الذرة المصريون قتلوا أو هاجروا أو اختفوا بعد هزيمة 1967
قال الكاتب الصحفي عادل حمودة، إن العرب حاولوا التوصل إلى القنبلة النووية،وكانت البداية في مصر، ففي عام 1958 تسلمت مصر أول مفاعل نووي سوفيتي وأصبح مقره حتى اليوم في إنشاص، وكانت مصر قد أسست في عام 1955 "لجنة الطاقة الذرية" برئاسة جمال عبد الناصر نفسه.
وتابع: سمعت من الخبير النووي المصري عصمت زين الدين عندما التقيت به في الإسكندرية قبل سنوات أن: المفاعلات النووية التي حصلنا عليها من الاتحاد السوفيتي لم تكن تصلح لإنتاج قنبلة نووية. في الوقت نفسه كان في مصر عدد يصعب حصره من علماء الذرة الذين تخرجوا في قسم الهندسة النووية في جامعة الإسكندرية وحصلوا على الدكتوراة من موسكو.
وذكر حمودة بعض أسماء هؤلاء العلماء الذين يحملون درجة الدكتوراة في مختلف التخصصات النووية وربما لم يعد بعضهم على قيد الحياة: الدكتور محمد السيد سليمان ناجي، الدكتور أمجد القصاص، الدكتور مرسي السيد مرسي، الدكتور مجد الدين علي رِعبة، الدكتور محمد عبد الله بيومي.
وأكمل: قائمة طويلة من العلماء أصبحوا عاطلين عن العمل في تخصصهم النادر بعد أن توقف البرنامج النووي المصري في أعقاب هزيمة يونيو 1967، بعضهم هاجر إلى الولايات المتحدة، بعضهم وجد عملًا في البرنامج النووي الباكستاني، وبعضهم انضم إلى البرنامج النووي السوري ومنهم الدكتور عصمت زين الدين، وبعضهم انضم إلى البرنامج النووي العراقي ومنهم الدكتور يحيي أمين المشد، والأخطر أن منهم من اختفى مثل نبيل القليني.
وأضاف: أوفدته كلية العلوم جامعة القاهرة في بعثة إلى تشيكوسلوفاكيا ليجري المزيد من أبحاثه النووية التي وصفتها الصحف هناك بالعبقرية، في صباح يوم الاثنين 27 يناير 1975 رن جرس التليفون في الشقة التي يقيم فيها وما أن انتهت المكالمة حتى خرج، لكنه خرج ولم يعد.
واستطرد: قبل نبيل القليني قتلت سميرة موسى في حادث سيارة مدبر، بعد أن أنهت دراستها النووية في الولايات المتحدة، وكان عمرها 35 عاما. والحقيقة أن القتل أو الاختفاء كان مصير الكثير من علماء الذرة في العالم الثالث، الذين رفضوا إغراء العمل في الدول النووية الكبرى.
وأكمل: حسب وثائق وكالة الطاقة النووية في فيينا فإن 146 عالما نوويا في 13 دولة نامية اختفوا في ظروف غامضة خلال الفترة ما بين 1959 و1985 وهم من الهند وباكستان والأرجنتين وجنوب إفريقيا ومصر. وحسب المصدر نفسه فإن92% من الضحايا رفضوا العمل في دول أخرى غير دولهم و98% قتلوا خارج بلادهم وكانوا يشكلون خطرا على دول أخرى ولم يعرف الجناة حتى الآن.
وأوضح: نصفهم على الأقل قتل بالرصاص والنصف الآخر قتل بوسائل أخرى، حادث سيارة، تفجير بيته، أو تم قتله بالسم، وفي غالبية الحالات لم تطلب دول الضحايا تعويضًا أو سعت إلى الثأر، بل أنها في كثير من الأحيان كانت تفضل عدم الكشف عن الجناة. ومن شبه المؤكد ان الضحايا لم يكونوا تحت حماية من نوع ما، رغم أنهم ثروة يصعب تقديرها بمال، وأشهر الضحايا بين علماء الذرة المصريين هو الدكتور يحيي أمين المشد.
