الجمعة 27 سبتمبر 2024 الموافق 24 ربيع الأول 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

"سياسة التحوط".. دراسة أوربية تحلل علاقة تركيا بجيرانها فى الشرق الأوسط

الرئيس نيوز

أمضت تركيا معظم العقد الماضي في محاولة لتوسيع نفوذها وإعادة تشكيل الشرق الأوسط على أساس تصوراتها الخاصة وأدى ذلك إلى خلق خط مواجهة رئيسي بين أنقرة وخصومها امتد من ليبيا إلى سوريا وأخيرًا شرق البحر الأبيض المتوسط، ومع ذلك، وفقًا لدراسة أجراها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فمنذ منتصف عام 2021، حاولت تركيا تطبيع علاقاتها مع دول الشرق الأوسط وكان هذا التحول مدفوعًا بالسياسات الداخلية التركية، وظهور الشرق الأوسط متعدد الأقطاب، واشتداد المنافسة الجيوسياسية بالمنطقة ولا يزال الرئيس رجب طيب أردوغان يعاني من الضعف سياسيًا في الداخل، مع تدهور الاقتصاد واحتلال رموز المعارضة المقدمة في استطلاعات الرأي ويعتمد بقاء حكومته الآن على الجهود المبذولة لتحقيق التوازن بين القوى العظمى وسحب كل ما يمكن سحبه من تمويلات من الخصوم السابقين في الخليج.

وتابعت الدراسة: "يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى التكيف مع تركيا الجديدة من خلال دعم عملية التطبيع الإقليمي، وإدارة القضية الكردية، وقبول أن البلاد يمكن أن تنضم إلى مجتمع أوروبي موسع - وإن كان ذلك مع الاحتفاظ باستقلاليتها الاستراتيجية.
مقدمة
في أواخر مارس الماضي، طلبت النيابة العامة في إسطنبول من وزارة العدل التركية إحالة قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي إلى السعودية في محاولة سمحت للحكومة التركية بالبدء في إصلاح علاقتها بالرياض وزار الرئيس التركي العاصمة السعودية، حيث التقطت له صورة وهو يحتضن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وبعد بضعة أشهر، قام محمد بن سلمان بالرحلة إلى أنقرة، ولم تكن تلك المحبة بعد عداوة بين الجانبين مفاجأة، على الرغم من الحملة التي قادتها الحكومة التركية لفضح دور الدولة السعودية في الجريمة وشاركت تركيا تسجيلًا صوتيًا من مسرح الجريمة مع حلفائها، بينما كتب أردوغان نفسه مقال رأي في صحيفة واشنطن بوست ألقى فيه باللوم على النظام السعودي في جريمة القتل.

دعمت أنقرة فروع جماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء المنطقة، ودعمت الانتفاضات العربية، وأدانت علانية السياسات الداخلية لدول الخليج، ووسعت أنشطتها العسكرية في سوريا والعراق وفي شرق البحر الأبيض المتوسط، وضعت دبلوماسية الزوارق الحربية التركية في مواجهة تكتل يضم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، ومع ذلك، فقد غيرت البلاد مسارها الآن وتشكل مفاتحات أنقرة الأخيرة للرياض جزءًا من جهد أوسع لتحسين علاقاتها مع خصومها السابقين في الشرق الأوسط كما يعتزم أردوغان تعديل هذه العلاقات مع الواقع الجديد في المنطقة - والأهم بالنسبة له - في السياسة التركية وهو يقبل الآن "أننا بحاجة إلى الدخول في عملية جديدة مع دول المنطقة التي نتشارك معها نفس الإيمان والأفكار وهذه ليست عملية حول زيادة أعدائنا بل تتعلق بكسب الأصدقاء ".

