هل أصبح العرب في قبضة عقاقير الكبتاجون المنشطة؟
يقول الأطباء إن الكبتاجون كان في الأصل، منبهًا صِنَاعِيًّا يسمى الفينيثيلين وكانوا يصفونه لتنشيط الجهاز العصبي المركزي وزيادة اليقظة والتركيز، وظهرت مركبات الكبتاجون الدوائية في ستينيات القرن العشرين كبديل للأمفيتامين والميثامفيتامين ثم لجأ كثير لاستخدامه لعلاج اضطرابات النوم المزمنة، والتعب، والاضطراب السلوكي- ثم تم حظره بعد عقدين، في عام 1986، وكان السبب الرئيسي للحظر هو بعض خصائصه المسببة للإدمان.
وأشارت صحيفة "خليج تايمز" الإماراتية إلى أن مشكلة الكبتاجون الحقيقية بدأت منذ تاريخ حظره، فعلى الرغم من توقف إنتاجه، استمر تصنيعه بوسائل غير قانونية وانتشر على نطاق واسع وتقدم سريعًا إلى يومنا هذا، وقد أصبح الكبتاجون يمثل خطرًا في بعض بلدان الشرق الأوسط بما في ذلك سوريا والأردن ولبنان، بينما تعتبره دول أخرى دواء من المحتمل أن يتحول إلى تهديد خطير للصحة العامة، بالنظر إلى الافتقار إلى البنية التحتية لمكافحة الإدمان ويعد إدمان المخدرات ظاهرة جديدة نِسْبِيًّا في هذا الجزء من العالم، لذا فإن الدراية بالتعامل مع معضلة الإدمان لا تزال في مراحلها الأولى.
وفقًا لدراسة أجراها معهد نيولاينز، فإن تجارة الكبتاجون تمثل قطاعًا اِقْتِصَادِيًّا غير مشروع سريع النمو في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، ويؤكد تقرير نيولاينز: "بينما كانت قيمة تجارة مركبات الكبتاجون تقدر ب 3.46 مليارات دولار في عام 2020، بناءً على المضبوطات واسعة النطاق وحدها، فإن القيمة المحتملة لتجارة التجزئة في عام 2021 تقدر بأكثر من 5.7 مليارات دولار"، وتحوّلت أنماط إنتاج الدواء في سوريا "من العمليات الصغيرة والمجزأة في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة إلى العمليات الصناعية في حاويات حتى أن للكبتاجون وُصف بأنه "سلاح سوري إيراني جديد يهدد المنطقة".
وقفزت الجماعات الإرهابية على اللعبة سواء لاستهلاك العقاقير أو بغرض تهريبها لكسب المال وفي الواقع، فإن ما كان ذات يوم دواء، تحول إلى سم يهدد الأجيال وهو الضرر الجانبي الأكثر وضوحًا كما أنه يجعل علاقات الجوار- الهشة بالفعل بسبب الإرهاب والاستبداد- أكثر توتراً، وأشارت الصحيفة إلى أن الافتقار إلى آلية إقليمية فاعلة للتعامل مع التحدي الذي تمثله هذه العقاقير بشكل جماعي يجعل من الصعب تعطيل الشبكات الإجرامية الضالعة في تجارة المخدرات.
وتابت الصحيفة:" يبدو أن الظروف ليست مثالية للبلدان التي يواجه فيها الشباب بالفعل خيارًا مروعًا للبقاء يقظين أو البقاء على قيد الحياة، وبصفة خاصة في البلدان التي عانت أو لا تزال تعاني من الصراعات الوحشية منذ عقود، قمة مراهقين أجبروا على أن يصبحوا جنودًا وأطفالا ومرتزقة، ومعظمهم يعتمدون على مركبات الكبتاجون المنشطة".
ويقدر مكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة أن ما يقرب من 36.3 مليون شخص يحتاجون إلى العلاج من اضطرابات تعاطي المخدرات على مستوى العالم. ومع ذلك، فإن واحدًا فقط من كل ثمان محتاجا يحصل على العلاج، ووفقًا للمديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة، غادة والي، فقد دفعت جائحة كوفيد - 19 أكثر من 100 مليون شخص إلى الفقر المدقع، مما أدى إلى تفاقم البطالة وعدم المساواة بشكل كبير، حيث فقد العالم 114 مليون وظيفة في عام 2020 وتقول واليا في تقرير المخدرات العالمي لعام 2021: المزيد من الأشخاص المعرضين لتعاطي المخدرات والانخراط في زراعة المحاصيل غير المشروعة.
لم يظهر الخطر في المنطقة أكثر من الحدود بين الأردن وسوريا ولا يمكن للدولتين أن تتفقا بشأن موضوع تهريب المخدرات المستمر منذ بعض الوقت، وينمو في نطاقه وكثافته ويحتمل أن يخرج عن نطاق السيطرة وفي ظل هذه الظروف الأليمة، ليس لدى الجانبين خيار سوى تجميع مواردهما واستخدام مهارات التفاوض وإيجاد حلول جماعية ومعالجة تدفق الأموال لأن المخدرات والإرهاب يبدو أنهما يتغذيان على بعضهما البعض.
بدا أن الأمور قد خرجت عن السيطرة في ديسمبر من العام الماضي عندما تم اعتراض شحنة برتقال تبين أن الفاكهة فيها لم تكون سوى ستار يخفي خلفه ما يقرب من تسعة ملايين حبة كبتاجون، وكانت الشحنة "متوجهة إلى دولة خليجية"، وتم استيقافها في ميناء بيروت، وأشارت التقارير إلى أن معظمها كان مقيدًا للاستخدام الترفيهي غير القانوني، ومنذ ذلك الحين شددت السلطات الأردنية، وهو وجهة وطريق عبور للكبتاجون، "قواعد الاشتباك" مع المهربين.
في وقت سابق من هذا العام، قالت السلطات الأردنية إن 160 مجموعة من اَلْمَتْجَرَيْنِ تعمل في جنوب سوريا بالقرب من حدودها وأكدت أنه تم فتح قنوات أمنية للتواصل مع دمشق، وخلال الشهرين الأولين من عام 2022، قتل الجيش الأردني 30 مهربًا وأحبط محاولات تهريب 16 مليون حبة كبتاجون إلى البلاد من سوريا وكان هذا عددًا أكبر من عدد الحبوب التي تمت مصادرتها في عام 2021 بأكمله، وليس من المستغرب أن يصف ضابط أردني كبير التهديد بأنه "حرب غير معلنة".
وفي الإمارات العربية المتحدة، استحوذت المضبوطات المتكررة على مخدرات بقيمة 135 مليون درهم في عام 2022 وحده وتعاملت السلطات مع 201 قضية تهريب وترويج للمخدرات خلال نفس الفترة ويصف برنامج "الكابينة" وهو برنامج علاج الإدمان في المملكة العربية السعودية، الكبتاجون بأنه "يسبب الإدمان بدرجة كبيرة" وتأتي عقاقير مثل هذه الأدوية في جميع الأشكال والأحجام وتتطلب جهودًا جماعية ومتضافرة.