عادل حمودة يسرد شواهد على اغتيال الموساد للعالم النووي المصري يحيى المشد بسبب العراق
سرد الكاتب الصحفي عادل حمودة، وقائع تفوق واغتيال العالم المصري النووي يحيى المشد، وقال إن المشد ولد في بنها عام 1932، وتخرج في قسم الكهرباء في جامعة الإسكندرية عام 1952، وحصل على الدكتوراة في هندسة المفاعلات النووية من الاتحاد السوفيتي عام 1962. وبعد عودته من البعثة طلب منه جمال عبد الناصر إنشاء قسم الهندسة النووية بمشاركة الدكتور عصمت زين الدين.
وأضاف: أتذكر ان الدكتور عصمت زين الدين قال لي منذ سنوات طوال: إن هدفنا هو تصنيع سلاح نووي عربي لخلق توازن نووي مع إسرائيل. لكن بعد حرب يونيو كما قلت توقف كل شيء ووجد المشد نفسه بلا عمل.
وتابع: حسب ما سمعت من السيدة زنوبة علي خشخاني أرملة يحيى المشد، منذ سنوات بعيدة، فإن المشد بحث عن فرصة عمل في العراق في عام 1975 لكنه لم يعمل في هيئة الطاقة النووية العراقية وإنما عمل في أحد المعاهد الفنية المتوسطة الأقرب إلى المدارس الصناعية، وفي عام 1975 نفسه أبرمت اتفاقية للتعاون النووي بين صدام حسين والرئيس الفرنسي جيسكار ديستان لتوريد مفاعلين إلى العراق هما إيزيس وأزوريس.
وأكمل: اكتشف العراقيون وجود المشد في بلادهم فطلبوا منه الإشراف على المفاعلين لكن كانت هناك مفاجأة في انتظار الجميع. كانت صناديق المفاعلين ستشحن في 7 أبريل 1979 من طولون إلى مارسيليا ومنها إلى البصرة لكن فجر تسعة من عملاء الموساد الصناديق قبل شحنها في عملية سميت "قرص العسل" وتضرر 60% من المفاعلين وبلغت الخسائر 13 مليون دولار.
وأضاف: سارعت فرنسا بإرسال مفاعلات بديلة وحجم متفق عليه من اليورانيوم اعترض عليه المشد لعدم مطابقته للمواصفات. وهنا أصر الفرنسيون على حضوره بنفسه لمراجعة كل شيء قبل شحنه، لكن رحلته أخذت مسارا مختلفا، ووصل المشد إلى باريس للعمل في المشروع النووي يوم 7 يونيو 1980، لكن بعد 6 أيام وبالتحديد يوم 13 يونيو، وجدوه مقتولًا في الغرفة رقم 9041 بفندق الميريدان بوليفار سان كير.
وكشف حمودة: كُنت في باريس وقت وقوع الجريمة، وفوجئت بخبر عن إغتيال عالم نووي مصري في قلب العاصمة الفرنسية باريس، وعلى نحو مثير، كتبت الصحافة الفرنسية أن الحادثة كانت جريمة عاطفية وليست جريمة سياسية أو نووية. وتم تداول اسم امرأة مجهولة تُدعى ماري كلود ماجال وشهرتها ماري إكسبرس باعتبارها المتهمة الأولى في الحادث، بدافع الفضول الصحفي قررت الذهاب لمسرح الجريمة، وبدأت بعد ذلك رحلة بحث على مدار عام للوصول إلى الحقيقة.