وكما يعتقد المحللان جوليان بارنز داسي وهيو لوفات، فإن دول الشرق الأوسط مصممة بشكل متزايد على تقليل اعتمادها على الغرب لتصبح أكثر اكتفاءً ذاتيًا ولذلك، في منطقة متعددة الأقطاب بشكل متزايد، لا يمكن لتركيا أن تكون قوة ليس لها شركاء سوى قطر ولا تريد أن تكون تابعًا محضًا للقوى الغربية ويمكن القول إن تحول تركيا إلى دولة أمن قومي في ظل حكم أردوغان يتركها بدون نموذج للديمقراطية الإسلامية تحاول تصدير أفكارها إلى دول الخليج ويتمثل الهدف الرئيسي لأنقرة في الشرق الأوسط الآن في الانخراط في عملية توازن جيوسياسية تعزز اقتصاد تركيا وتحمي مصالحها الأمنية قدر الإمكان.

ويرجع ذلك إلى أن أردوغان يركز بشكل أساسي على حماية النظام، في طريقه إلى انتخابات عامة في عام 2023، فبعد عقدين في السلطة، يواجه احتمالية حقيقية لهزيمة انتخابية، ويدرك أنه بحاجة إلى تعزيز اقتصاد تركيا المحاصر بأي طريقة ممكنة ويبدو أن أفضل طريقة لخدمة هذه القضية هي العودة إلى العلاقات التبادلية مع دول الخليج، فعلى سبيل المثال، يمكن أن تطلب تركيا تمويلًا من دول الخليج لمنع حدوث أزمة قصيرة الأجل في ميزان المدفوعات أو تخفيض آخر لقيمة الليرة، وعلاوة على ذلك، يجب أن تجد تركيا أنه من الأسهل التعامل مع قوى شرق أوسطية أخرى أكثر مما كانت عليه من قبل، لأنها تشبههم بشكل متزايد.

سيحتاج الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إلى فهم البراجماتية الجديدة لتركيا في الشرق الأوسط - والشعور بالضعف التركي الكامن وراء ذلك - إذا أرادوا تحسين علاقاتهم مع الدولة، واغتنام الفرص الناشئة للتعاون معها في مختلف قضايا السياسة، والاستعداد لتحول محتمل في السلطة في أنقرة وتقيّم الدراسة كيفية تأثير نهج أردوغان الجديد في جميع أنحاء المنطقة، والدوافع لذلك، وتداعياته على السياسة الأوروبية، وتحديد مجالات التعاون وكذلك الصراع المحتملة، كما تصدت الدراسة لتقييم  الضرورات المحلية التي تدفع أردوغان نحو هذا النهج، بما في ذلك الاستياء العام من الاقتصاد وسياسة تركيا تجاه اللاجئين وتستكشف الدراسة كيف يمكن للحكومة الحالية في تركيا أو معارضتها الموحدة بشكل متزايد التغلب على هذه التحديات المحلية والإقليمية في الفترة التي تسبق انتخابات عام 2023، وتقترح عدة أفكار حول كيف يمكن لصانعي السياسة الأوروبيين الحفاظ على علاقة مستقرة مع أنقرة.

خفض التصعيد على عدة جبهات

بحلول أوائل عام 2021، كانت تركيا معزولة في الشرق الأوسط، وواجهت تهديد عقوبات الاتحاد الأوروبي، وكانت تعاني من تدهور اقتصادي حاد وحافظ حزب العدالة والتنمية الحاكم على قرع طبول الاتهامات ضد القوى الخارجية التي يُفترض أنها تهاجم تركيا ولكن هذا لم يفعل شيئًا يذكر لمنع المشكلات الاقتصادية للبلاد من زعزعة هيمنة الحزب طويلة الأمد على السياسة التركية، على مدار العام، تواصلت تركيا بهدوء مع إسرائيل ومصر والإمارات العربية المتحدة، وأخيراً المملكة العربية السعودية ومن خلال الاتصالات الدبلوماسية والاستخباراتية، حاولت أنقرة تهدئة نزاعاتها طويلة الأمد معها جميعًا وفاجأت السرعة التي فعلت بها ذلك العديد من صانعي السياسة الأوروبيين.

