حوار| المخرج الفلسطيني رائد دزدار: السينمائيين الفلسطينيين استغلوا القضية واستفادوا منها
- رائد دزدار: أهتم بتوثيق تاريخ الرواد الفلسطينيين والتعريف بدورهم الكبير في الفن والثقافة العربية
- أرفض التطبيع والمال الإسرائيلي في السينما الفلسطينية
- وضع “لوجو” وزارة الثقافة الإسرائيلية على أعمال فلسطينية "سقطة أخلاقية وسياسية"
- كل حجر في "القدس" يصلح نقدم عنه عمل سينمائي لأنها شواهد لقصص لا تنضب بمرور الزمن تحكي عن تاريخ فلسطين
- فيلم "أميرة" خطأ لا يمكن تداركه ولأول مره أتقبل قرار بمنع عرض عمل فني
- قضية الأسرى الفلسطينيين مقدسة ولا يمكن تقديمها بمعزل عن مشاعر عائلاتهم
- السينما العربية خلال السنوات الأخيرة تتجاهل القضية الفلسطينية والمزاج العام للمؤسسات الرسمية يميل لهذا الاتجاه
- الشعوب العربية لا زالت مؤمنة بالقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في أراضيه
يعد المخرج السينمائي والباحث الفلسطيني المستقل "رائد دزدار"، أحد أبرز السينمائيين الفلسطينيين في العصر الحديث، إذ قدم دزدار العديد من الأعمال التي اهتمت بتاريخ فلسطين الشفوي ما جعله يغير مسار حياته المهنية.
بدأ دزدار عمله السينمائي كباحث في الأفلام الوثائقية ثم منتج ثم مخرج، ومن أبرز أعماله فيلم "السامريون على خطى موسى"، والفيلم الوثائقي "يافا أم الغريب" عام 2010، ثم الفيلم الوثائقي الشهير "هنا القدس" عام 2011، كما أخرج فيلم "الأخوين لاما" عام 2013، وتعتبر أفلام رائد دزدار الوثائقية وثائق حية عن التاريخ المجهول للشعب الفلسطيني، حيث حازت أفلامه العديد من الجوائز، وعُرضت في العديد من المهرجانات السينمائية حول العالم.
وفاز رائد دزدار بجائزة "غصن الزيتون الذهبي" لأفضل فيلم وثائقي طويل عن "فيلم يافا أم الغريب " وذلك في مهرجان القدس السينمائي الدولي، كما فاز فيلم "الأغوار - حراس الأرض" بالجائزة الأولى عن فئة الأفلام الوثائقية في مهرجان الإذاعة والتلفزيون بتونس الدورة الـ 21.
ومؤخرا حصل المخرج الفلسطيني رائد دزدار على تكريم من مهرجان الأردن الدولي للأفلام بدورته العاشرة، إذ تم تكريم دزدار على مجمل أعماله.
"الرئيس نيوز" التقى المخرج والباحث الفلسطيني رائد دزدار، وأجرى معه حوار خاص عن أبرز أعماله، كما تطرقنا للحديث عن السينما الفلسطينية بشكل خاص وأخر تطوراتها، وبعض السينمائيين الفلسطينيين الذين دعوا للتطبيع.
كما تحدثنا عن السينما العربية بشكل عام، وأسباب تجاهلها في السنوات الأخيرة للقضية الفلسطينية، ورأيه في منع عرض فيلم "أميرة" الذي طرح قضية الأسرى الفلسطينيين بشكل لا يتلائم مع قيمة وأهمية القضية، وتفاصيل آخرى كثيرة.
وإلى نص الحوار..
ما شعورك بالتكريم من مهرجان الأردن الدولي للأفلام.. وما سر غيابك عن حفل الافتتاح؟
سبب غيابي عن حفل الافتتاح يرجع لتأخري في الطريق البري من فلسطين إلى الأردن بسبب الحواجز الأمنية على الحدود والمعابر، وهي أزمة يعاني منها كل من يخرج أو يدخل إلى فلسطين، وحقيقة توجهت بالشكر لإدارة المهرجان لأنهم قرروا تكريمي في حفل الختام بدلا من الافتتاح.
