مصر تتطلع لمزيد من النفوذ في البحر الأحمر وإدارة ملف السد الإثيوبي من خلال الصومال
حضر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي حفل تنصيب الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود في العاصمة الصومالية مقديشو، الذي يواجه مجموعة كبيرة من التحديات، وكان ذلك في 9 يونيو، في زيارة نادرة لمسؤول مصري من هذا النوع منذ عدة سنوات، وكان حضور مدبولي نيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى جانب الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، ورئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله، ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد.
وأكد الرئيس الصومالي في خطابه الافتتاحي أنه سيركز على تحقيق المصالحة الشعبية والاستقرار السياسي خلال فترة ولايته البالغة أربع سنوات، فقد ابتليت الصومال بالحرب الأهلية والتمرد والصراع بين العشائر المسلحة وسط غياب حكومة مركزية قوية منذ الإطاحة بحكم محمد سياد بري في عام 1991، وتعهد الرئيس بتبني سياسة خارجية محايدة، وعدم الانخراط في صراعات دولية وتحسين العلاقات مع الدول المجاورة.
كما أكد سعيه للتعاون الأمني مع المجتمع الدولي وخاصة دول القرن الأفريقي لمكافحة الإرهاب، وتولى محمود منصبه بعد تصويت البرلمانيين في منتصف مايو، متغلبًا على الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله، المعروف أيضًا باسم فارماجو وهذه هي المرة الثانية التي يُنتخب فيها محمود رئيسًا، وهو المنصب الذي شغله من 2012 إلى 2017.
يأتي ذلك فيما تعاني الصومال، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 15 مليون نسمة، من هجمات متكررة من قبل الميليشيات الإسلامية على مؤسسات الدولة وتتحمل الدولة المحورية في القرن الأفريقي أيضًا "العواقب المميتة" بسبب أسوأ موجة جفاف منذ 40 عامًا، والتي تهدد حياة 3.5 مليون صومالي، وفقًا للأمم المتحدة، ويتمثل أحد أهم التحديات، بالنسبة للرئيس الصومالي في أنه سيتعين عليه انتزاع السيطرة على جزء كبير من الصومال من فرع تنظيم القاعدة القوي في شرق إفريقيا المعروف باسم حركة الشباب، والذي عزز سيطرته من خلال الاستفادة من الصراع السياسي والعسكري المكثف، وألقى رئيس الوزراء مصطفي مدبولي كلمة نيابة عن الرئيس السيسي خلال حفل التنصيب، كما هنأ الرئيس الجديد، وأشاد بالروابط التاريخية والاستراتيجية بين البلدين الأفريقيين.
وجدد دعم مصر لجهود الصومال في ظل حكم محمود لتعزيز السلام والأمن في البلاد وتحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الإرهاب وقال مدبولي "مصر كانت في طليعة الدول التي اعترفت باستقلال الصومال عام 1960"، مؤكداً تطلع القاهرة لتعزيز التعاون المشترك مع الحكومة الصومالية في كافة المجالات، وفي لقاء جمعهما على هامش حفل الافتتاح، دعا مدبولي الرئيس الصومالي لزيارة مصر وأشار إلى أن السيسي أصدر توجيهات لتقديم كل ما يمكن من دعم ومساعدة للصومال في عدة مجالات أبرزها التنمية والأمن، وبعد يومين من انتخاب محمود، أشادت مصر بالنجاح في استكمال الانتخابات الصومالية. وأكد بيان بهذه المناسبة للخارجية المصرية أن هذه الخطوة مهمة لتحقيق الاستقرار في الصومال.
على الرغم من أن البيان لم يهنئ محمود رسميًا بفوزه، إلا أن حضور مدبولي حفل الافتتاح يعكس رغبة مصر في تعزيز علاقاتها مع مقديشو، وفقًا للخبراء الذين تحدثوا إلى صحيفة ديجيتال نيوز الكندية، وقالت فاندا فيلباب براون، زميلة معهد بروكينجز "إن مصر لديها مصلحتان أساسيتان في القرن الأفريقي، بما في ذلك الصومال: الأمن المائي لنهر النيل وحرية الملاحة والوصول الاستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر"، قال محمد عزالدين، رئيس مؤسسة النيل للدراسات الأفريقية والاستراتيجية، "إن الصومال له أهمية جيوسياسية لمصر وأمنها القومي، مضيفًا: "إن مصر تأمل في مد جسور التواصل مع الإدارة الصومالية الجديدة، في محاولة لتأمين مرور السفن وحركة التجارة الدولية في البحر الأحمر"، حيث تقع الصومال على الطرق المؤدية إلى البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهي البوابة الجنوبية للبحر الأحمر ومن هناك إلى قناة السويس.
على الرغم من رفض مصر محاولة تقسيم الصومال، إلا أنها حافظت على مستوى جيد من التنسيق مع أرض الصومال، وهي منطقة متنازع عليها مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، وانفصلت أرض الصومال عن الصومال وتعمل كدولة مستقلة عن الصومال منذ عام 1991 ومع ذلك، لم يتم الاعتراف بها دوليًا بعد وحاولت القاهرة مرارًا دعم الحوار بين طرفي الصراع في محاولة لتسوية الأزمة.