وبناءً على دعوة المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل، سحبت تركيا سفنها في مجال التنقيب عن الطاقة والسفن البحرية في شرق البحر المتوسط - وهي خطوة أعاقت عقوبات الاتحاد الأوروبي - وبدأت محادثات مباشرة مع اليونان كما طورت خارطة طريق لخفض التصعيد مع فرنسا في إطار محاولة لتحسين العلاقات مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، قلص أردوغان مؤقتًا الحملة العسكرية التركية ضد الأكراد السوريين لمعظم عام 2021 وبدأت الحكومة التركية مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن تغير المناخ وتجديد اتفاق 2016 الذي تقديم مساعدات مالية مقابل استضافة تركيا لملايين اللاجئين السوريين.

كان تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وأعضاء الاتحاد الأوروبي هدفًا رئيسيًا آخر لوقف التصعيد بالنسبة لإدارة بايدن وحكومات الاتحاد الأوروبي، وكانت تحركات تركيا الجازمة والتعديلية في جوارها مصدرًا لعدم الاستقرار الإقليمي. أما القادة الغربيون، بما في ذلك بايدن، أبقوا عمومًا نظيرهم التركي على مسافة، وتجنبوا الدبلوماسية الشخصية التي ميزت علاقة أردوغان مع دونالد ترامب، واختاروا بدلاً من ذلك مقابلته على هامش الاجتماعات متعددة الجنسيات ولم تعمل سياسة خفض التصعيد على تحسين العلاقات مع إدارة بايدن على الفور، ولكن في الوقت المناسب، لاحظت واشنطن جهود أنقرة لإصلاح العلاقات مع حكومات الشرق الأوسط الأخرى وكان الدعم الكبير لصورة تركيا هو دعمها لأوكرانيا - من خلال بيع طائرات بدون طيار مسلحة إلى البلاد وعملها على منع السفن العسكرية الروسية من دخول البحر الأسود وفي نهاية المطاف، حصل أردوغان على لقاء مع بايدن وقادة الاتحاد الأوروبي في قمة الناتو في يوليو الجاري، بعد الموافقة على رفع حق النقض التركي على طلبات السويد وفنلندا لعضوية الناتو.

ويدعي صناع القرار الأتراك أن جزءًا من سبب سياستهم في خفض التصعيد الإقليمي هو أن أنقرة حققت أهداف سياستها الخارجية الرئيسية بين عامي 2016 و2020: منع إنشاء دويلة كردية مستقلة في سوريا وتعطيل إنشاء ممر للطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط التي قد تتجاوز تركيا، فكلا الهدفين أساسيان للمصالح الأمنية لتركيا - وبالتالي، يمكن أن يدوموا لفترة أطول من عهد أردوغان.

ومع ذلك، بينما عكست أنقرة مسارها، لم يكن الجميع في الشرق الأوسط ينتظرونها بأذرع مفتوحة فقد قوبلت تركيا في البداية برد حذر عندما حاولت التواصل مع دول أخرى في الشرق الأوسط ووعدت دول الخليج وإسرائيل بمزيد من التعاون والاستثمارات مع تركيا، لكنها كانت مترددة في المتابعة حتى تتأكد من أنها غيرت موقفها الاستراتيجي حقًا. كانت مصر أكثر ترددًا من دول الخليج، حيث رضيت بالمشاركة المؤسسية الهادئة مع تركيا بشأن القضايا المتعلقة بليبيا وأجزاء أخرى من إفريقيا ولم تكن هناك اجتماعات بين أردوغان والرئيس عبد الفتاح السيسي.

من خلال الانخراط مع إسرائيل أولاً، كانت أنقرة تأمل في سحب حليف سابق بعيدًا عن التحالف المناهض لتركيا الذي تشكل في البحر الأبيض المتوسط وساعد رحيل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في يونيو 2021، أنقرة على طرح قضية إعادة التواصل مع إسرائيل. في أكتوبر 2022، بعد شهور من الدبلوماسية الهادئة، أصبح إسحاق هرتسوج أول رئيس إسرائيلي يسافر رسميًا إلى تركيا منذ 14 عامًا وأطلق عليها أردوغان "زيارة تاريخية".

