ماذا فعلت المخابرات المصرية حينما أخفى الإسرائيليون والفلسطينيون تفاصيل مباحثات أوسلو؟
حكى عميد الدبلوماسية المصرية، الأمين العام للجامعة العربية، ورئيس لجنة الخمسين لكتابة الدستور، المخضرم، عمرو موسى، تفاصيل مفاوضات أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، موضحًا أن الطرفين كانا يريدان الانفراد بتلك المباحثات منفردين.
أشار موسى في مذكراته التي تحمل اسم "كتابيه" إلى أنه كان يرفض هذا الأسلوب الفلسطيني لأن فارق الخبرة والمناورة تصب في صالح إسرائيل، ولا يمكن للمفاوض الفلسطيني أن يجاري نظيره الإسرائيلي في تلك المباحثات.
أوضح موسى أنه لما أبلغ الرئيس مبارك بذلك فما كان من الرئيس إلا أن قال له "سيبهم براحتهم طالما هما عاوزين كدا ومبسطين بكدا"، لكن موسى لم يكن مطمئنًا لهذه السياسة، خاصة أنه لما استطلع الموقف مع نظيره الأمريكي، قال له إن الجانب الإسرائيلي لا يضعه في كامل الصورة.
يقول وزير الخارجية الأسبق، إنه تحدث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الوزير عمر سليمان، وحكى له شواغله، فما كان من سليمان إلا أن قدم لموسى هدية ثمينة، تمثلت في صورة من محضر الاجتماعات الرسمي لمباحثات أوسلو، وقد حصل عليها سليمان من مصادره الخاصة وكانت مفاجئة بالنسبة لموسى، إذ عكست مدى نفوذ جهاز المخابرات المصري، وقدرته على اختراق أي مباحثات حتى ولو كانت سرية.
يوضح موسى أن ما أثار فخره كذلك أنه لما عرض الملف على نظيره الأميركي وقتذاك وارين كوريستوفر، فوجئ به إلى درجة كبيرة، وأبدى دهشته من وصول مصر إلى مثل هذا المحضر وهو جزء من مباحثات سرية. وأوضح موسى أنه قرر عرض الملف على الوزير الأمريكي لأه كان واثقًا من انه لن يستطيع فهمه خلال وقت قصير خاصة أنه كتب بصيغ وجمل ومدخلات كثيرة.
لفت موسى إلى أن فريق من وزارة الخارجية عكف على فك طلاسم هذا المحضر وبالفعل نجح في ذلك إلى حد كبير وقام بتلخيص العديد منه مما يعكس مدى خبرة فريق الدبلوماسية المصري.
يقول موسى في كتابه: "أستطیع أن أقول إنه لم كن لنا إسهام في مفاوضات أوسلو؛ لأن الإسرائیلیین أرادوا أن یكونوا وحدهم مع الفلسطینیین، ولم یكن الفلسطینیون یمانعون في ذلك خصوصا بعدما وافق عرفات على تفویض عدد من المفاوضین الفلسطینیین بالجلوس في مفاوضات أوسلو والعمل على الوصول إلى اتفاق. وصل الأمر- كما علمنا - إلى أن الخارجیة الأمریكیة نفسها لم تكن في كامل الصورة یوميًا بالنسبة إلى كثیر من تفصیلات هذه المفاوضات التي جرت في العاصمة النرویجیة؛ ربما لأن إسرائیل لم تكن تطلعهم على تفاصیل التفاوض بطریقة منتظمة. من جانبنا كان أبو عمار یضعنا في بعض الصورة، بعد وصول التقاریر إلیه من محمود عباس (أبو مازن) وأحمد قریع (أبو علاء) الذي كان یترأس وفد المفاوضین الفلسطینیین".
يضيف موسى: "لم یكن مبارك مهتمًا بتفاصیل ما یجري في هذه المفاوضات. من وجهة نظره مادام الفلسطینیون سعداء وراضین عن هذا المسار التفاوضي فلا داعي لأن نكون ملكیین أكثر من الملك. لكن من جانبي بوصفي وزیًرا للخارجیة حاولت بكل ما أستطیع معرفة تفاصیل ما یجري في أوسلو بشأن هذه المفاوضات، برغم اتفاقي مع وجهة نظر الرئیس، أي أنه مادام الفلسطینیون یتفاوضون بأنفسهم ومقبلین على هذا المسار فلا داعي لأن نفرض أنفسنا، إلا أنني كنت قلقًا لانعدام التوازن بین الطرفین المتفاوضین من حیث القوة والجاهزیة، كما لم أكن مقتنًعا بأن الأمریكان لیسوا في كامل الصورة مما یجري؛ وبالتالي قد تكون مصر فقط هي التي لیست في كامل الصورة".
يتابع: " هنا جاء دور اللواء عمر سلیمان، رئیس جهاز المخابرات العامة. تحدثت مع الرجل بشأن شواغلي مما یجري في المفاوضات الفلسطینیة – الإسرائیلیة، والتي لا نعرف حقیقة ما یدور فیها على وجه الیقین. بعد أیام قدم سلیمان لي هدیة لم أكن أحلم بها في هذا الخصوص. قدم لي نسخة من محاضر اجتماعات هذه المفاوضات، كان قد حصل علیها بصورة أو بأخرى، وكنا مازلنا في مرحلة مبكرة من تلك المفاوضات. كانت سعادتي بالغة بهذه المحاضر، التي وضعت الدولة المصریة في الصورة مما یجري حتى تاریخه، وهو ما من شأنه مساعدتنا عند اتخاذ قراراتنا ومواقفنا على إلى أرضیة معلوماتیة خصبة".