تفاعل "محدود".. هل تنجح دعوة شيخ الأزهر للحوار "السني الشيعي"؟
رغم دعوة الإمام الأكبر، شيخ الأزهر الشريف، أحمد الطيب، إلى حوار عاقل وهادئ بين المذاهب الإسلامية، وتحديدًا بين السنة والشيعة، خلال مؤتمر "الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني"، بالقصر الملكي البحريني، بحضور الملك حمد بن عيسى، وبابا الفاتيكان، فرانسيس الثاني، في 4 نوفمبر من الشهر الجاري، إلا أنه لم يتم رصد أي تفاعل من الحواضر الشيعية الرئيسية، مع دعوة الإمام الأكبر، حتى الأن، وتحديدًا من قبل مرجعية النجف الأشرف التي يترأسها السيد علي السيستاني، ومرجعية قم وحوزتها العلمية، التي نصبت السيد علي خامنئي مرجعية كبرى للشيعة الإثنى عشرية.
تفاصيل دعوة شيخ الأزهر للحوار السني الشيعي
التفاعل لم يأت إلا مما يعرف باسم "المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب" – وهو مؤسسة حكومية إيرانية تأسست العام 1990 بتكليف من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، ويشارك فيها رجال دين ممثلين عن مذاهب وطوائف إسلامية – إذ رحب المجمع بالدعوة، وقال الأمين العام حميد شهرياري: "استعدادكم (في إشارة إلى الإمام الأكبر) لاحتضان الحوار الإسلامي الإسلامي دليل على جدية دعوتكم".
أعرب شهرياري عن رغبة المجمع في أن تبلغ الدعوة أهدافها بصدق وإخلاص، مؤكدًا استعدادهم على دعمها ومساندتها لتجاوز عوامل التجزئة القومية والطائفية وتغليب مصالح الأمة". وقال: "نعلن تضامننا مع دعوتكم لحوار إسلامي – إسلامي ووضع كل إمكانياتنا لنجاح مشروعكم".
أعقب بيان "مجمع التقريب"، دعوة من الشيخ حميد شهرياري، لشيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب، إلى زيارة إيران ووضع الأسس الأولية للحوار الإسلامي الإسلامي، مؤكدًا استعدادهم للذهاب بوفدٍ من مجمع التقريب إلى القاهرة للقاء شيخ الأزهر ومناقشة موضوع الحوار.
دعوة الإمام الأكبر
ووجه الإمام الأكبر نداءً لعلماءِ الدين الإسلامي على اختلافِ مذاهبهم وطوائفهم ومدارسهم، للمسارعة بعقدِ حوارٍ (إسلامي إسلامي) جاد؛ لإقرار الوحدة والتقارب والتعارف، من أجل الأُخوة الدينية والإنسانية، ونبَذ أسباب الفرقة والفتنة والنِّزاع الطائفي على وجهِ الخصوص، ويركز في الوقت ذاته على نقاطِ الاتفاق والتلاقي.
شيخ الجامع الأزهر لم يكتف بالدعوة، لكنه أبدى استعداده، مع كبار علماء ومجلس حكماء المسلمين، لعقد الاجتماع وتنظيمه، وقال إن الهدف من ذلك تجاوز صفحة الماضي، وتعزيز الشأن الإسلامي، ووحدة المواقف الإسلامية، التي تتسم بالواقعية، وتلبي مقاصد الإسلام وشريعته، وتُحرم على المسلمين الإصغاء لدعوات الفرقة والشقاق.
دعوات متشابهات بلا فعل
وبرر مصدر طلب عدم ذكر اسمه، عدم تفاعل الحواضر الشيعية الرئيسية في النجف وقم، مع دعوة الإمام الأكبر، بأنها جاءت خلال فعاليات كان يحضرها الإمام الأكبر، ولو أنها جاءت مباشرة من مكتبه في مشيخة الأزهر الشريف بالقاهرة، لكان وقع الاستجابة لها أكبر، وتابع المصدر: "الإمام الأكبر أطلق قبل ذلك دعوات متشابهة لكنها توقفت فجأة، ولم يتم اتخاذ أي خطوات تذكر فيها. ربما يرجع ذلك إلى الفاعل الغائب وأقصد هنا قوة التيار السلفي في المشيخة".
حوار بُناء عن رسالة المجمع العالمي للتقريب
عضو الهيئة العليا لـ"المجمع العالمي لأهل البيت"، السيد الطاهر الهاشمي، فيقول: "الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مستعدة هي ومرجعياتها الشيعية للحوار مع الأزهر الشريف وعلماء أهل السنة والجماعة؛ إذا كان هناك استعداد لحوار بناء عن رسالة المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب، وكل ما يقوم به المجمع العالمي للوحدة الإسلامية هو بأمر من السيد الخامنئي".
ودافع الهاشمي عما اعتبره مساعي إيرانية للحوار والتقريب بين المذاهب بالقول: "في إيران كانوا من طلائع التقريب بين المذاهب الإسلامية منذ أكثر من قرن؛ فآية الله البروجردي المرجع الديني الكبير أرسل إلى مصر الشيخ القمي، وكان له حوارات مع شيوخ الأزهر الشريف وعلماء السنة، فالمبادرة كانت من إيران".
