هل يساهم خط أنابيب "إيست ميد" في تخلص أوروبا من الاعتماد على الغاز الروسي؟
يواصل الاتحاد الأوروبي محاولاته لخفض وارداته من الغاز من روسيا، وبالتالي طفا على السطح مجددًا بين الموضوعات الأكثر مناقشة في قطاع الطاقة موضوع بناء خط أنابيب الغاز الطبيعي لشرق المتوسط (إيست ميد) بطول 1900 كيلومتر لربط احتياطيات الغاز قبالة السواحل المصرية وقبرص عبر اليونان وإيطاليا إلى أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين.
تأثير الغزو الروسي
وأصبح "إيست ميد" من المشاريع التي يوليها المراقبون والمحللون قدرًا كبيرًا من الاهتمام، وتكمن أهمية العودة لمناقشة المشروع في كونها تأتي بعد تصريحات أمريكية تشير إلى انخفاض حماس الإدارة الأمريكية لتنفيذ خط الأنابيب، ولكن تاريخ تلك التصريحات يعود إجمالاً إلى ما قبل نشوب الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير من العام الجاري، فقد جعل الغزو الروسي لأوكرانيا كل الطرق التي يمكن أن تقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي موضوعية وجديرة بالدراسة مرة أخرى.
ووفقًا لصحيفة "توتال كرواتيا نيوز" يعتقد الخبير الجيولوجي أفرام زيليديس الأستاذ في جامعة باتراس الكرواتية، وأحد المدافعين عن هذا المشروع، أن انصراف اهتمام واشنطن عن المشروع ليس له ما يبرره خاصة، وأنه من الممكن أن ينقذ اليونانيين لأن استمرار ارتفاع أسعار الوقود قد يدفع العديد من المواطنين إلى الفقر المدقع، ومن أجل المقارنة، فإن الشركات اليونانية هي الأكثر تعرضًا في الاتحاد الأوروبي للخسائر والإفلاس بسبب أزمة الطاقة، وفقًا لتحليل بنك الاستثمار الأوروبي.
وفي اليونان كذلك، كشفت دراسة تحليلية لبنك الاستثمار الأوروبي زيادة متوقعة بنسبة 27.6٪ في عدد الشركات التي أبلغت عن خسائر بسبب أزمة الطاقة.
تغطية احتياجات أوروبا
ويعتقد البروفيسور "زيليديس"، أن ثمة احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي والنفط قبالة شواطئ اليونان، ومع ذلك بدت السلطات اليونانية حتى الآن أكثر تحفظًا بشأن المشروع، وذكر الخبير أنه في المرحلة الأولى من مشروع إيست ميد، سوف يستطيع الاتحاد الأوروبي تغطية 10٪ من احتياجاته من الطاقة، وهذا الرقم مرشح للارتفاع كلما تم تنفيذ مرحلة إضافية من المشروع العملاق، ويبدو أن أسباب التحفظ هي معارضة شركات الشحن اليونانية التي تحقق ربحًا حاليًا من نقل إمدادات النفط المستوردة، بالإضافة إلى ذلك هناك بعض المخاوف البيئية.
ومع ذلك، قال رئيس شركة إيزو تيك ليمتد للأبحاث والاستشارات ومقرها نيقوسيا، إن كل خط أنابيب غاز يشكل خطرًا على البيئة البحرية، ولكن في هذه الحالة لم تعد القضية بيئية بل سياسية، في المقام الأول، وأضاف البروفيسور زيليديس إنه في المراحل اللاحقة، يمكن لخط أنابيب الغاز هذا أن يلبي 40٪ من احتياجات الاتحاد الأوروبي لإمدادات الغاز.
وتم دعم فكرة مشروع خط أنابيب إيست ميد من قبل المفوضية الأوروبية قبل تسع سنوات كأحد مشاريع المصلحة المشتركة، وفي عام 2019 وقعت اليونان وقبرص وإسرائيل اتفاقية تل أبيب في هذا الشأن.
يتم تطوير المشروع من قبل شركة آي جيه آي بوسيدون، وهو مشروع مشترك بنسبة 50:50 بين شركة بابليك جاز كوربوريشن، في اليونان، وشركة إديسون إنترناشيونال هولدنج الإيطالية، وفي عام 2020، أكدت إيطاليا اهتمامها بامتلاك فرع من خط الأنابيب يمر عبر أراضيها.
ومع ذلك، كانت هناك بعض المعارضة من تركيا للمشروع حيث تشكو أنقرة من أن خط الأنابيب المختار يتجاوز الساحل التركي الطويل لنقل الغاز من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا، كما تدعي تركيا أن مشروع خط الأنابيب يتجاهل حقوقها المتساوية في الموارد الطبيعية في المياه الإقليمية القبرصية.
الواقع الجيوسياسي الجديد وسوق الطاقة
في ضوء الواقع الجيوسياسي الجديد وتفاقم أوضاع سوق الطاقة، وفي 15 يونيو في القاهرة، وقعت المفوضة الأوروبية للطاقة كادري سيمسون، جنبًا إلى جنب مع الوزراء المصريين والإسرائيليين المختصين، مذكرة تفاهم ثلاثية بين الاتحاد الأوروبي ومصر وإسرائيل لتصدير المواد الطبيعية وبصفة خاصة الغاز إلى أوروبا.
وخلال مشاركتها في اجتماع قمة مبادرة البحار الثلاثة في ريجا، عاصمة لاتفيا، أشارت المفوضة سيمسون إلى أنه يمكن تغيير المشروع الأولي لإيست ميد، وفي هذا السياق أشارت إلى حقل غاز أفروديت، وهو أول حقل غاز يتم اكتشافه ومنحه رخصة إنتاج في شرق البحر الأبيض المتوسط، قبالة سواحل قبرص.
وقالت سيمسون في ريجا، إن هناك احتمالًا لربط حقل أفروديت للغاز، بعد أن يبدأ التشغيل، بمصر، ثم يتم نقل إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، مشيرة إلى أن إنشاء خط الأنابيب قد يستغرق المزيد من الوقت.
دور قبرصي
وخلال زيارته لقبرص في منتصف مايو، التقى رئيس الوزراء الكرواتي أندريه بلينكوفيتش، بالرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، الذي قال إن قبرص يمكن أن تساعد الاتحاد الأوروبي في تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة.
وشدد بلينكوفيتش على أن محطة الغاز الطبيعي المسال في جزيرة كرك سيكون لها دور كبير في تحقيق هذا الهدف وناقش المسؤولان أزمة الطاقة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتحدث أناستاسيادس عن مشاريع ربط الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، بين شمال إفريقيا وأوروبا، وعن خط أنابيب الغاز إيست ميد الذي يجب أن يربط قبرص بأوروبا عبر اليونان، وقال أناستاسيادس إن تلك الدولة الجزيرة اكتشفت في السنوات الأخيرة مخزونات كبيرة من الغاز البحري، ولا يزال المشروع المقترح قيد التحليل لاختبار جدواه الاقتصادية، كما قال في مؤتمر صحفي إنه يمكن أن يساعد في تنويع الطاقة في أوروبا.