كانت تركيا تأمل في أن يؤدي تحسن علاقاتها مع إسرائيل إلى بدء نقاش جديد حول الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط وتغيير الأجواء في الكونجرس الأمريكي، الذي كان ينتقد تركيا منذ عدة سنوات كما طرحت أنقرة فكرة إنشاء خط أنابيب من حقول غاز ليفياثان الإسرائيلية إلى تركيا يمكن أن يكون بديلاً لمنتدى غاز شرق البحر المتوسط - وبالتالي يخلق صورة جديدة لتركيا كمركز إقليمي للطاقة وكانت فكرة خط الأنابيب من إسرائيل إلى تركيا موجودة منذ سنوات عديدة، ولكن كان يُعتقد عمومًا أنها غير مجدية اقتصاديًا وسياسيًا - لا سيما أنها ستحتاج إلى عبور المياه الإقليمية لقبرص أو سوريا، وهي دول لا تربط تركيا بها علاقات دبلوماسية وأفادت الأنباء أن المسؤولين العراقيين يريدون تصدير الغاز من إقليم كردستان العراق إلى تركيا بمساعدة إسرائيل.

وضع خفض التصعيد حداً لتبادل الاتهامات، ونشط التعاون الاقتصادي بين تركيا وإسرائيل. لكنها لم تسفر عن إعادة ترتيب كاملة بين الجانبين وأكدت إسرائيل لقبرص وشركائها الجدد في الخليج أن العلاقات المحسنة مع تركيا لن تأتي على حساب اتفاقات إبراهيم وفشل خفض التصعيد أيضًا في إيجاد بديل قابل للتطبيق لمشروع خط أنابيب الطاقة المخطط له في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وكانت الإمارات العربية المتحدة أكبر منافس سياسي لتركيا في السنوات القليلة الماضية، حيث امتد القتال بينهما إلى أوروبا ومنذ ما يقرب من عقد من الزمان، كانت علاقتهما تحت الضغط بسبب الصراع الليبي، واعتقاد تركيا أن الإمارات العربية المتحدة دعمت محاولة الانقلاب ضد أردوغان في عام 2016، والدعم التركي للإخوان والانتفاضات العربية وجاء ضغط أنقرة من أجل خفض التصعيد مع أبو ظبي بعد أن هرب رجل عصابات تركي رفيع المستوى، سيدات بيكر، في مايو 2021 إلى دبي - حيث شرع في صنع مقاطع فيديو فيروسية تكشف الفساد وانتهاك القانون في المستويات العليا من النظام السياسي التركي وتواصلت تركيا مع أبو ظبي لإسكات بيكر، والتي بدأت في النهاية محادثة تهدف إلى حل الخلافات بين الجانبين.

وفي نوفمبر 2021، بعد شهور من الدبلوماسية، زار ولي العهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أردوغان في أنقرة، حيث ناقشا الجهود المبذولة لتحسين العلاقات الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي. في فبراير 2022، سافر أردوغان إلى أبوظبي في محاولة لتحسين العلاقات. وأشادت وسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية بالزيارة باعتبارها بداية اندفاع هائل للاستثمار الإماراتي في البلاد. أفادت تقارير أن هيئة أبوظبي للاستثمار وغيرها من الشركات الإماراتية كانت مهتمة بالرعاية الصحية والصناعات الدفاعية في تركيا. ووقع البنكان المركزيان الإماراتي والتركي اتفاقية مبادلة عملات مدتها ثلاث سنوات بقيمة 4.7 مليار دولار.

وكانت عملية التطبيع أبطأ مع مصر وأرسلت أنقرة وفدين دبلوماسيين إلى القاهرة في عام 2021 لمحاولة إصلاح الأضرار الناجمة عن خلافاتهما حول الصراع الليبي، والدعم التركي للإخوان، وخطط خط أنابيب البحر الأبيض المتوسط الذي سيتجاوز تركيا وأدى هذا إلى انفراج ولكن ليس إلى عناق، فكل من تركيا ومصر على دراية بنفوذ بعضهما البعض في المنطقة وحريصتان على تجنب التصعيد، خاصة في ليبيا وتتوقع القاهرة أن ترضخ أنقرة لمطالبها.