ضجيج تركي.. أردوغان يبتز فنلندا والسويد بـ"حق النقض في الناتو" لتحقيق 6 مكاسب عملاقة
كعادته لم يفوت الرئيس التركي رجب أردوغان، الفرصة من دون تحقيق مكاسب لنظامه، على خلفية رغبة فنلندا والسويد، الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو".
الدولتان الاسكندينافيتان، التزمتا إلى حد ما بمبدأ الحياد منذ أن قررتا الانفصال عن الاتحاد السوفيتي العام 1991، لكن الحرب الروسية على أوكرانيا، غيرت كثيرًا من توجهات وانطباعات الداخل في الدولتين إلى الدرجة التي لم يتم رصد أي تحفظات على موافقة البرلمان في البلدين على خطوة الانضمام للنانو.
كانت روسيا في بداية حربها على أوكرانيا، قالت إنها تقترح على أوكرانيا نموذج الحياد السويدي، في مقابل وقف الهجوم، لكن كييف رفضت ذلك جملة وتفصيلًا، وأصرت على خطوة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ومن ثم إلى حلف الناتو.
حق النقض
تهدد تركيا العضو في حلف الناتو، باللجوء إلى ما يعرف بـ"حق النقض"؛ لوقف عملية دخول الدولتين (فنلندا والسويد)، فحق النقض يمنحها القدرة على وقف أي توسيع للتكتل؛ لكون القرار في التحالف يتم اتخاذه بإجماع أصوات الدول الـ30 المنضوين حاليًا تحت حلف الناتو.
أردوغان اعترض بشدة على ترشح فنلندا والسويد متعهدا بأن بلاده لن تسمح بانضمامهما واتهمها بتوفير ملاذ آمن لمن وصفهم بـ "الإرهابيين"، وغالبا ما تشكل تركيا الاستثناء في قضايا خلافية داخل الناتو وتسعى لإظهار موقعها ودورها كدولة وازنة من خلال إثارة ضجة إعلامية يعتقد أنها ستتلاشى بسرعة خاصة وأنه ليس من مصلحة أردوغان الذي يكابد للخروج من كومة أزمات قبل الانتخابات المقررة في 2023، أن يفتح جبهات مواجهة جديدة.
كان الحلف الأطلسي أكد أن البلدين سيكونان موضع ترحيب، لكن أردوغان أثار شكوكا حول احتمال التوصل إلى إجماع بدون صعوبة، فقد عبر عن رفضه منح عضوية حلف الأطلسي لهذين البلدين، مشددا على أنهما "مأوى لإرهابيي حزب العمال الكردستاني" الذي تصنّفه أنقرة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منظمة إرهابية.
مبررات أردوغان
يقول أردوغان إن تركيا لن توافق على مساعي السويد وفنلندا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، واصفا السويد بأنها "مفرخة" للمنظمات الإرهابية، مضيفا أن لديها إرهابيين في برلمانها.
فيما قالت رئيسة الوزراء السويدية ماجدالينا أندرسون، إن حكومتها قررت رسميا التقدم بطلب للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد يوم من تأكيد الرئيس الفنلندي سولي نينيستو أن هيلسنكي ستتقدم بطلب مماثل.
وفاجأت تركيا السويد وفنلندا الأسبوع الماضي بقولها إنها لن تنظر إلى طلباتهما بإيجابية، مستشهدة بشكل أساسي بتاريخهما في استضافة أعضاء جماعات تعتبرها أنقرة إرهابية.
وقال أردوغان "لا يوجد لدى أي من هاتين الدولتين موقف واضح ومفتوح تجاه التنظيم الإرهابي. كيف يمكننا أن نثق بهما؟". وتساءل: "كيف نثق بهما؟ السويد هي حاضنة التنظيمات الارهابية (...) لن نتنازل في شأن انضمام أولئك الذين يفرضون عقوبات على تركيا إلى حلف شمال الأطلسي".
وتقول أنقرة إن السويد وفنلندا تأوي أشخاصا تقول إنهم مرتبطون بجماعات تعتبرها إرهابية، مثل جماعة حزب العمال الكردستاني (ب.ك.ك) وأتباع فتح الله كولن، الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة انقلاب عام 2016.
وقالت وزارة الخارجية السويدية في وقت سابق اليوم إن كبار ممثلي السويد وفنلندا يعتزمون التوجه إلى تركيا لإجراء محادثات لبحث اعتراضات أنقرة، بينما رفض أردوغان الزيارة، وقال: هل يأتون لإقناعنا؟ معذرة.. فينبغي ألا يتعبوا أنفسهم". وأضاف: "حلف الأطلسي سيصبح مكانا يتركز فيه ممثلو المنظمات الإرهابية" إذا انضم البلدان.
