زيارة الرئيس الجزائري لأنقرة تفتح الباب أمام النفوذ التركي في شمال أفريقيا
تتطلع أنقرة للحصول على مطلق الحرية في لعب دور مشابه للدور الذي كانت تفكر فيه باريس في شمال وغرب إفريقيا، والذي غالبًا ما عارضته الجزائر على أساس السياسات المناهضة للاستعمار، ونقلت صحيفة آراب ويكلي التي تصدر في لندن عن محللين سياسيين جزائريين قولهم إن زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لتركيا التي استمرت ثلاثة أيام وانتهت الثلاثاء مهدت الطريق لأنقرة لتوسيع نطاق نفوذها في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
ووفقًا للمحللين، ستسمح الاتفاقات واسعة النطاق الموقعة أثناء زيارة تبون، والتي تغطي مجالات التعاون الأمني والعسكري، لتركيا باستخدام الجزائر كنقطة انطلاق للأنشطة في المنطقة الأفريقية الأوسع وممارسة قدر أكبر من النفوذ في ليبيا وتونس المجاورتين، ويقولون إن أردوغان أغرى الجزائر بمجموعة متنوعة من المشاريع التجارية والاستثمارية على الرغم من أن إطلاق مثل هذه المشاريع قد يواجه تحديات ضخمة، كما أن الاقتصاد الجزائري المعتمد على النفط والذي يعاني من سوء الإدارة بشكل مزمن معرض لخطر إغراقه بالخبراء الأتراك، كما هو الحال مع تونس المجاورة منذ عام 2011، وبالتالي تعميق مأزق الجزائر من حيث خلق فرص العمل وضمان الاكتفاء الذاتي المحلي.
ووقعت الحكومتان الجزائرية والتركية 15 اتفاقية تعاون تغطي مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية والدبلوماسية وتشمل مجموعة واسعة من القطاعات بما في ذلك التعدين والصناعة والتجارة والبيئة وحتى إنشاء مدرسة دولية تركية في الجزائر، وفتح مراكز ثقافية في كلا البلدين ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، ويبدو أن التعاون العسكري بين البلدين يتعارض مع الاستراتيجية العسكرية الجزائرية القديمة القائمة على الاعتماد شبه الكامل على الأسلحة الروسية.
بالاستفادة من رغبة الجزائر الكامنة في تنويع مصادر أسلحتها، ستحاول تركيا تسويق منتجاتها من الصناعات الدفاعية، في غياب أي أسلحة جزائرية محلية الصنع ولكن هذا التحول قد يؤدي إلى توترات مع روسيا، التي لن تقبل أي سياسات غير متسقة من جانب الجزائر، خاصة فيما يتعلق بامتلاك الأسلحة أو إمدادات الغاز، وسيمكن الاتفاق الثنائي لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الجزائر من طلب تسليم نشطاء سياسيين معارضين مطلوبين للسلطات التركية، ولم يعترض الأتراك في السابق على تسليم الجزائر ناشطين لجأوا إلى أراضيها وكان أحدهم ضابط في الجيش الجزائري وحليف مقرب لقائد الجيش السابق، سلمته تركيا إلى الجزائر في 2020، وحُكم عليه بالإعدام في وقت سابق من هذا الشهر بتهمة الخيانة العظمى.
مثُل جيرميت بونويرة، المعروف بأنه قريب من قائد الجيش الراحل أحمد قايد صالح، الأسبوع الماضي أمام محكمة استئناف حيث أدين بقائمة من التهم بما في ذلك الكشف عن معلومات سرية لأطراف ثالثة أو دول والإضرار بمصالح الجيش الجزائري، وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في مؤتمر صحفي مشترك مع أردوغان، إنه واثق من أن مستوى الاستثمارات التركية في بلاده سيرتفع إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات القليلة المقبلة ومتفائلا ببناء شراكة اقتصادية في المجالات الاستراتيجية بين البلدين، وأضاف تبون أن الاتفاقات الموقعة "ليست محدودة في الوقت أو القيمة" وأن الجزائر "تطمح إلى اتخاذ خطوات مهمة مع تركيا في مجال الصناعة، وخاصة البحرية سواء العسكرية أو المدنية".
وهذه الزيارة هي الأولى من نوعها للرئيس الجزائري منذ انتخابه رئيسا في 2019 والأولى لتركيا من قبل رئيس جزائري منذ 17 عاما وستساعد الاتفاقات الجزائر على تخفيف العزلة التي واجهتها بلاده في السنوات الأخيرة نتيجة السياسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنكسات الدبلوماسية المرتبطة بإدارتها لنزاع الصحراء الغربية.
وقال الرئيس التركي إن بلاده والجزائر "عازمتان على تعزيز التعاون في الصناعات الدفاعية، خاصة أن تركيا والجزائر، اللتين تلعبان دورًا مهمًا في ضمان السلام والاستقرار في القارة الأفريقية"، وأشار إلى أن "البلدين قررا إنشاء مجلس تعاون رفيع المستوى للارتقاء بالعلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد، وأن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين قد وصلت إلى مستوى غير مسبوق" رغم تفشي وباء كورونا وزاد حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 35 في المائة مقارنة بعام 2020، وبلغ مستوى 4.2 مليار دولار كما وضع البلدان هدفاً جديداً لحجم التبادل التجاري من 5 مليارات دولار في عام 2020 إلى 10 مليارات دولار في الفترة المقبلة ".
وصف أردوغان الجزائر بأنها إحدى بوابات إفريقيا، وأعرب عن ثقته في أن وجود 1400 شركة تركية سيكون بمثابة "القاطرات الاقتصادية" للمساعدة في تنويع وتقوية الاقتصاد الجزائري في القطاعات العسكرية والاقتصادية والتجارية والثقافية والسياحية، وفاءً لتقاليدها المتمثلة في استخدام تراثها العثماني كوسيلة لتعزيز قوتها الناعمة.
حرصت تركيا على أن تضمنت اتفاقيات السياحة والثقافة المبرمة بين البلدين ترميم آثار العصر العثماني في الجزائر وفي حين أشاد أردوغان "بالدور الذي يقوم به الأشقاء الجزائريون في كل إفريقيا، وخاصة شمال القارة ومنطقة الساحل".
وشدد أردوغان، على أن "تركيا تعمل على تعزيز التعاون مع كل الأشقاء في إفريقيا على أساس الشراكة والمتبادلة والربح للجميع، وتعزيز التنمية الاقتصادية والسلام والاستقرار السياسي والاجتماعي في القارة".