أما عن شعوري خلال التكريم، فحقيقة كنت في غاية السعادة لأنني تم تكريمي في دولة شقيقة من وزارة الثقافة الأردنية واللجنة العليا للمهرجان، ولم أشعر أنني غريب في الأردن، وشعرت أن أعمالي وصلت أصدائها إلى الدول المجاورة، والتكريم يعطي دفعة للمبدعين ويثبت لهم أنهم يسيروا في الطريق الصحيح.
لماذا تختلف أعمالك السينمائية في المحتوى عما يقدمه سينمائيين آخرين من فلسطين؟
كوني فلسطيني وأعيش في فلسطين، فليس لزاما أن أقدم أفلام تتناول موضوعات سياسية بالدرجة الأولى، واخترت أن أقدم أفلام تتناول موضوعات تخص الشأن الفلسطيني وليس القضية الفلسطينية والنكبة والاحتلال بشكل سياسي بحت، وفضلت أكثر أن أتناول موضوعات مختلفة لم يتناولها أحد، مثل موضوعات الثقافة في فلسطين قبل نكبة 48.
هناك موضوعات كثيرة تستفزني وبها تحدي كبير، لأن الحصول على معلومات تخصها صعب جدا ويحتاج مجهود وبحث، ومنها مثلا الأدباء والمثقفين والرواد الفلسطينيين، فهؤلاء يستحقوا أن نلقي الضوء عليهم، لأن لهم دور كبير في الثقافة الفلسطينية والعربية، ولم يحصلوا على حقهم الكافي في التقدير، واعتبرهم ظلموا كثيرا، ويجب علينا إلقاء الضور عليهم، لأنهم لعبوا دور بارز في الثقافة العربية، خاصة بعد النكبة، عندما سافروا إلى بلدان أخرى، ومنهم موسيقيين وروائيين وصناع سينما، مثل بدر لاما وإبراهيم لاما في مجال السينما، وروحي الخماس في الموسيقى، وغيرهم الكثيرين، فهؤلاء رواد حقيقيين لا يعرف الكثير تاريخهم، وأعتبر التعريف بهم قضيتي، فأنا أهتم بالرواد الفلسطينيين، وأسعى لرصد تاريخهم ليس بنظرة تعصب ولا شيفونية، ولكن أكشف دورهم وتأثيرهم كعرب.
وماذا عن دور السينما في طرح القضية الفلسطينية؟
فلسطين مليئة بالموضوعات المختلفة، وأنا من سكان القدس ويجوز أن أقول لك (إن كل حجر في القدس يصلح نعمل عنه فيلم تسجيلي أو روائي)، كل حجر أو زاويه أو سور له حكاية وتاريخ عريق قديم، وهناك مئات بل ألاف القصص والحكايات يمكن تقديمها، وأي فنان يستلهم من هذه الأشياء موضوعات قوية، لأنها شواهد على تاريخ فلسطين وهي قصص وموضوعات لا تنضب بمرور الزمن.
بعد فترة شهدت بها السينما الفلسطينية طفرة تراجعت مره أخرى، فما الأسباب؟
المشكلة أن السينما الفلسطينية ليس لها بنية تحتية، هناك أعمال وسينمائيين ومنهم من أصبحوا معروفين، وكانت هناك فترة ازدهار حصلت خلالها السينما الفلسطينية على جوائز بمهرجانات دولية وعالمية، ولكن بصراحة لا يوجد أساس ولا أسس لصناعة سينما في فلسطين، هناك ممثلين وكوادر، ولكن لا يوجد بنية تحتية، وقبل نكبة 48 كان هناك إرهاصات لحراك سينمائي، لكن النكبة دمرت كل شيء، وبعد النكبة وتحديدا بعد 67 ظهرت سينما الثورة، وتشكلت جماعة السينما الفلسطينية، وظهرت أفلام القضية الفلسطينية التي كانت عبارة عن تعبئة وتحريض ضد الاحتلال وتعريف للعالم بالقضية، وفي الثمانينات ظهرت السينما الفلسطينية الحديثة، بعدها ظهر نجاح محدود للسينما الفلسطينية بعدة مهرجانات، ولكن إحقاقا للحق كثير من الجوائز اللي حصلت عليها السينما الفلسطينية، كانت لمجرد التعاطف وموضوعات الأفلام، وأعتبرها جوائز تكريمية أكثر منها إبداعية، وللأسف يمكننا أن نقول بصراحة (القضية الفلسطينية خدمت السينمائيين الفلسطينيين أكثر مما خدموها)، فهناك كثير من السينمائيين استغلوا القضية لتحقيق مكاسب خاصة.
