لماذا رفضت السعودية مناشدات بايدن بضخ المزيد من النفط؟
تسبب قرار أوبك + الصادر الأربعاء الماضي، بخفض إنتاج النفط في الكثير من الذعر في واشنطن، ونتيجة للقرار، وفقًا لشبكة سي إن إن الإخبارية، يحرض بعض أعضاء مجلسي الكونجرس والنواب من الديمقراطيين على سحب جميع القوات الأمريكية من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، زاعمين أن قرار أوبك "عمل عدائي ضد الولايات المتحدة وإشارة واضحة إلى أن الرياض وأبو ظبي قد اختارتا الوقوف إلى جانب روسيا في الحرب ضد أوكرانيا"، وهذا على الرغم من انفتاح الرئيس جو بايدن على كلا البلدين في الأشهر الأخيرة.
ويعتقد جيسون دي جرينبلات مبعوث البيت الأبيض للشرق الأوسط في إدارة ترامب، أن ما يحدث لأوكرانيا أمر فظيع، كما أن ارتفاع أسعار للبنزين أمر غير محبب لأي أمريكي خاصة وسط التضخم الجامح الذي تمر به الولايات المتحدة ولكن اتهامات بعض المشرعين مخادعة وغير نزيهة ومسيسة إلى حد كبير.
ووفقًا لجرينبلات، في حين أن قرار أوبك + يضر بالولايات المتحدة، لا يمكن تجاهل حقيقة أن هذه الدول لها مصالحها واستراتيجياتها الوطنية إذ تمتلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرهما خططًا ضخمة لتغيير مسارات المستقبل وتتميز خططهما بمدى مذهل ومكلف للغاية وليس للأمريكيين الحق في مطالبة أحد بتجاهل خططهم وبيع أصولهم القيمة لأمريكا بأسعار مخفضة وبالمثل، فإن المجادلة، كما جادل السناتور ديك دوربين، بأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة يمكن تصورها "بدون التحالف السعودي" غير واقعية وضارة بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط.
أصيب بايدن بخيبة أمل من قرار أوبك + "بينما يتعامل الاقتصاد العالمي مع التأثير السلبي المستمر لغزو أوكرانيا، وفقًا لبيان صادر عن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان وبريان ديس، وافترض تحليل سي إن إن أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرهما يمكن أن يقلبوا الطاولة على كافة تصريحات بايدن ومعاونيه في ثانية ومما لا شك فيه أن المملكة والإمارات وغيرهما يشعران بخيبة أمل، أو على الأرجح، غاضبين، من محاولات بايدن الحثيثة لتوقيع صفقة ضعيفة وخطيرة مع إيران، وهنا اختلطت كافة الأوراق السياسية والاقتصادية واختلطت أوراق النفط بأوراق الاتفاق النووي.
وخفف بايدن تعليقاته العلنية، في تناقض حاد مع ما يدعو إليه بعض زملائه الديمقراطيين بفكرتهم المقلقة ومطالبتهم سحب جميع القوات الأمريكية والمعدات العسكرية من المملكة والإمارات العربية المتحدة مع أن القيام بذلك سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وسيؤدي بلا شك إلى نتائج عكسية على الولايات المتحدة في حين أنه من الصحيح أن الرياض وأبو ظبي تقدران كل ما تفعله أمريكا لمساعدتهما، فإن علاقة واشنطن مع البلدان العربية يجب التعامل معها على أنها طريق ذي اتجاهين؛ أي أن الولايات المتحدة تستفيد بشكل كبير من وجود قواتها ومعداتها هناك.
وقال بايدن أيضا "نحن نبحث عن بدائل" للنفط من دول أوبك + وهذا أمر منطقي طالما أنه لا ينطوي على إبرام صفقات مع أو تخفيف العقوبات على إيران أو فنزويلا، وفقًا لجرينبلات، وبدلًا من ذلك، يجب أن يركز جو بايدن مرة أخرى على زيادة إنتاج الطاقة وضخ النفط الأمريكي.
وطالب المسؤول الأمريكي السابق الأمريكيين باستيعاب المعطيات الجديدة، قائلًا: "لقد حان الوقت لكي ندرك أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرهما في تلك المنطقة أقوياء، في حالة تحرك وليست دولًا تابعة للولايات المتحدة، لقد حان الوقت أيضًا لكي ندرك أن العالم يديره الواقع والتطبيق العملي، ونأمل أن نعمل جنبًا إلى جنب مع الأهداف النبيلة ولا يزال بإمكاننا أن نكون أمة عظيمة وأن نجعل العالم مكانًا أفضل بينما نتعايش مع هذه الحقائق".
واتهمت الولايات المتحدة المملكة العربية السعودية بالانحياز إلى جانب روسيا بعد أن قادت منظمة أوبك + في قرار مفاجئ لخفض إنتاج الخام، مما يبقي أسعار النفط مرتفعة في وقت يسوده القلق العالمي بشأن التضخم وتصر أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم على أن القرار يتعلق بالاقتصاد وليس السياسة وتمثل هذه الخطوة لحظة مهمة في تحالف استمر لأكثر من 70 عامًا بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وقد جاء خفض الإنتاج بعد أقل من ثلاثة أشهر من سفر الرئيس جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية بحثًا عن مزيد من الإنتاج للمساعدة في خفض الأسعار.
