«كارثة الطاقة».. أوروبا قد تواجه شتاء قاسيا بفعل نقص إمدادات الغاز الروسي
تحتاج أوروبا إلى تكاليف إضافية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، وإلى التضرع إلى الله ليكون فصل الشتاء معتدلا وإلى تقليل الطلب على الطاقة لأن أي تخريب للبنية التحتية الخاصة بها أو حتى حدوث خفض أكبر للإمدادات الروسية سيجعل تحديد حصص للكهرباء أو انقطاع التيار الكهربائي أمرا لا مفر منه.
وحتى إذا تسنى لأوروبا توفير الدفء والكهرباء اللازمة هذا الشتاء فإنها ستواجه تحديا أكبر بكثير لإعادة ملء الخزانات المستنفدة للعام المقبل تحقيقا لهدف الاتحاد الأوروبي بخصوص الحفاظ على توفير مخزونات بنسبة 80 بالمئة من القدرة الاستيعابية بحلول نوفمبر تشرين الثاني هذا العام.
فقد تجاوزت هذا الهدف ويمثل التخزين البالغ نحو 90 حاليا حماية، لكن توقف إمدادات الغاز عبر شبكة نورد ستريم من روسيا إلى ألمانيا يترك فجوة رغم زيادة الإمدادات من أماكن أخرى.
فقد خفضت روسيا تدريجيا تدفقات الغاز عبر نورد ستريم وأيضا عبر طرق أخرى بعد فرض عقوبات غربية عليها بسبب حرب أوكرانيا التي بدأت في فبراير شباط. وتوقف الغاز عبر نورد ستريم تماما في سبتمبر أيلول.
ويقدر محللون نقص الغاز بنحو 15 بالمئة عن متوسط الطلب الأوروبي في الشتاء، مما يعني أنه يتعين على القارة خفض الاستهلاك لتجاوز ذروة الطلب في موسم التدفئة.
وقال جونيت كازوك أوغلو، مدير اقتصاديات الطاقة في شركة (إف جي إي) “سيظل الوضع هشا للغاية”، بحسب ما نقلته رويترز.
وأضاف أن “استهلاك الغاز المنزلي في ألمانيا قفز في نهاية سبتمبر إلى أعلى مستوى منذ مارس بسبب موجة البرد، وكان الطلب أعلى بنحو 14 بالمئة عن متوسط أربع سنوات 2018-2022. وهذا يشكل تهديدا”.
وألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا وأحد أكبر مستوردي الغاز الروسي في القارة، هي الأكثر عرضة لاضطراب الإمدادات وتنشط بشكل خاص في وضع خطط لحماية صناعاتها ومستهلكيها.
وتلاشى أي أمل في استئناف الشحن عبر شبكة نورد ستريم إلى ألمانيا الشهر الماضي بسبب ما يشتبه أنه تخريب.
وقالت الدول الأوروبية إنها تعمل على زيادة أمن البنية التحتية الحيوية بعد أن أضرت انفجارات بخطي نورد ستريم 1 وأيضا نورد ستريم 2، الذي لم يعمل بعد لكنه كان مليئا بالغاز استعدادا لتشغيله.
وربما يتفاقم الانقطاع الروسي لو نفذت موسكو تهديدها بفرض عقوبات على شركة الطاقة الأوكرانية نافتوجاز، بإغلاق أحد آخر خطوط الغاز الروسية العاملة إلى أوروبا.
تنافس عالمي
تعمل أوروبا على زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال وتوسيع البنية التحتية اللازمة، لكن يتعين عليها التنافس في السوق العالمية حيث يمكن أن تصبح المنافسة أكثر شراسة إذا زادت ظاهرة الطقس المعروفة باسم (النينا) وارتفع الطلب الآسيوي عليه.
وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار. فنظرا لأن أوروبا تمكنت من تكوين مخزونات، انخفضت الأسعار من الذروة التي بلغتها في الوقت الذي غزت فيه روسيا أوكرانيا، غير أن سعر الجملة للغاز الهولندي، وهو المعيار الأوروبي، لا يزال أعلى بنحو 80 بالمئة مما كان عليه في مثل هذا الوقت العام الماضي.
