بعد مقتل الظواهري.. تقرير استخباراتي يكشف مفاجأة بشأن "القاعدة" بأفغانستان
قالت أجهزة الاستخبارات الأميركية، في تقييم استخباراتي جديد، إن تنظيم "القاعدة" لم يُعِد تجميع أفراده في أفغانستان منذ انسحاب الولايات المتحدة في أغسطس 2021، مشيراً إلى أن عدداً ضئيلاً من عناصر التنظيم بقوا في البلاد.
ووفق تقرير نشره موقع "الشرق بلومبيرج"، فقد أشار التقييم إلى أن "القاعدة" يعجز عن شنّ هجمات، من أفغانستان ضد الولايات المتحدة. واستدرك أن التنظيم سيعتمد، على الأقلّ في الوقت الحالي، على مجموعات تابعة له في الخارج، لتنفيذ عمليات إرهابية محتملة تستهدف الغرب، كما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز".
لكن محللين في شؤون مكافحة الإرهاب اعتبروا أن هذا التقييم يشكّل صورة متفائلة لمشهد إرهابي معقد وسريع التبدّل، علماً أنه يمثّل وجهات النظر المتفق عليها لأجهزة الاستخبارات الأميركية.
وقال إدموند فيتون براون، وهو مسؤول بارز سابق في الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب: "التقييم دقيق إلى حدّ كبير، لكنه أيضاً النظرة الأكثر إيجابية بشأن صورة تهديد لا تزال متقلّبة جداً".
إقامة الظواهري في كابول
التقييم أُعد بعد مصرع زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري، في غارة نفذتها مسيّرة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) في كابول الشهر الماضي. وشكّل سقوط الظواهري نصراً ضخماً للرئيس الأميركي جو بايدن، لكنه أثار تساؤلات بشأن وجوده في أفغانستان، بعد عام على سحب القوات الأميركية، ممّا مهد لاستعادة حركة "طالبان" السيطرة على البلاد، بحسب "نيويورك تايمز".
اعتبر الجمهوريون أن سحب القوات يهدّد الولايات المتحدة. ورأوا في شعور الظواهري بأمانٍ يكفي لعودته إلى العاصمة الأفغانية، مؤشراً إلى سياسة فاشلة رجّحوا أن تمكّن "القاعدة" من إعادة بناء معسكرات التدريب والتخطيط لشنّ هجمات، رغم تعهّد "طالبان" بالامتناع عن منح التنظيم ملاذاً آمناً.
وفي أكتوبر الماضي، ذكر مسؤول بارز في وزارة الدفاع الأميركية أن "القاعدة" يمكن أن يكون قادراً على إعادة تجميع عناصره في أفغانستان ومهاجمة الولايات المتحدة، في غضون عام إلى عامين.
في المقابل، رفض مسؤولو إدارة بايدن الانتقادات الأخيرة، مشيرين إلى تعهد قطعه الرئيس بعدما أعلن وفاة الظواهري.
وقالت ناطقة باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض: "كما قال الرئيس بايدن، سنواصل اليقظة، مع شركائنا، للدفاع عن أمّتنا وضمان ألا تصبح أفغانستان مجدداً ملاذاً آمناً للإرهاب".
تقييم "تفاؤلي"
ومع ذلك، رأى خبراء أجانب في مكافحة الإرهاب، أن التقييم الاستخباراتي الجديد مفرط في التفاؤل.
في الربيع الماضي، حذر تقرير أعدّته الأمم المتحدة من أن "القاعدة" يحظى بـ"حرية عمل متزايدة" في أفغانستان، منذ استيلاء "طالبان" على السلطة.
ورجّح إقامة قياديين للتنظيم في كابول، معتبراً أن التصريحات العلنية المتزايدة للظواهري، تشير إلى قدرته على القيادة بشكل أكثر فاعلية، بعدما استعادت الحركة السلطة.
وقال كولن كلارك، وهو محلل لمكافحة الإرهاب في "مجموعة صوفان"، وهي شركة استشارات أمنية تتخذ نيويورك مقراً، إن التقييم الاستخباراتي "يبدو وردياً جداً، لدرجة أن يكون قصير النظر قليلاً".
واعتبر أن التقييم لم يتطرّق بشكل مفصّل إلى "الآفاق بعيدة المدى للقاعدة"، علماً أن ثمة تكهنات بأن تؤول قيادة التنظيم إلى سيف العدل، الذي يُعتقد بأنه مقيم في إيران.