الهاشمي حمل تسيس الخلاف الفرعي بين السنة والشيعة لما سماه أعداء الأمة، وقال: "لقد افتعلتها دوائر العدو من الصهاينة وغيرهم؛ لإثارة الفتن والخلافات بين المذاهب الإسلامية".
وتابع: "قلوبنا دائما مفتوحة لجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم، ونبذ الخلاف بينهم، وأن أسس فكرة الحوار، أوصى بها النبي الأكرم وأهل البيت، وأئمة أهل البيت، ومنهم: الإمام جعفر الصادق - وهو (من أسس المذهب الجعفري)- الذي أخذت عنه كل المذاهب الإسلامية مذاهبهم، وكذلك الإمام الحسن العسكري". بحسب حديثه.
لفت الهاشمي: "إلى أن الشيعة هم من أسسوا دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القرن الماضي أيام مرجعية آية الله العظمى السيد البروجردي زعيم الحوزة العلمية في قم حيث كان تمثيل الأزهر الشريف حاضرا فيها، ومن خلالها تم إصدار (مجلة رسالة الإسلام)". وذلك بحسب قوله.
وأكد أن علماء وقادة حوزة النجف الأشرف، عملوا طوال الوقت على لم شمل الأمة ونبذ خلافاتها، وجمع كلمتها وتوحيد صفوفها؛ وذلك من خلال قضية القدس الشريف، وذكر بكلمة المرجع الأعلى السيد السيستاني، حيث قال عن أهل السنة: لا تقولوا إخوتنا بل قولوا أنفسنا.
تابع: "كنا وما زلنا نؤيد خطوات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف في لم الشمل، ووحدة الصف، والتقريب بين المذاهب على مدار سنوات، فالأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، حميد شهرياري، رحب بدعوة الإمام عقب إطلاقها مباشرة، وكذلك رحبت المرجعيات الدينية بالجمهورية الإسلامية بإيران".
أما الباحث في الشؤون الإسلامية محمود جابر فيقول: "الاقتصار على بيان المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب، المرحب بدعوة الإمام الأكبر، واعتباره بيانًا ممثلًا عن الحواضر الشيعية كافة، تلبيس وبعد عن الحقيقة، فالمجمع لا يعبر إلا عن نفسه، وليس ناطقًا باسم المرجعيات الشيعية؛ على الرغم من أنه مؤسسة حكومية إيرانية"، وتابع: فأقران الإمام في الجانب الشيعي السيد علي السيستاني، والسيد علي خامنئي، وكان الأولى خروج بيانات توضح موقفهما من الدعوة"، وأعرب عن دهشته مما اعتبره صمتًا مطبقًا لمرجعية النجف الأشرف مع الدعوة، وقال: "السيد السيستاني مشغول بتمكين نجله محمد رضا السيستاني في خلافته في مرجعية النجف".
قال جابر: "أعتقد أن السر الذي يكمن في عدم تحرك العديد من الحوزات أو الحواضر الشيعية تجاه دعوة الإمام الأكبر، أنها صدرت من البحرين؛ التي تشهد أزمة معروفة للجميع بين مجموعة الحراك البحريني الشيعية والسلطة الحاكمة. وأعتقد أنهم يظنون أن استجابتهم للحوار الذي دعا له الإمام الأكبر قد تعني بالنسبة لهم الموافقة على سقف منخفض في التفاوض مع النظام".
زعم جابر أن سببًا رئيسًا أخر يقف وراء عدم التفاعل مع دعوة الإمام الأكبر، وهو موقف سياسي إيراني؛ إذ تريد طهران الاستمرار في الهيمنة على المنطقة؛ فهي تريد أن تكون الوحيدة التي تدير المصالح في المنطقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرًا إلى أن موقف مرجعية النجف الأشرف سلبي فهي لا تريد أو لا تستطيع انتزاع المبادرة من إيران، وبالتالي لن يستطيع أحد الدخول على الخط ما لم تُبد إيران نوايا حسنة في هذا الموضوع.
فوارق مذهبية ضعيفة
أما الأكاديمي العراقي، الدكتور عبد الكريم الوزان، فيقول: "عدم التجاوب مع الدعوة، يعكس حجم التعقيد في الوضع السياسي بالمنطقة"، موضحًا أن دولًا إقليمية ذات نفوذ قوي في العراق، هي من تقف وراء عدم الرد وتجاهل الدعوة.
تابع الوزان: "رغم أن الفوارق المذهبية بين السنة والشيعة ضعيفة جدًا، إلا أن عوامل سياسية واقتصادية واستعمارية ومصالحية هي التي تقف وراء عدم عقد حوار جاد وبناء بين لسنة والشيعة".