ماذا يريد أردوغان؟
اعتاد أردوغان اقتناص الفرص، وتحقيق أقصى مكاسب لنظامه، لتعزيز موقفه في الشارع التركي الذي يأن من وطئة أزمات اقتصادية متتالية، فضلًا عن قرب انعقاد الانتخابات البرلمانية.
أردوغان يريد إحداث أكبر ضجة إعلامية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، فهو سيتعرض لضغوط للاستسلام؛ لأن فنلندا والسويد وفق رؤية حلف الناتو ستعززان من قوة الحلف بشكل كبير في بحر البلطيق.
وفي أول تلميح على نوايا أنقرة التي تريد تحقيقها من التحرك الأخير الناتو، أفادت وكالة أنباء الأناضول شبه الرسمية أن تركيا تأخذ بشكل خاص على السويد وفنلندا عدم الموافقة على طلبات تسليم أشخاص تتهمهم بأنهم أعضاء "في منظمات إرهابية" في إشارة إلى جماعة "فتح الله جولن" وأشخاص من حزب "العمال الكردستاني".
إن أردوغان على الأرجح يريد انتزاع مكاسب سياسية وأمنية من الدولتين بما يشمل أولا تضييق الخناق على حزب العمال الكردستاني وثانيا رفع الحظر المفروض من فنلندا والسويد على الصادرات التركية.
من جانب آخر، تنتقد تركيا السويد لأنها علقت أي مبيعات أسلحة معها منذ 2019 ردا على العملية التركية في شمال سوريا. ووفق ما هو معلن فإن أنقرة ترغب في اقتناء شحنة من طائرات "ساب" المقاتلة (Saab) السويدية وبعض المركبات المدرّعة الفنلندية، لكن التعليق الأخير عرقل المساعي التركية.
هذا على صعيد المكاسب التي ربما تريد تركيا تحقيقها من الدولتين فنلندا والسويد، أما المكاسب التي يريد أردوغان تحقيقها من الدول الأوروبية، وخاصة أمريكا، رفع العقوبات التي تم فرضها على أنقرة بعد شرائها منظومة الصواريخ الروسية "إس-400".
فضلًا عن رغبته في ضخ المزيد من الاستثمارات في الداخل التركي في محاولة لإنعاش قيمة الليرة التي تتهاوى أمام سعر صرف الدولار الأمريكي. وربما يستغل أردوغان الحدث في إعادة فتح ملف بلاده الراغبة في دخول الاتحاد الأوروبي.
موقف أمريكي
مما يصعب من قدرة أنقرة على منع انضمام هلسنكي وستوكهولم لحلف الناتو، وجود دعم كبير من باقي أعضاء الحلف وعلى رأسهم، الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أبدى في المقابل دعما أميركيا غير مسبوق لمسعى الدولتين الاسكندينافيتين الانضمام للناتو، فيما يعتزم استقبال رئيسة الوزراء السويدية ماغدالينا أندرسن والرئيس الفنلندي ساولي نينيستو غدًا الخميس في البيت الأبيض كما أعلنت الناطقة باسمه كارين جان-بيار في بيان الثلاثاء.
قالت جان – بيار: "سيبحثون ترشيحي فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، والأمن الأوروبي وكذلك الدعم لأوكرانيا في ظل الهجوم الروسي عليها".
وقامت السويد وفنلندا اللتان كانتا تاريخيا مع عدم الانحياز، بانعطافة تاريخية منذ اجتياح روسيا لأوكرانيا ما أدى إلى تغير كبير في الرأي العام في البلدين.
وفي ختام جلسة برلمانية استمرت يومين، اعتمد البرلمان الفنلندي الثلاثاء مشروع انضمام البلاد إلى الحلف الأطلسي بغالبية ساحقة: 188 صوتا مقابل 8 ومن دون امتناع اي عضو عن التصويت، بحسب نتيجة الاقتراع.
وقال وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو للتلفزيون بعد التصويت "إنها نتيجة استثنائية، لم أكن أتوقع مثل هذه النتيجة. التصويت واضح، لا مناقشات بعد الأحد، هذا المساء سنوقع رسالة الترشح لعضوية حلف شمال الأطلسي"، مضيفا أن هذا الأمر سيحصل "بدون شك" الأربعاء.
وستوكهولم مستعدة أيضا حيث وقعت وزيرة الخارجية آن ليند صباح الثلاثاء وثيقة الترشيح خلال حفل.
ورسميا على المرشح لعضوية الحلف إرسال ملفه إلى مقر المنظمة في بروكسل لبدء مفاوضات وتتطلب الموافقة على الطلب إجماع الأعضاء الثلاثين الحاليين.