الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
سياسة

د. حسام فاروق يكتب: خدعوك فقالوا «إعلام مستقل»

د. حسام فاروق
د. حسام فاروق

مصطلح إعلام مستقل، يبدو مستفزا، في كثير من الأحيان، خاصة حين يطلق على عواهنه دون تحفظ، فعلى سبيل الاستفسار: مستقل عمن؟، وبالقياس إلى ماذا؟ وعلى أي أساس؟ ولأية غاية؟ وهل من المفترض أن يكون الإعلام مستقلًا؟ وإن كان كذلك، ففي أي جانب وعلى أي مستوى بالتحديد ينبغي أن تظهر تلك الاستقلالية المنشودة؟.

على الرغم من دخولنا بوضوح عصر عولمة الإعلام، وثبوت خطأ الكثير من المصطلحات المرتبطة به والتي تم الترويج لها على مدار عقود على أنها صحيحة ومفعلة؛ فمن وقت لآخر نسمع مصطلح "الإعلام المستقل"، والذي في رأيي لا يختلف في استخدامه كثيرا عن مصطلح “الديمقراطية” حين الحديث عنها خارج السياق وظروف المكان والزمان، فالواقع يؤكد أنه لا وجود لما يسمى "إعلام مستقل" لا في الدول التي تصنف نفسها متقدمة وليبرالية ولا في الدول الفقيرة التي ينظر لها على أنها "متخلفة"، فأولئك المنبهرون بالديمقراطية الغربية ويروجون دائما إلى أن وسائل الإعلام الغربية مفتوحة للجميع وتعرض الرأي والرأي الآخر وكل وأي شخص بإمكانه أن يقول ما يشاء، هم واهمون بامتياز، فالإعلام الغربي وإن أبدى ظاهريا حرية شكلية متفق عليها يخضع لقيود ورقابة قد تتجاوز بكثير ما يتم الحديث عنه في عالمنا العربي، وهو في معظم الأحوال أكثر انغلاقا وتعصبا من أي إعلام آخر، وهناك وسائل إعلام عربية أكثر حرية واستقلالية من نظيرتها الغربية الشهيرة التي ترفع شعار الإعلام المستقل وتتباهى به!!.

الواقع يؤكد أنه لا وجود لما يسمى "إعلام مستقل" لا في الدول التي تصنف نفسها متقدمة وليبرالية ولا في الدول الفقيرة 

 فعلى سبيل المثال  معظم وسائل الإعلام الأمريكية مملوكة لعائلات بعينها أو لشركات كبرى وأصحاب نفوذ ومصالح وهذه الجهات المالكة لها مصالحها وأهدافها ومخططاتها وتوجهاتها التي تنعكس بالتأكيد على تلك الوسائل ومضامينها.

من جانب آخر فالإعلام الأمريكي الذي يدعي الاستقلالية هوم في الواقع  يعمل وفق محددات "المسموح وغير المسموح"، ويمنح مصطلح الحرية الإعلامية بعدا واحدا يتحرك فيه كما يشاء دون الخروج عنه  فلا تندهش مثلا لو وجدت تشابها كبيرا في صياغة أخبار النشرات في عدد من القنوات الأمريكية، كما لو كان رئيس تحريرها جميعا شخص واحد!، ولا تندهش أيضا عندما تجد الإعلام الأمريكي، سواء كان محافظا أو يساريا، ينصهر في شيء واحد عندما يتعلق الأمر بموقف الولايات المتحدة من دولة أخرى، فالإعلام الآن أصبح أداة تحكم وتوجيه وتعبئة سياسية أو بالأحرى جزء لا يتجزأ من اللعبة السياسية والاقتصادية والتجارية.

في الحالة المصرية مثلا لاحظنا في 2013 كيف انبرى بعض الإعلام الأمريكي والبريطاني - الذي يتشدق بالاستقلالية -  للدفاع عن جماعة الإخوان الإرهابية وتناول ما حدث في بلادنا بانحياز واضح وفج للجماعة الإرهابية، لا لشيء غير أن أهداف السياسات الأمريكية والبريطانية وقتذاك كانت متوافقة مع الإخوان باعتبار الأخيرة ترس في مخطط كبير دبر للمنطقة العربية، لكن الله حفظ بلادنا من هذا المخطط ومن إعلامهم " المستقل"، فالاستقلالية تنتفي بمجرد وقوع الإعلام تحت سيطرة جماعة ما أو هدف سياسي معين.