رسالة خطية ستكون أكثر نجاعة
رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية، الكاتب والسياسي العراقي، هادي جلو مرعي، برر تأخر التجاوب مع دعوة الإمام الأكبر، من قبل بعض المؤسسات الدينية الشيعية سواء في النجف أو في قم أو في أي حاضرة من الحواضر الشيعية، بأنه ربما يعود إلى محاولة استجلاء طبيعة الظروف والمعطيات على الأرض، فالدعوة أطلقت من قبل الإمام الأكبر وهي دعوة مبجلة ومحترمة ويشكر عليها، فهو معروف بمواقفة الوطنية، لكنها دعوة تحتاج استجلاء للأمور، وهذا لن يتم إلا عبر مراسلات مباشرة من مكتب الإمام الأكبر، أو عبر الوفود التي يرسلها الإمام شيخ الأزهر".
تابع: "وأنا من هنا اقترح على الأزهر الشريف إرسال وفود إلى بعض الحواضر الشيعية لاستجلاء الأراء، وربما يكون ذلك أكثر نجاعة، من تصريح أطلق في وسائل الإعلام، مما يترتب عليه عدم تلقي الرد المباشر مثلما لو كانت الدعوة عبارة عن رسالة مكتوبة محددة التفاصيل، وخطية من الشيخ الأكبر لبعض الزعامات الشيعية".
إدارة الاختلاف بين المسلمين
الصحافي اللبناني، رئيس تحرير موقع جنوبية، علي الأمين، قال: "لا شك أن دعوة الإمام الأكبر أحمد الطيب للحوار بين السنة والشيعة، تنطلق من حس وحدوي عميق، وتأتي من باب إدارة الاختلاف بين المسلمين والذهاب إلى الوحدة بمفهومها العميق، وقد جاءت باعتبار ما يمثله الأزهر الشريف من مكانة في العالم الإسلامي، ولا شك في أن دعوة الإمام الأكبر مرحب بها من قبل المرجعيات الدينية على مختلف المذاهب الإسلامية".
تابع: "لا أرى اختلافات جوهرية في أصول الدين بين السنة والشيعة، لكن هناك اختلاف سياسي في المقام الأول، ناتج عن التدخلات الإيرانية في المنطقة، وأن هذا الانخراط الإيراني لا يعبر إلا عن مصالح الدولة الإيرانية، ولا يعبر عن مصالح الشيعة، ولا أيضًا صراع الأطراف المقابلة تعبر عن السنة، بل هي اختلافات سياسية يحاول البعض إدراجها تحت مبدأ الصراع المذهبي بين السنة والشيعة".
موضحًا أن هناك استثمارًا للخلاف المذهبي في منطقتنا؛ لتحقيق مصالح سياسية، وأنه يجب إرساء قاعدة أن الاعتراض على السياسات الإيرانية في المنطقة لا يعني بأي حال من الأحوال الاعتراض على الشيعة، لكنه اعتراض على السياسة الإيرانية، يضيف: "إيران تحاول طوال الوقت استغلال العصب الشيعي في تدعيم خياراتها ومصالحها ومكاسبها".
صراع سياسي في المقام الأول
وبعيد عن تفاعل الحواضر الشيعية من عدمه إزاء دعوة الإمام الأكبر للحوار، إلا أن التشابكات السياسية المُعقدة في المنطقة، عامل رئيس يضفي مزيدًا من الاحتقان على الوضع المذهبي، فضلًا عن استخدام الدول للأبعاد المذهبية، لتأجيج الصراع فيها؛ لتحقيق أهداف على الأرض.
وعليه فإنه على الرغم من أهمية الدعوة للحوار في حد ذاتها؛ كوسيلة للنقاش والتفاهم، إلا أن تفاصيل أخرى تكمن وراء الصراع والاضطرابات في المنطقة، ولا يمكن تحميل البعد المذهبي وحده المسؤولية كاملة، بل هو أداة تستخدم لإذكاء الفتن والصراعات من بعض القوى الإقليمية.
إن منطقة الشرق الأوسط تحتاج في المقام الأول إلى فتح نقاش سياسي جاد بين القوى الإقليمية، يتمخض عنه تسوية تحفظ للجميع مصالحه في المنطقة، مما قد يضفي على المنطقة الملتهبة شيء من الاستقرار.
- شيخ الأزهر
- الإمام الأكبر
- أحمد الطيب
- دعوة الإمام الأكبر
- الحواضر الشيعية
- مرجعية النجف
- السيد علي السيستاني
- مرجعية قم
- السيد علي خامنئي
- المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب
- المرشد الأعلى للثورة الإيرانية
- الشيخ حميد شهرياري
- مجمع التقريب
- آية الله البروجردي
- خ القمي
- شيوخ الأزهر
- السنة والشيعة
- الإمام الحسن العسكري
- الإمام جعفر الصادق
- الحوزة العلمية في قم
- مجلة رسالة الإسلام
- حوزة النجف الأشرف
- المرجع الأعلى السيد السيستاني
- محمود جابر
- عبد الكريم الوزان
- المرصد العراقي للحريات الصحفية
- هادي جلو مرعي
- موقع جنوبية
- علي الأمين