وتابع: ظلت الحادثة عالقة في ذهني وحرصت على جمع المعلومات والشهادات المختلفة ومن أهمها شهادة أرملته السيدة زنوبة علي الخشخاني والتي كانت متأكدة أن اغتيال المشد كان نتيجة عمل مدبر، وكأن الجاني كان يريد اغتيال المشد مرتين، بقتله مرة، وتشويه سمعته مرة أخرى. وتعد هذه القضية واحدة من أكثر القضايا غموضا في فرنسا، وبدأت بعض التحليلات الفرنسية تؤكد تورط الموساد، وكان أول دليل على تورط الموساد ليس في فرنسا وليس في مصر، ولكن عبر أثير الإذاعة الإسرائيلية وبالتحديد بعد ساعات قليلة من إغتيال العالم المصري.
وقال حمودة: “أثار دور ماري إكسبرس فضولي الصحفي”، وأضاف: "خاصة أنها كانت الشاهدة الوحيدة والتي أكدت التحقيقات أنها حاولت التقرب من العالم المصري، الذي رفض التجاوب معها وابتعد عنها ولكنها ظلت منتظرة على باب غرفته في الفندق على أمل أنه يفتح لها الباب، لكن الباب ظل مغلقًا في وجهها، وحسب شهادتها الرسمية، كانت هناك أصوات معركة دائرة داخل غرفة المشد في ليلة وفاته.
وبعد شهر، وبالتحديد في 12 يوليو 1980 دهست سيارة مسرعة الشاهدة الوحيدة وفي ثواني ـصبحت جثة هامدة. وكان اغتيالها دليلا جديدا على تورط جهاز الموساد في اغتيال العالم المصري، وظهرت في ما بعد شهادات عديدة تؤكد هذه الحقيقة.
وأوضح حمودة: المثير أن هناك عددا كبير من التسربيات أكدت تورط جهاز الموساد في عملية الاغتيال على سبيل المثال، ضابط المخابرات الاسرائيلية المنشق (فيكتور ستروفيسكي) أشار في كتاب من تأليفه بعنوان (بطريق الخداع) في سبتمبر 1990، لتفاصيل هذه العملية، اعترف ستروفيسكي أن عميل في المخابرات الإسرائيلية يتحدث العربية ذهب للمشد في غرفته وحاول الدخول مؤكدا للعالم المصري أن لديه عرض مالي ضخم له مقابل التعاون مع جهة ما، لكن المشد طرده.
بعد ساعات من طرد المشد لهذا العميل تسلل إلى غرفته اثنان من عملاء الموساد وفتحوا الباب بمفتاح مزور وحطموا رأس العالم المصري، ووضعوا لافتة (عدم الازعاج) على باب غرفته لضمان وفاته قبل أن يفكر أي شخص في دخول الغرفة.
وأكمل: الاعتراف الثاني للموساد باغتيال المشد جاء في كتاب الصحفي البريطاني الشهير جوردن توماس (جواسيس جدعون)، وكتب توماس: رئيس الموساد (في الفترة ما بين عامي 1974 و1982) أصدر أمرا إلى فرقة اغتيال من أجل التخلص من المشد بأي طريقة، تم تنفيذ عملية الاغتيال بالفعل والتي حملت اسم (عملية سفنكس) في ملفات الموساد.
وأوضح: لما قرأت ملف الجريمة عرفت سر الإصرار على اغتيال المشد، فحسب ملف جريمة اغتيال العالم المصري، أكد تقرير لجنة الطاقة الذرية الفرنسية أن الدكتور يحيى المشد هو الوحيد القادر على تطوير البرنامج النووي العراقي إلى حد الاقتراب من القنبلة الذرية.. والأهم أن التقرير أشار إلى أن قبل اغتياله بساعات كان قد أنهى بنجاح مهمته في فحص الوقود النووي من اليورانيوم المخصب بدرجة 93% والذي يمكن استخدامه في صناعة القنبلة الذرية. ولم تكتف إسرائيل بقتل المشد فقط، ففي عام 1981 استهدفت عدة غارات اسرائيلية المفاعل النووي العراقي، وتم تدميره بالكامل، لتكتمل سلسلة الاجراءات لصالح أن تظل إسرائيل منفردة في المنطقة بالقوة النووية.