وسائل الإعلام ما هي إلا أداة في أيدي القوى التي تمتلكها

لم تنج وسائل الإعلام في العالم - حتى لو بدت ظاهريًا منفتحة - من تأثيرات حزبية واستقطاب، وبالتالي فهي ليست مستقلة بل ومحكومة بسياسات وتوجهات الحزب أو التجمع أو الجماعة المسيطرة وتسير حسب عقائد وأصول وخطط صارمة وقيود قاسية، بعبارة أخرى وسائل الإعلام ما هي إلا أداة في أيدي القوى التي تمتلكها.

يصعب في زماننا هذا الحديث عن الإعلام بمعزل عن منظومة المال السياسي الذي يعد العماد الأول والأقوى والأبرز في قطاعي الإعلام والدعاية عالميا، ومن ثم وجدنا دول وجهات استثمرت في الإعلام والدعاية  فعلى سبيل المثال خلال السنوات الماضية دشنت مواقع إلكترونية وصحف وشبكات تليفزيونية تحوّلت تدريجيًا إلى أبواق دعائية لسياسات مالكيها والهدف كان دائما نشر الأخبار الكاذبة عن الخصوم السياسيين، ومحاولة احتكار التكنولوجيا وتطويع منصات وسائل التواصل الاجتماعي أو خرقها بما يتناسب مع سياساتها لخلق حالة استقطاب.. إنها حرب معلومات بكل ما تحمله الكلمة من معان.

هناك إعلام يحاول أن يكون منضبطا ولكن يضيع في أول صدام مع رأس المال

لا ننكر أن هناك إعلام يجتهد للحفاظ على نسبة معينة من الانحياز تقل في فجاجتها من نظيراتها، وهذا الذي يطلق عليه إنه يحاول أن يكون منضبطا، ويحقق بعض الاستقلال النسبي، لكن اجتهاده هذا يضيع في أول صدام مع مصالح الملاك وأصحاب المال والسياسة.

الالتزام بالمهنية الإعلامية والتي تعد الاستقلالية أحد سماتها، بات معضلة كبيرة ومشكلة حقيقية يعانى منها الإعلام بوجه عام، ومسألة طرح إعلام مستقل في هذا العالم، أصبح أمرا افتراضيا لا علاقة له بالواقع، لأن القاعدة تقول أن الاستقلالية مسألة نسبية للغاية، ومن المنطقي وسط طوفان وسائل الإعلام، أن تحمل المؤسسات الإعلامية أهداف هذه الجهة أو تلك وتسعى لتحقيقها والدفاع عن مصالحها، فتتبني أفكارها وتدعم وجهة نظرها، فالدول القومية على سبيل المثال ترى أن الإعلام شريك في الحفاظ على الدولة ومن ثم مناط به تبني سياساتها في مواجهة أي محاولات من قبل الخصوم لصناعة  الفوضى بمفهومها المادي والمعنوي وفي رأيي أن هذا حق للدولة في ظل مواجهتها لتحديات وظروف استثنائية، ووجهة النظر هذه تدعمها نظرية "إعلام الدولة"  وفي المقابل هناك جماعات تدعو للفوضى وتستغل منصات إعلامية للترويج لمخططها وتصف نفسها بأنها تقدم "إعلاما مستقلا"!، وترى أن من حقها استخدام الإعلام لتحقيق هدفها السياسي، حتى ولو كان الدعوة  للعمالة والخيانة والترويج للعنف والقتل تحت عنوان مغلوط اسمه "معارضة" وهذا العنوان أيضا انتهك حتى أبعد الحدود!.

الدعوة  للعمالة والخيانة والترويج للعنف والقتل تحت عنوان مغلوط اسمه "معارضة" وهذا العنوان أيضا انتهك حتى أبعد الحدود

تبقى مسألة تقييم الإعلام وتحديد نسبة الاستقلالية فيه إلى وعي المتلقي  وقراءته الجيدة  للواقع وللتحديات ولظروف بلاده وقدرته على التفريق بين الحقائق والشائعات. 
أخيرا وحتى لا ننسى: ستظل السياسة مجال خصب للإعلام، والخطاب السياسي يبقى مجردًا ومحصورًا ومحدد الأثر، ما لم يخضع لعملية تلجأ لوسيط، ومن ثم تصبح مسألة تجريد هذا  الوسيط من الهدف أمر شبه مستحيل.