النفط مقابل الأمن
كان من أسس العلاقات بين السعودية والقوة الغربية العظمى الفهم الذي يمكن تلخيصه في أن الولايات المتحدة تزود المملكة بالحماية العسكرية مقابل إمداد موثوق من النفط ولكن حتى قبل سفر بايدن إلى جدة في يوليو، كان المسؤولون السعوديون يقولون إن طبيعة الشراكة بين واشنطن والرياض قد تغيرت بشكل جذري بل قالوا إن التحالف أصبح غير متوازن.
ساهمت المحاولات الأمريكية لإحياء اتفاق نووي مع إيران، خصم الرياض الإقليمي، ومشاركة المملكة العربية السعودية في حرب اليمن، وما اعتبرته دول الخليج على أنه نقص في الحماية من واشنطن ضد هجمات الوكلاء المدعومين من إيران، في توترات وتباعد متزايد في البلاد.
وبعيدًا عن العلن، اشتكى المسؤولون في الخليج منذ فترة طويلة من محاولات الولايات المتحدة ترهيبهم في مواقف سياسية معينة. وتأخر المسؤولون الأمريكيون في إدراك أن التخويف لا يجدي، وأن واشنطن بحاجة إلى التعايش مع نظام جديد قائم على المصالح المشتركة.
إشارات اقتصادية مهمة
قال وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان إن قرار أوبك + كان مدفوعًا بأساسيات السوق وإن المجموعة بحاجة إلى أن تكون استباقية خلال فترة تقلبات السوق الشديدة.
وأوضح الأمين العام للمنظمة، هيثم الغيص، لقناة العربية ومقرها السعودية في مقابلة، إن الدعوة لخفض الإنتاج استندت إلى مؤشرات على اقتراب ركود عالمي كما أكد وزير الطاقة السعود أن المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة لفرض حد أقصى لأسعار النفط الروسي تزيد من حالة عدم اليقين في السوق.
وحمل بيان الميزانية الأولي للمملكة العربية السعودية بعض القرائن على مستقبل المملكة وقال اقتصاديون في بنك الاستثمار السعودي، الراجحي المالية الشهر الماضي، إنه بناءً على هذه الأرقام، يتطلع المسؤولون إلى وضع ميزانية لنفط برنت عند حوالي 76 دولارًا للبرميل العام المقبل وهذا أقل بحوالي 20٪ من سعر النفط هذا الأسبوع، وهبوط أكثر بكثير من المتوقع من قبل معظم المحللين.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، تتوقع السعودية أن ميزانيتها لهذا العام بالكاد ستحقق فائضًا قدره 9 مليارات ريال (2.4 مليار دولار)، أقل مما كان متوقعًا في السابق، وفي مواجهة الاختيار بين دعم الاقتصاد العالمي بأمر من الولايات المتحدة، والمخاطرة بأنفسهم، اختار السعوديون أنفسهم. وفعلت دول الخليج الأخرى ذلك أيضًا.
توازن القوى
يؤكد المسؤولون الخليجيون أنهم بحاجة إلى موازنة علاقاتهم مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، التي تلعب دورًا مهمًا ليس فقط في أسواق الطاقة، ولكن أيضًا في النزاعات الإقليمية من سوريا إلى ليبيا وبشكل حاسم، تشارك روسيا أيضًا في مفاوضات مع إيران، وعلى عكس الولايات المتحدة، فهي لا تنتقد المملكة العربية السعودية بشأن حقوق الإنسان.
لم تنضم المملكة العربية السعودية وحلفاؤها الإقليميون إلى العقوبات المفروضة على موسكو بسبب غزو أوكرانيا، ويقول المسؤولون بشكل خاص إن عزلها تمامًا قد يأتي بنتائج عكسية كما أنهم يشككون في محاولات الولايات المتحدة معاقبة روسيا بأدوات مثل تحديد سقف لأسعار صادراتها من الطاقة، وهي حركات تعمل بشكل فعال على تحويل قوة التسعير إلى مشتري الطاقة من البائعين
في غضون ذلك، يحاول المسؤولون الأمريكيون موازنة جهودهم لمعاقبة روسيا ضد التبعات التضخمية كما يوازنون بين رغبتهم الفورية في الحصول على مزيد من النفط من أوبك مقابل الاستياء المتزايد من المنظمة بوصفها غير متعاونة مع مصالح الولايات المتحدة.
في أعقاب خفض الإنتاج الأخير، دعا بيان صادر عن البيت الأبيض إلى "أدوات إضافية لتقليل سيطرة أوبك على أسعار الطاقة". وأضاف أن القرار كان بمثابة تذكير أيضا بالسبب الذي يجعل الولايات المتحدة بحاجة إلى تقليل اعتمادها بشكل عاجل على مصادر أجنبية للوقود الأحفوري.