ولكن بعض السينمائيين الفلسطينيين حصلوا على جوائز بمهرجانات عالمية؟
يجوز في فترة التسعينات وبداية الألفينات، ظهر عدد من السينمائيين أخذوا شهرة عالمية، وفازوا بجوائز، ولكن للأسف كما قلت، لا يوجد أساس للسينما الفلسطينية، ويجب أم يكون هناك مؤسسة تدعم السينما وتجمع الخبرات والمواهب لتكوين أرضية صلبة، ليصبح موجود سينما حقيقية تنافس على قلوب الناس وليس الجوائز فقط، وأنا شخصيا عندما أقدك فيلم يهمني أن يصل للناس قبل الحصول على جوائز، فالهدف الأساسي هو الجمهور الفلسطيني ثم العربي ثم العالمي، ويجب أن يعرف العالم الكثير عن ثقافتنا وتاريخنا وحضارتنا، خاصة أن الشعب الفلسطيني ساهم في الحضارات والثقافات العالمية وليس العربية فقط، وكان الشعب الفلسطيني له دور كبير، واسعى دائما لإظهار الجانب المشرق للشعب الفلسطيني، ولا اسعى لإظهاره ضحية، وأحاول دائما أن نعطي صورة جميلة عن شعبنا وتاريحنا.
بعض المخرجين الفلسطينيين دعموا فكرة التطبيع مؤخرا بأعمالهم.. ما تعقيبك؟
لن أتحدث عن شخص معين، ولكن بشكل عام هناك أعمال لا يجوز أن تقدم، لأننا منذ سنين طويلة في صراع مع الكيان الصهيوني، وهو ليس صراع على الأرض والحدود فقط، ولكنه صراع فكري وحضاري، صراع تاريخي على الهوية، وأنا ضد التطبيع بالمطلق، خاصة التطبيع الثقافي والفني، وأرفض أي عمل يساهم فيه منتج إسرائيلي أو مؤسسة إسرائيلية أو مال إسرائيلي، فلا يمكن أن “لوجو” لوزارة الثقافة الإسرائيلية أو بلدية الاحتلال، على فيلم لمخرج فلسطيني، ولا أتخيل أن فلسطيني يؤمن بقضية وطنه يفعل ذلك، وهناك إشكالية في التمويل تجعل البعض يضطر للحصول على تمويل من صناديق إسرائيلية، ولكن كأفلام ومشروع ثقافي فلسطيني أرفض ذلك، لأنه مال مسموم، وعندما تضع شعار لأي مؤسسة إسرائيلية على فيلم فلسطيني أو عربي فهي سقطة أخلاقية ومهنية وسياسية.
أزمة فيلم “أميرة”
ما تعقيبك على أزمة فيلم "أميرة" الذي طرح قضية الأسرى الفلسطينيين؟
قضية الأسرى الفلسطينيين قضية مقدسة لدى الشعب الفلسطيني، وتقدر أعداد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال منذ عام 67 بحوالي مليون أسير، وحاليا هناك مئات الألاف، كل عائلة فلسطينية لها على الأقل أسير يعاني في سجون الاحتلال، وهي قضية كل فلسطيني، ويجب على أي مخرج أو كاتب أو مبدع أو روائي عندما يطرح قضية الأسرى الفلسطينيين، أن يكون ملم بالتفاصيل ويتناولها بما يرضي أسر وعائلات الأسري ويحافظ على مشاعرهم ويحصل على رأي هيئة الأسرى، لأنها قضية حساسة جدا وتمس كل فلسطيني وعربي، وحقيقة فيلم "أميرة" به خطأ كبير يصعب تداركه، وما أعرفه أن أسر وعائلات الأسرى سمعوا الفكرة ورفضوها قبل التنفيذ، ولكن صناع الفيلم تجاهلوا كل ذلك وقدموه بمعالجة لا تنتصر لقضية الأسرى ولكن تضرها، وحقيقة الفيلم يسيئ للأسرى وصناعه لم يستجيبوا لأي تعديلات في السيناريو، وهو ما أثار الأزمة حول الفيلم وصناعه وأبطاله، وتسبب ذلك في منع عرضه.
