التضخم والدين الخارجي.. بلومبرج تسلط الضوء على وضع الاقتصاد المصري
طرحت وكالة بلومبرج الأمريكية عدة أسئلة في تقارير منفصلة، نشرت اليوم الاثنين، حول القلق بشأن قدرة مصر على سداد التزاماتها في ٢٠٢٣، وحول معدل التضخم في مصر، الذي يعتقد بعض الخبراء أنه لم يصل الذروة بعد، وأجمعت التقارير على أن القلق أصبح عنوانًا يطارد مستقبل الاقتصاد مصر خلال الأشهر القادمة، وهو الأمر الذي يتسبب في ارتباك المستثمرين والمتداولين الذين يسعون سعيًا دائمًا لاستخلاص رؤية واضحة نسبيًا لمسار وأداء الاقتصاد في مصر وفي الأسواق الناشئة.
قدرة مصر على سداد التزاماتها في ٢٠٢٣
تعتبر قدرة مصر على سداد التزاماتها بما في ذلك خدمة الدين أبرز المخاطر وتعد، وفقًا لبلومبرج، الأعلى في المنطقة مقارنة بمتوسط الخمس سنوات الماضية، وأشار تقرير بلومبرج بشأن سداد التزامات مصر إلى أن البلاد بحاجة إلى التوصل بشكل عاجل وملح لاتفاق بشأن تمويل خارجي لدرء خطر التخلف عن السداد في المستقبل القريب.
وأشار التقرير إلى أن 2022 تمثل عامًا مضطربًا بالفعل بالنسبة للمستثمرين والمتداولين في كافة الأسواق الناشئة، وأنهم بلا استثناء يحصلون على جرعة أخرى من الأدرينالين بسبب القلق المستمر في الوقت الذي تكافح فيه مصر لتجنب أزمة الديون.
أحدث مثال
وفقًا لبلومبرج، أصبحت مصر أحدث مثال للمعاناة التي تجتاح الدول الفقيرة على خلفية ارتفاع التضخم وارتفاع العائدات وتراجع النمو العالمي ويراقب المستثمرون، الذين ما زالوا يتألمون من حالات التخلف عن السداد مؤخرًا من دول أخرى مثل روسيا وسريلانكا، أداء الاقتصاد المصري كدراسة حالة لقياس ما إذا كان يمكن للعالم النامي الأوسع أن يتجنب أزمة ديون كاملة ويتخطى الحقبة القادمة في ظل ظروف ائتمان أكثر تشددًا وما إذا كان بإمكان دول مثل مصر الانتقال إلى بر الأمان، ومدى سرعة التعافي الاقتصادي، إذا حدث.
وبدأت المؤشرات التحذيرية الظهور بشأن الديون المصرية، مما زاد مخاوف المستثمرين من أن البلاد قد تتجه نحو التخلف عن السداد، وقالت بلومبرج إن الاضطراب “واضح جدًّا” في الأصول المصرية، إذ ارتفع احتمال تخلف الحكومة عن سداد الديون خلال عام واحد إلى أعلى مستوياته منذ عام 2013 وإلى الأسوأ في المنطقة، وقد تسبب ذلك في ارتفاع الهامش بين السندات المصرية وسندات الخزانة الأمريكية فوق 1200 نقطة أساس للمرة الأولى على الإطلاق، وفقًا لمؤشر “جيه بي مورجان” للسندات الحكومية بالأسواق الناشئة في حين أن تكلفة التأمين ضد تخلف مصر عن السداد بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق عند 1500 نقطة أساس الشهر الماضي، قبل أن تنخفض إلى 940 نقطة أساس نهاية الأسبوع الماضي.