وقال واين بريان، رئيس أبحاث الغاز الأوروبية في رفينيتيف، “ساعد الغاز الطبيعي المسال الإضافي وتراجع الطلب حتى الآن هذا العام”، لكنه أضاف “أوروبا بحاجة إلى المزيد من ذات العلاج”.
وحتى مع ذلك، فمن غير المرجح أن يعوض ذلك الغاز الروسي.
وتقدر رفينيتيف أن شمال غرب أوروبا، بما في ذلك ألمانيا، قد يستورد 18 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال هذا الشتاء، مما يرفع الواردات إلى 52 مليار متر مكعب هذا العام، أي بزيادة 5.5 بالمئة عن العام الماضي.
كما زادت إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب من أذربيجان وشمال أفريقيا والنرويج، لكنها لا تزال أقل بكثير من تلك التي كان مصدر الغاز الرئيسي السابق يوفرها.
وقال بنك أوف أمريكا إن الطاقة الإجمالية لخطي أنابيب نورد ستريم معا تبلغ 110 مليارات متر مكعب سنويا، وهي ستغطي أكثر من 30 بالمئة من إجمالي الطلب الأوروبي على الغاز إذا عملت بكامل طاقتها.
ويقول محللو برنشتاين إن روسيا تقدم في الوقت الحالي 86 مليون متر مكعب يوميا إلى شمال غرب أوروبا عبر بولندا وأوكرانيا، مقارنة بمتوسط 360 مليون متر مكعب يوميا العام الماضي، بانخفاض 76 بالمئة.
وتختلف تقديرات المحللين. فلو استمرت الإمدادات عند المستويات الحالية، فستواجه أوروبا نقصا قدره 155 مليون متر مكعب في اليوم، بحسب أرقام برنشتاين، بناء على متوسط الطلب اليومي في شمال غرب أوروبا من سبتمبر أيلول إلى مارس آذار بين 2017 و2021 البالغ 930 مليون متر مكعب.
ووافقت دول الاتحاد الأوروبي على خفض الطلب بنسبة تصل إلى 15 بالمئة أو ما مجموعه 50 مليار متر مكعب هذا الشتاء.
وإذا حققوا ذلك، يجب أن تنتهي مستويات التخزين في فصل الشتاء عند حوالي 55 مليار متر مكعب. وستكون إعادة ملئها في الوقت المناسب لفصل الشتاء التالي أمرا معقدا بسبب غياب الإمدادات الروسية التي كانت أوروبا لا تزال تتلقاها في وقت سابق من هذا العام.
وهناك خطر يتمثل في أنه مع تضاؤل إمدادات الطاقة فإن الطلب عليها لن ينخفض بدرجة كافية.
وانخفض الطلب الأوروبي على الغاز الصناعي حيث أدت أسعار الغاز المرتفعة إلى توقف إنتاج المصانع في القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الألومنيوم والصلب والأمونيا.
لكن الوكالة الألمانية الاتحادية للشبكات، التي ستكون مسؤولة عن تقنين الغاز في حالة الطوارئ، قالت إن الاستهلاك المنزلي مرتفع للغاية بحيث لا يمكن استدامته.
ثمة قضية أخرى هي أن المحطات النووية القديمة وصعوبات تبريد المفاعلات أثناء الجفاف في فصل الصيف قللت من إنتاج الطاقة الذرية الفرنسية.
وتقدر رفينيتيف أن الطلب الناتج عن استخدام الغاز من أجل الكهرباء في المحطات قد يكون أعلى بنسبة 30 بالمئة هذا العام عن العام الماضي.
وحذرت بريطانيا، التي يمكنها استيراد الطاقة من أوروبا، من انقطاع التيار الكهربائي هذا الشتاء بسبب النقص في أوروبا.
ولا يمكن أن يصبح وضع إمدادات الطاقة أفضل قبل العديد من فصول الشتاء القادمة.
وقدر فرانسيسكو بلانش، المحلل في بنك أوف أمريكا، أن عودة أسعار الغاز في أوروبا لطبيعتها قد تستغرق من خمس إلى عشر سنوات.
وقال “على أوروبا أن تستمر في دفع ثمن الغاز والدعاء من أجل طقس أكثر دفئا”.