ورأى دانيال بيمان، وهو أستاذ في جامعة جورج تاون، أن تقييم الاستخبارات الأميركية بشأن "القاعدة"، "مُقنع بشكل أساسي"، علماً أنه أعرب سابقاً عن شكوك بشأن إحياء التهديد الذي يشكّله التنظيم.
تحرير قياديّين للتنظيم
لكن خبراء آخرين في مكافحة الإرهاب يعترضون على ذلك. وتضمّنت إحدى نقاط الخلاف في التقييم الاستخباراتي، زعماً بأن "القاعدة" لم يُعِد تشكيل شبكته في أفغانستان، وأن الظواهري كان الشخصية الأساسية الوحيدة التي سعت إلى إعادة تأسيس وجود التنظيم في البلاد، عندما استقر مع أسرته في كابول هذا العام.
وقال أسفنديار مير، وهو خبير بارز في "معهد الولايات المتحدة للسلام": "الظواهري كان زعيم القاعدة، لذلك فإن تمتعه بحماية من طالبان فيما كان يقدّم إرشادات أكثر نشاطاً للجماعة، كان بحدّ ذاته إعادة تشكيل" للتنظيم في أفغانستان.
ولفت إلى أن "عدداً محدوداً من القادة الأساسيين يمكنهم الاستفادة من أفغانستان لتوجيه الشبكة التابعة للجماعة سياسياً"، معتبراً أن "القاعدة لا يحتاج إلى معسكرات تدريب ضخمة ليكون خطراً".
كذلك شكّك خبراء في مكافحة الإرهاب بما تضمّنه التقييم الاستخباراتي من أن أقلّ من 12 عضواً في "القاعدة"، ممّن تربطهم صلات مديدة بالتنظيم، موجودون في أفغانستان، وأن معظمهم كانوا هناك على الأرجح قبل سقوط الحكومة الأفغانية الصيف الماضي، بحسب "نيويورك تايمز".
وقال بروس هوفمان، وهو باحث في شؤون الإرهاب بـ"مجلس العلاقات الخارجية": "لا معنى لأعداد عناصر القاعدة النشطين والمتشددين في أفغانستان وباكستان. أُفرج عمّا لا يقلّ عن 36 من أبرز قياديّي القاعدة من السجون الأفغانية قبل عام. أشك كثيراً في أنهم تحوّلوا إلى الزراعة أو المحاسبة بعد فترة السجن".
وأشار إلى تكليف ناشطين في "القاعدة"، أو جماعات تابعة للتنظيم، بمسؤوليات إدارية مهمة في ما لا يقلّ عن 8 مقاطعات أفغانية. واعتبر أن توقيت التقييم الاستخباراتي الأميركي يستهدف "صرف الانتباه عن العواقب الكارثية للانسحاب المخزي من أفغانستان العام الماضي".
"القاعدة في شبه القارة الهندية"
هذا التقييم اعتبر أيضاً أن أعضاء فرع "القاعدة" في أفغانستان، المعروف سابقاً باسم "القاعدة في شبه القارة الهندية"، كانوا غير نشطين إلى حدّ كبير وركّزوا بشكل أساسي على نشاطات، مثل الإنتاج الإعلامي.
لكن تقريراً أعدّته الأمم المتحدة، نُشر في يوليو الماضي، رجّح أن يضمّ هذا الفرع بين 180 و400 مسلّح، لا سيّما من بنجلادش والهند وميانمار وباكستان، انضووا في وحدات قتالية لـ"طالبان".
وذكر مير أن "القاعدة في شبه القارة الهندية شارك في تمرّد طالبان ضد الولايات المتحدة، وكذلك في عمليات ضد تنظيم داعش خراسان" في أفغانستان، وهو منافس لدود للتنظيم.
ثمة اتفاق واسع على نقطتين أساسيتين على الأقلّ في التقييم الاستخباراتي، بما في ذلك أن "القاعدة" ليس قادراً بعد على مهاجمة الولايات المتحدة أو مصالحها في الخارج من الأراضي الأفغانية، إذ أن التنظيم "يفتقر إلى القدرة التشغيلية الخارجية ولا يرغب الآن في التسبّب بصعوبات دولية أو إحراج لطالبان"، كما ورد في تقرير الأمم المتحدة الصادر في يوليو.
واتفق محللون حكوميون وخبراء في الإرهاب بالخارج، على أن "القاعدة" في أفغانستان سيحضّ، على المدى الوجيز، مجموعات تابعة خارج المنطقة على تنفيذ عمليات ضد الغرب، بحسب "نيويورك تايمز".