على مر السنين، عملت الصومال كحلقة وصل لتهريب الأسلحة والنشاط المتشدد الذي يؤثر على الشرق الأوسط وأفريقيا، بما في ذلك مصر ويثير نشاط حركة الشباب في البحر الأحمر مخاوف من إغلاق مضيق باب المندب الذي يهدد حركة وسلامة الملاحة البحرية الدولية، ويرى المراقبون أن زيارة مدبولي للصومال تعكس حرص مصر على توطيد العلاقات مع إدارة محمود بعد فترة من اللامبالاة في ظل حكم فرماجو،
وأشار جوشوا ميسيرفي، كبير محللي السياسات في إفريقيا والشرق الأوسط في مؤسسة التراث، إلى أن الرئيس الصومالي السابق فارماجو كان قريبًا من إثيوبيا وتركيا، وكلاهما على خلاف مع مصر، موضحًا "بالنسبة لإثيوبيا لأن سد النهضة الإثيوبي قد يهدد إمدادات مياه نهر النيل في القاهرة، وتركيا لأن مصر تعتقد أن الرئيس رجب طيب أردوغان يؤيد تنظيم الإخوان وتيار الإسلام السياسي الذي يهدد الدولة المصرية"، وقال مسيرفي إن فارماجو كان أيضًا حليفًا وثيقًا لقطر وفي يونيو 2017، قطعت مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين العلاقات الدبلوماسية مع قطر، مشيرة إلى دعم قطر للإرهاب وقرر فارماجو الوقوف إلى جانب قطر، التي يعتقد أنها مولت حملته الانتخابية في انتخابات عام 2017 التي أوصلته إلى السلطة.
قال محمد خير عمر، محلل سياسي إريتري نرويجي متخصص في القرن الأفريقي: "خلال حكم فارماجو، فقدت مصر وحلفاؤها الخليجيون نفوذهم هناك" ولكن يبدو أن محمود سوف يسير في اتجاه مختلف، وفي 19 يونيو، قام بزيارة دولة الإمارات العربية المتحدة في أول زيارة خارجية له منذ توليه منصبه، ولدولة الإمارات العربية المتحدة، حليف قوي لمصر، مصالح حيوية في منطقة أرض الصومال. تعمل شركة موانئ دبي العالمية المملوكة لحكومة دبي على تطوير وتوسيع ميناء استراتيجي في بربرة، الواقعة في المنطقة الانفصالية.
وخلال فترة رئاسته السابقة، أقام محمود علاقات طيبة مع القاهرة، التي زارها عدة مرات، وظل يزورها حتى نهاية فترة رئاسته، وإن كان ذلك بشكل غير رسمي، كما حضر تنصيب السيسي في صيف 2014. قبل عام، أعادت مصر فتح سفارتها في مقديشو بعد سنوات من العمل من العاصمة الكينية نيروبي، وأضاف عمر: "برئاسة وتوجه جديد، كان على مصر أن تستغل هذه الفرصة لتأكيد نفوذها علاوة على ذلك، تدهورت علاقات مصر مع إريتريا حليف مهم من حيث أمن البحر الأحمر حيث يمكن للصومال تعويض ذلك"، ومنذ وصوله إلى السلطة في عام 2018، عزز رئيس الوزراء الإثيوبي أحمد علاقاته مع إريتريا والصومال، والتي شكل معها تحالفًا ثلاثيًا وعقد أحمد في وقت لاحق عدة قمم ثلاثية جمعته مع الرئيس الصومالي آنذاك فارماجو والرئيس الإريتري أسياس أفورقي.
وتجسد هذا التقارب أكثر عندما تبنت إريتريا والصومال موقفًا متحيزًا لصالح إثيوبيا في نزاعها مع مصر والسودان حول سدها الكهرمائي، سد النهضة، الذي تبنيه أديس أبابا على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل وقال فيلباب براون إن الفتور بين مصر وفارماجو تجلى بالفعل في العام الأخير من حكمه، عندما استضافت مصر رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبل الذي يعد منافسًا سياسيًا رئيسيًا لفرماجو، وعليه يرى المراقبون أن فشل فارماجو في الفوز بإعادة انتخابه أمر إيجابي لمصر وأشار عمر إلى أن مصر بحاجة إلى دعم الصومال خلال فترة حكم محمود في الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والهيئات الإقليمية الأخرى فيما يتعلق بموقفها من سد النهضة.
فشلت المحادثات التي عقدت تحت رعاية الاتحاد الأفريقي منذ يونيو 2020 في التوسط في اتفاق لإنهاء الأزمة بين الأطراف الثلاثة. وبدلاً من ذلك، طالبت القاهرة والخرطوم أديس أبابا بالتوقف عن ملء خزان السد حتى يتم التوصل إلى اتفاق، وهو مطلب ترفضه إثيوبيا، ويبدو أن إثيوبيا تمضي في ملء خزان السد من جانب واحد للعام الثالث على التوالي في أغسطس وسبتمبر، في خطوة من المتوقع أن تصعد التوتر مع مصر والسودان، واختتم عمر بالقول: "من ناحية أخرى، لدى مصر أيضًا الكثير لتقدمه لمقديشو من حيث الاستثمار والدعم في محاربة مقاتلي الشباب وتعزيز مصالح الصومال دوليًا".