حد أقصى للقروض.. هل تتقلص قدرة صندوق النقد على تمويل البلدان المتعثرة؟
في العام الجاري، سجّل صندوق النقد الدولي رقمًا قياسيًا غير مسبوق في تمويل القروض للبلدان المتعثرة، وأشارت صحيفة فاينانشيال تايمز إلى أن قدرة الصندوق على مواصلة الإقراض قد تتقلص بعد أن باتت قدرته على المزيد من التمويل أقل فى ظل اقترابه من الحد الأقصى، وساهمت المصاعب الاقتصادية المتزامنة مع جائحة كوفيد-19 ومكشاكل سلاسل التوريد العالمية إلى إغراق ما لا يقل عن خمسة بلدان فى التعثر، بجانب البلدان الأخرى التي ربما تعاني من أزمات مماثلة في أعقاب اندلاع الحرب في أوروبا الشرقية.
ووفقًا لتقرير التايمز، فإنه فى ظل تداعيات الجائحة والهجوم الروسي على أوكرانيا والارتفاع الحاد لأسعار الفائدة بقرارات من البنوك المركزية على مستوى العالم وفي مقدمتها مجلس الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا، تجد الكثير من الدول نفسها مضطرة لطلب الحصول على دعم وتمويلات جديدة من صندوق النقد الدولي.
وصل حجم القروض 140 مليار دولار
وكشف تحليل أجرته فاينانشال تايمز للبيانات الصادرة عن صندوق النقد الدول أنه بنهاية أغسطس الماضي ارتفع حجم القروض التي قدمها الصندوق إلى ما إجماليه 140 مليار دولار عبر 44 برنامجا منفصلا والرقم المشار إليه يرتفع بالفعل عن حجم القروض التي قدمها الصندوق بنهاية عام 2020 و2021 عندما بلغ التمويل مستويات قياسية سنوية مرتفعة ومن المرجح أن يزيد الرقم أكثر خلال الأسابيع القادمة مع ارتفاع تكاليف الاقتراض في الأسواق الدولية.
ويتوقع الخبراء أن أية زيادات أخرى في أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية الرئيسية سيرفع تكاليف الاقتراض عالميا وسيزيد من مخاطر الانزلاق إلى الركود الحاد وترتجف الكثير من الأصول المالية بما في ذلك الذهب والنفط والسلع الأخرى مثل الفضة من تداعيات ذلك الركود إن حدث بالفعل.
الحد الأقصى
يتوقع بعض المحللين أن قدرة الصندوق على الإقراض ستصل قريبا إلى حدها الأقصى، أي أنه سيمر بمرحلة تشبع عندما يتزايد لجوء البلدان الفقيرة إلى الصندوق جراء عجزها عن الحصول على تمويل من أسواق الدين العالمية.
وأشارت التايمز إلى أن إجمالى تعهدات المؤسسة بما فى ذلك الموافقات التى لم تنفذ بعد قد بلغ 268 مليار دولار، وقد حذّر كيفين جالنجر من مركز جلوبال ديفلوبمنت بولسى سنتر من الإضرار بميزانية الصندوق جراء تقديم قروض لأعداد كبيرة من الدول.
وفى تقرير صدر مؤخرا، حذر جالنجر من أن 55 من أفقر دول العالم ستدفع أقساط قروض بقيمة 436 مليار دولار خلال الفترة من 2022 حتى 2028، منها 61 مليار دولار سيحل ميعاد سدادها العام الجارى وعام 2023 و70 مليار دولار عام 2024.
لكن الصندوق تعمد التقليل من هذه المخاوف، حيث صرح بيكاس جوشى رئيس قسم استراتيجيات صندوق النقد الدولي بأن إجمالى التزاماته لا تزال تشكل نسبة صغيرة مقارنة بقدرة مالية متاحة تصل إلى 1 تريليون دولار.
وفي الأثناء، يجرى الصندوق العديد من المفاوضات مع الكثير من الدول لتقديم حزم دعم ستزيد إجمالى التزاماته وأعلنت زامبيا وسريلانكا عجزهما عن سداد أقساط الديون خلال الجائحة جنبًا إلى جنب مع لبنان وروسيا وسورينام، وتخوض تلك الدول مفاوضات مع الصندوق ضمن جهود تستهدف إعادة هيكلة ديونهم وهناك مفاوضات في مراحل مبكرة تجريها غانا ومصر وتونس مع الصندوق للحصول على الدعم وبالفعل، وافق الصندوق على منح قروض بقيمة 1.1 مليار دولار لباكستان بنهاية أغسطس؛ ومن المتوقع أن تحصل الأرجنتين على قرض بقيمة 3.9 مليار دولار خلال الأسابيع القليلة القادمة ضمن برنامج دعم بقيمة 41 مليار دولار.
تخطى الحصص
تقتضي قواعد صندوق النقد تقديم قروض لدول العالم تعادل نسبة %145 من حصصها أو أسهمها لدى الصندوق، وهو ما يتسق مع معدل مساهمة كل دولة في الاقتصاد العالمي وسيقف هذا الشرط عقبة تحول دون حصول الدول ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة على تمويلات بقيمة 370 مليار دولار مخصصة لها من إجمالي قدرة إقراض بقيمة 940 مليار دولار.
لكن هذا الحد يتم تخطيه كثيرا، إذ حصلت الأرجنتين مثلا على حزمة دعم تم التصديق عليها فى مارس الماضى ضمن جهود إعادة هيكلة خطة إنقاذ حصلت عليها البلاد بقيمة 50 مليار دولار عام 2018، وتتخطى حزمة الدعم هذه حصتها بأكثر من 10 مرات.
ويتوقع محللون لدى جولدمان ساكس حصول مصر قريبا على حزمة دعم بقيمة 15 مليار دولار، بما يعنى تخطى حصتها لدى الصندوق بست مرات تقريبا ويمنح الصندوق قروضه عبر حساب الموارد العامة أو من صندوق تخفيف حدة الفقر ودعم النمو الذي يقدم قروضا بأسعار فائدة منخفضة للدول ذات الدخول القليلة ويتجه مجلس إدارة الصندوق إلى إقرار صندوق لمساعدة البلدان التي تضررت من تكاليف الغذاء المرتفعة قبل انعقاد اجتماعه السنوي في أكتوبر المقبل.