ورغم ظهور مؤشرات على استقرار الأداء الاقتصادي في مصر في أغسطس الجاري مع تعيين رئيس جديد للبنك المركزي، فإن المخاوف من أن تخفق الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الوفاء بديونها ستظل في صدارة أذهان المستثمرين حتى تخفض مصر من قيمة الجنيه وتكون حزمة صندوق النقد الدولي كبيرة بما يكفي لسد فجوة التمويل ونقلت الوكالة عن كالي ديفيس الخبيرة الاقتصادية في “أكسفورد إيكونوميكس أفريكا” قولها “لتفادي التخلف عن سداد الديون ستحتاج مصر إلى دعم خارجي إضافي، ولا سيما في سياق عجز الحساب الجاري المتضخم وتدفقات رأس المال الضعيفة”.
وأضافت كالي: “إذا أصبحت مصر غير قادرة على تأمين مزيد من التمويل الخارجي، فإن مخاطر التخلف عن سداد الديون ستزداد بشكل كبير”، وتبلغ نسبة ديون مصر من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 94%، ويتعين عليها حاليًّا سداد ديون خارجية تبلغ أكثر من 5 مليارات دولار مقومة بالدولار واليورو في الربع الرابع من عام 2022، و9 مليارات دولار أخرى تستحق السداد في عام 2023.
وقال زياد داود، خبير الأسواق الناشئة لدى بلومبرج، إن مصر بحاجة حاليًّا إلى نحو 41 مليار دولار لتغطية مدفوعات الديون وعجز الحساب الجاري حتى نهاية عام 2023 وشهد احتياطي مصر من النقد الأجنبي انخفاضًا بنحو 20% إلى 33.14 مليار دولار هذا العام، بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتدفقات رأس المال الخارجة وتكاليف الاقتراض المتزايدة كما بلغ الدين الخارجي لمصر أعلى مستوياته على الإطلاق وارتفع بنسبة 17% على أساس سنوي ليصل إلى 157.8 مليار دولار في ثلاثة أشهر من يناير إلى مارس.
كل هذه الأسباب تجعل المستثمرين يزنون مخاطر احتمال أن تحذو مصر حذو روسيا وسريلانكا، إذ كانت سيريلانكا هي الدولة الأولى التي توقفت عن الدفع لحاملي السندات الأجانب هذا العام، بسبب تكاليف الغذاء والوقود الباهظة التي أججت احتجاجات وفوضى سياسية، ثم تبعتها روسيا في يونيو/حزيران بعد أن علقت في شبكة من العقوبات.
مصر ليست سريلانكا
يرى ماثيو فوجل، رئيس الأبحاث السيادية في (إف آي إم بارتنرز)، أن “مصر ليست سريلانكا لأن لديها احتياطيا أعلى بكثير وخيارات تمويل أفضل بكثير في المستقبل، ومشكلة مصر تمكن السيطرة عليها من خلال سياسات أكثر صرامة ودعم الدائنين الرسميين” وتكافح مصر لمواجهة قفزة أسعار الحبوب بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وكانت دول خليجية قد تعهدت بتقديم أكثر من 22 مليار دولار في شكل ودائع واستثمارات لدعم اقتصاد دولة يُنظر إليها على أنها ركيزة أساسية في العالم العربي، وبعد أيام فقط من تغيير قيادة البنك المركزي، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في 22 أغسطس الجاري أن الحكومة تقترب من إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض جديد ومع تفضيل صندوق النقد الدولي لسعر صرف أكثر مرونة، أدت الأحاديث حول المزيد من تخفيض قيمة العملة إلى دفع الجنيه إلى أدنى مستوياته منذ ديسمبر 2016 في السوق الخارجية الأسبوع الماضي.
وواصل الجنيه الانخفاض أمس ليصل إلى 19.24 جنيها مقابل الدولار، واقترب من مستوياته القياسية الدنيا، ويقول المحللون إن العملة لا تزال بحاجة إلى مزيد من الانخفاض لتقليص فجوة التمويل في مصر، وتتوقع أسواق العقود الآجلة أن ينخفض الجنيه بنسبة 22% خلال العام المقبل.