روسيا وتركيا أكبر مستفيدتان من أزمة الغذاء العالمية
بينما تخشى العديد من الدول حدوث أزمة غذاء عالمية، بسبب تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، التي انطلقت في 24 فبراير الماضي، ولا تزال تدور رحاها من دون أي مؤشرات تلوح في الأفق حول حلول قريبة لتلك الأزمة؛ في ظل تحول الصراع إلى حرب بالوكالة بين الدول العربية من جهة، وروسيا من جهة أخرى.
وفقًا لإذاعة أوروبا الحرة، قبل العملية العسكرية الروسية، كانت أوكرانيا تصدر 4.5 مليون طن من المنتجات الزراعية شهريًا عبر موانئها (يمثل 12% من الاستهلاك العالمي للقمح) كما تصدر بنحو 15 % من الذرة ونصف زيت عباد الشمس العالمي.
لكن بعد حصار روسيا لموانئ أوكرانيا في البحر الأسود، منع ذلك أوكرانيا من تصدير الحبوب، مما أضر بالاقتصاد الأوكراني من جهة، وهدد بإغراق العالم في أزمة غذائية جديدة. ولا تزال السفن الحربية الروسية، تغلق موانئ أوديسا وتشورنومورسك وموانئ أخرى في البحر الأسود، لذلك لا يمكن نقل الحبوب إلا عبر طرق برية مزدحمة وغير فعالة.
وفق تقارير عالمية فإن السعة البديلة المحدودة والطرق البرية المتاحة فقط، لا يمكن نقل 90 في المائة من صادرات الحبوب من أوكرانيا، ووفق منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، يوجد 25 مليون طن من الحبوب في صوامع في الموانئ الأوكرانية. هذا له تداعيات كبيرة على إمدادات الغذاء في العالم. كما وصلت أسعار الحبوب العالمية إلى أعلى مستوى لها.
مكاسب ومنافع
وبينما تسود حالة من الفزع خوفًا من اندلاع تلك الأزمة العالمية في الغذاء، في ظل تقارير تفيد بارتفاع عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد في العالم من 135 مليونًا في عام 2019 إلى 276 مليونًا الآن، تحاول جميع الأطراف الضالعة في الأزمة تحقيق أكبر مكاسب شخصية جراء أزمة الغذاء.
يتمثل أحد الأهداف السياسية لروسيا في الحصول على ما تريده في أوكرانيا من خلال إبقاء خطر أزمة الغذاء على جدول الأعمال وإجبار المجتمع الدولي على قبول الشروط التي وضعتها لأوكرانيا.
رفضت الولايات المتحدة دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للغرب برفع عقوباته الاقتصادية مقابل الإفراج عن السفن التي تحمل الغذاء والأسمدة من أجل تخفيف أزمة الغذاء التي تلوح في الأفق على مستوى العالم.
اقتراح روسي
كان الكرملين في بيان إثر اتصال الخميس 26 مايو بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، أن بوتين شدّد على أنّ روسيا الاتّحادية جاهزة لتقديم مساهمة كبيرة لتخطّي أزمة الغذاء من خلال تصدير الحبوب والأسمدة، شرط رفع القيود الغربية ذات الدوافع السياسية. واعتبر بوتين أنّ تحميل روسيا مسؤولية مشاكل الإمدادات الغذائية في السوق العالمية لا أساس له.
وفي وقت سابق، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إنه يمكن السماح باستئناف تصدير الحبوب من أوكرانيا في حال ما تم رفع العقوبات المفروضة ضد روسيا.
فيما أعلنت روسيا الجمعة أنها تعمل بهدف تصدير خمسين مليون طن من الحبوب في الموسم المقبل، في زيادة كبيرة عن الموسم الحالي، علما أن صادرات الحبوب الروسية تراجعت حاليا بسبب العقوبات التي تضرب الشبكة اللوجستية والقطاع المالي بينما يشل هجوم الجيش الروسي صادرت أوكرانيا.
لا نية لتخفيف العقوبات
من جهته نفى البيت الأبيض وجود أي محادثات بشأن تخفيف العقوبات على روسيا من أجل ضمان استئناف صادرات القمح.
قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير لقد كان الحصار البحري الروسي وليس العقوبات هو ما منع شحن أطنان من المنتجات. وتابعت جان بيير ليس هناك حاليا أي مناقشات بشأن رفع العقوبات. وأضافت ليس هناك محادثات، هذا من صنيع روسيا. وطالبت جان بيير روسيا بوقف حربها على أوكرانيا فورا والتي كان لها تأثير على الأمن الغذائي العالمي.
استخدام الغذاء كسلاح
من جانبه اتّهم المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) جون كيربي روسيا باستخدام الغذاء سلاحاً، وقال كيربي إنّهم يستخدمون الطعام سلاحاً، وأضاف نجري نقاشات مع... شركائنا وحلفائنا الدوليين حول أفضل السبل للردّ على كلّ هذا.