هل توافق على عملية المنع لأي عمل فني؟
أنا ضد منع أي عمل فني، ولكن أؤيد منع عرض فيلم "أميرة" لأن موضوع الفيلم يخص أناس يتعرضوا لظروف قاسيه، ويمس خصوصيتهم وكان يجب على صناع الفيلم احترام ذلك وعدم تقديم هذه المعالجة.
لماذا يرى البعض أن السينما العربية أصبحت مقصرة في حق القضية الفلسطينية؟
للأسف الواقع العربي المتردي خاصة أخر 20 عام، جعل مجمل القضايا القومية العربية وخاصة قضية فلسطين ( قضية العرب المركزية) في تراجع على المستوى القومي بسبب التشتت السياسي، وللأسف المؤسسات الرسمية في الدول العربية أصبحت تتجاهل القضية الفلسطينية ولا تهتم بها، وأصبح هناك أولويات أخرى لديهم، وهناك عامل تمزيق بحدث في الوطن العربي خاصة بعد الربيع العربي، وأصبح هناك اختلافات في وجهات النظر بين الدول العربية وتشتت في التوجهات والرؤى السياسية، وهذا انعكس على السينما والقضايا التي تطرحها وأصبح المنتجين أنفسهم يبتعدوا عن القضايا السياسية والعربية والقومية المهمة، وللأسف لم يعد هناك اجماع على قضية عربية واحدة، وستجد مثلا الفضائيات العربية نفسها تبحث عن موضوعات خفيفة ليس لها علاقة بالقضايا القومية، وهذا ظلم القضية الفلسطينية بشكل كبير، وإذا رجعت بالزمن قبل 20 عاما ستجد أننا كنا نشاهد طرح للقضية الفلسطينية حتي في الأعمال الكوميدية، وأتصور أن الشعوب العربية مجمعة على حق الشعب الفلسطيني ومؤمنة بقضيته، ولكن المزاج العام للأنظمة الحاكمة والمؤسسات الرسمية لا يميل لهذا الاتجاه، وأصبحت المؤسسات الرسمية ليست معنية بطرح هذه القضية.
ما الجديد الذي تجهزه في المرحلة الحالية ؟
حاليا أجهز فيلم عن السينما الفلسطينية القديمة، خاصة هناك معلومات كثيرة غائبة ومعلومات أخرى مغلوطة تحتاج تصحيح، وعندما قدمت فيلم "الأخوين لاما" سلطت الضوء على ما قدموه قبل نكبة 48، وهم منتجين فلسطينيين قبل النكبة وبعد النكبة، وفي الفيلم الجديد أحكي عن دور المنتجين والمخرجين الفلسطينيين ودورهم المهم في السينما العربية والمصرية بالذات، ومنهم على سبيل المثال شركة "تلحمي إخوان" وهما من بيت لحم، وكان لديهم شركة سياحة وسفر بين فلسطين ومصر، بعدها دخلوا عالم توزيع الأفلام في فلسطين في أواخر العشرينات، وامتلكوا حقوق التوزيع للشركات العالمية الكبيرة، وبعدها خاضوا تجربة الإنتاج السينمائي في مصر، ومن أعمالهم "انتصار الشباب" إنتاج جبرائيل وميشيل تلحمي وهو من أهم الأفلام المصرية في فترة انتاجه، وقام ببطولته فريد الأطرش وأسمهان، ويعتبر أول فيلم غنائي عربي، ومن إخراج أحمد بدرخان، وقد أقاموا افتتاح للفيلم في فلسطين بحضور أسمهان التي زارد القدس وبيت لحم آنذاك، كما قدموا أيضا فيلم "أحلام الشباب"، وتوسعت أعمالهم وإنتاجاتهم، حتى بعد النكبة كان لهم دور كبير وانتجوا فيلم "باب الحديد" و"صراع في النيل"، وهما منتجين فلسطينيين، وللأسف هذه المعلومات غائبة عن الأغلبية، ودوري هو تعريف الناس بهم وتوثيق تاريخهم لأنهم لم يحصلوا على التقدير في حياتهم.