د. حسام فاروق يكتب: الشارقة واللغة العربية
إذا ذُكرت إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة فأمر طبيعي أن تذُكر اللغة العربية والثقافة والكتاب وإذا ذُكر الأخير فلابد أن نذكر معرض الكتاب في الشارقة، ثالث أكبر معارض الكتاب في العالم، والأول على مستوى حقوق النشر، وإذا ذُكر كل ما سبق فأمر طبيعي أن يذكر الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية المتحدة، فهو رجل مولع بالثقافة والعلم والكتاب و وضعهم على قائمة أولوياته منذ نصف قرن من الزمان وإلى الآن.
حاكم الشارقة أكسب إدارته طابع خاص في الحفاظ على اللغة العربية
جهود استثنائية بذلها ويبذلها دائما شيخ الثقافة حاكم الشارقة، في حقل المعرفة واللغة العربية، حتى أكسب إمارته طابعا خاصا وشخصية تميزها ليس بين الإمارات السبع فحسب، ولكن بين سائر البلدان العربية، فعلى سبيل المثال قبل أيام قليلة وفي حفل افتتاح الدورة رقم ٤١ من معرض الشارقة الدولي للكتاب المنعقدة حاليا، أعلن حاكم الشارقة عن مفاجأة عظيمة لعشاق اللغة العربية، تمثلت في إنجاز ١٩ مجلد جديد من مشروع "المجمع التاريخي للغة العربية"، الذي يؤرخ ل 17 قرنًا من تاريخ مفردات لغة الضاد، وكان حاكم الشارقة قد أعلن في العام الماضي وفي نفس التوقيت ونفس المناسبة عن إنجاز المجلدات ال ١٧ الأولى منه للستة أحرف الأولى من اللغة العربية، والتي تضمّنت ما يزيد على 2000 جذر لغوي، نتيجة عمل دام عامين قبل ظهور المشروع للنور.
إنجاز ١٩ مجلد من مشروع “المجمع التاريخي للغة العربية” مفاجأة عظيمة
وفي هذه الدورة من معرض الكتاب كانت المفاجأة الثانية، حيث لم يمض وقت طويل ليكون جمهور اللغة العربية أمام تكملة للمعجم، فقط عام واحد أثمرت عن 19 مجلّدًا جديدًا تشتمل على أكثر من 4200 جذر من لغة الضاد، وهذا يدل على أن هناك تخطيط وتنفيذ متابعة، واهتمام غير عادي بالمشروع و عدم النظر إليه مجرد حدث ثقافي عادي، المسألة ببساطة يمكن تفسيرها على أن الشارقة تتعامل مع الثقافة بمفهومها الأشمل على أنها هدف قومي في حد ذاتها.
تصدرت الشارقة بهذا المعجم التاريخي للغة العربية المشهد الثقافي العربي، لأنها كانت حريصة على إنجازه في وقت قياسي، حيث تكفل الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة، بإخراج المشروع في موعده مهما كلّف من ذلك من جهد ومال.
ما يميّز المعجم التاريخي للغة العربية عن غيره من المعاجم، أنه يمثّل عودة العرب إلى صدارتهم العلميّة والمعرفيّة في الصناعة المعجميّة، بوصفهم مؤسّسي المنهج العلمي الرائد في علم المعاجم، والذي استفادت منه أمم العالم وحضاراته المتقدمة، فبإمكاننا القول أن هذا المعجم مشروع عربي بامتياز يتوّج دور العرب في الإنتاج الثقافي والمعرفي.
ويحسب أيضا للجهود التي سبقت إخراج هذا المعجم، أنها جمعت مجامع اللغة العربية في تعاون أشبه بمشروع وحدة ثقافية عربية، تحت مظلّة واحدة في إمارة الشارقة.
وعلى صعيد التكنيك وحرفية العمل، فقد تفوق المعجم على نظرائه من المعاجم اللغوية التاريخية العالمية، كونه قام على منهجية خاصة بجمع النصوص الحيّة اعتمدت على التصن الجغرافي، فشمل مختلف مناطق استعمال اللغة العربية، عن طريق مدونة إلكترونية، ثمّ رصد المادّة اللغوية المتعلّقة بالجذر في آلاف الوثائق، والبحث في دلالات النصوص، ثمّ ردّ كلّ دلالة إلى عصرها، والتي يعود بعضها إلى عصر ما قبل الإسلام، حتى عصرنا الحاضر كما أبرز المعجم ألفاظًا في العربية تعود في تاريخها إلى لغات موغلة في القدم، مثل الحضارة الفينيقية القديمة، ومع ذلك فقد أمدّتها اللغة العربية بميزة البقاء، حتّى إنّها تستخدم في لهجات عربية عامية بنفس أصول دلالاتها القديمة، وهو ما يبرز قيمة المعجم التاريخي في حفظ التراث اللغوي العربي ومعرفة جذوره وامتداداته في حضارات الأمم الأخرى.
مما لا شك فيه أنّ مشروع المعجم التاريخي للغة العربية سيسهم في رفع رصيد اللغة العربية على الشبكة العنكبوتية، وسيضعها في مكانة متقدمة على منصات البحث العالمية، في وقت غدت فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي مسهمًا بارزًا في تحديد الألفاظ التي تحتويها لغات العالم عليها.
الكتاب جوهر المعرفة
حينما تسير بين أروقة معرض الشارقة الدولي للكتاب، تستشعر وكأنك تسير في قلب مشروع الإمارة الكبير فالشارقة تهتم بمعرضها وتوليه العناية الفائقة، لما له من مكانة لدى حاكم الشارقة لأنه يعلم أن الكتاب جوهر الثقافة والمعرفة، وأحد أهم دعائم بناء الإنسان، وفي كل دورة للمعرض هناك الجديد الذي يقدم لعشاق الكتاب تحت عناوين كثيرة "بالبنط العريض" منذ العنوان الأول الذي حمل "الكتاب للجميع" بقصد بناء مجتمع قارئ متحضر، يؤدي دوره ورسالته على أحسن وجه، حتى وصلنا إلى مفاجأة العامين الأخيرين وهي المعجم التاريخي للغة العربية،الذي يعد بمثابة سجلُ لأمة هذه اللغة وتاريخها وديوان أشعارها وأخبارها وأمثالها ابتداءً من عصر النقوش القديمة ومرورًا بجميع أعصر العرب التاريخية، وصولًا إلى العصر الحديث.