وفي كييف ندد وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا بالاقتراح الروسي، معتبرًا إياه ابتزازاً، ودعا إلى وقف الصادرات الروسية باستثناء بعض المنتجات الأساسية التي يحتاج إليها العالم.
فيما قالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس إن بوتين يحاول فرض فدية على العالم من خلال استخدام أزمة الغذاء التي تسببت فيها حربه على أوكرانيا كسلاح.
محاولات إيطالية
كان رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي قد أجرى اتصالا مع الرئيس الروسي وقال في مؤتمر صحفي إن الغرض منها هو معرفة ما إذا كان من الممكن القيام بشيء ما للإفراج عن القمح الموجود اليوم في المخازن في أوكرانيا.
اقترح دراغي تعاونا بين روسيا وأوكرانيا لفتح موانئ البحر الأسود حيث يوجد القمح المعرض لخطر التعفن، وذلك من جهة لإزالة الألغام من هذه الموانئ ومن جهة أخرى لضمان عدم وجود اشتباكات أثناء إزالة الألغام.
أوضح دراغي أنه لمس لدى الجانب الروسي استعدادا للمضي في هذا الاتجاه، وأنه سوف يتصل بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لمعرفة ما إذا كانت هناك إرادة مماثلة, وختم قائلاً إذا سُئلت إن رأيت أيّ بصيص أمل في السلام، فإنّ الجواب هو لا.
تركيا مستفيد
أزمة الغذاء توفر للرئيس التركي رجب أردوغان فرصة جديدة من أجل إطالة حياته السياسية؛ إن إطالة الحياة السياسية لأردوغان، الذي أطلق عليه بوتين حصان طروادة في وسائل الإعلام الغربية بسبب معارضته لفنلندا وعضوية السويد في الناتو، أمر ضروري ليس فقط لنفسه ولكن أيضًا لروسيا وبوتين.
وفق موقع "أحوال التركية" حصل أردوغان، الذي تولى دور الوسيط في الأزمة الأوكرانية ويواصل علاقاته مع كلا البلدين، على تقدير جزئي لهذا الدور من دول الناتو والاتحاد الأوروبي، وبسبب الأزمة التي سببها التهديد باستخدام حق النقض ضد محاولات فنلندا والسويد للانضمام إلى الناتو، يحاول الآن استعادة صورته في عيون الدول الغربية؛ إذ يدعم بوتين جهود أردوغان الدبلوماسية لحل أزمة الحبوب في أوكرانيا لأن بوتين يريد إبقاء أردوغان في الكتلة الغربية واستخدامه لأغراضه الخاصة داخل الناتو إذا لزم الأمر.
حتى الآن، دعمت محاولة أردوغان ابتزاز الناتو والاتحاد الأوروبي أهداف بوتين وكذلك أهدافه السياسية، ودوره في حل أزمة الغذاء يمكن أن يجعل أردوغان عنصرا رئيسيًا في حل المشكلات مرة أخرى.
تُظهر المحادثات الهاتفية التي أجراها أردوغان في 30 مايو، مع بوتين أولاً ثم مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والبيانات التي تم الإدلاء بها بعد ذلك أنه تم إحراز تقدم ملموس في هذا الصدد.
التقى اليوم رئيس الاتحاد الافريقي ( رئيس السنغال) ماكي سال مع الرئيس بوتين لبحث موضوع تصدير الحبوب من اوكرانيا. لعله من المناسب ايضا ان يعقب هذا لقاء عربي مع الرئيس الروسى للتوصل الى حل يساعد فى تجنب ازمة الغذاء. https://t.co/NwVz7DFjnJ
— Mohamed ElBaradei (@ElBaradei) June 3, 2022
اقتراح البرادعي
في السياق، اقترح محمد البرادعي، الأمين العام للوكالة العالمية للطاقة الذرية، ونائب الرئيس المصري السابق، المستشار عدلي منصور، اجتماعا عربيا مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أعقاب لقاء رئيس السنغال، ماكي سال مع بوتين، لبحث تصدير الحبوب من أوكرانيا.
وعلى حسابه في "تويتر"، أعاد محمد البرادعي نشر تغريدة سابقة له كان قد قال فيها في 29 مايو: "فى تقديري أنه من الأهمية بمكان أن يتجه وفد على أعلى مستوى من إفريقيا والدول العربية إلى روسيا وأوكرانيا من أجل ضمان فتح الموانئ في البلدين لتصدير المواد الغذائية إلى إفريقيا والشرق الأوسط في إطار القانون الدولي الإنساني لحماية المدنيين، وبعيدا عن أي اعتبارات سياسية".
وعلق البرادعي على هذه التغريدة باقتراح جديد، حيث قال: "التقى اليوم رئيس الاتحاد الإفريقي (رئيس السنغال) ماكي سال مع الرئيس بوتين لبحث موضوع تصدير الحبوب من أوكرانيا، لعله من المناسب أيضا أن يعقب هذا لقاء عربي مع الرئيس الروسي للتوصل إلى حل يساعد في تجنب أزمة الغذاء".