كيف تنظر المعارضة التركية لزيارة أردوغان إلى الرياض؟
في مقال نشرته صحيفة أحوال التركية نقلا عن صحيفة يتكن، سلط ناميك تان، سفير تركيا السابق لدى الولايات المتحدة، الضوء على علاقات تركيا مع العالم العربي في ظل التطورات الأخيرة في أوكرانيا وبصفة خاصة ما طرأ على تلك العلاقات على مستوى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر.
ويعتقد تان أن الأيام الصعبة لا تزال بانتظار تركيا بسبب إصرار الحكومة على مضاعفة ردود الفعل الاستبدادية في الشؤون الداخلية بينما اختارت البراجماتية المتطرفة في العلاقات الخارجية، وسيشهد العام الانتخابي القادم خطاب إنقاذ الدولة لتبرير الضغط المتزايد على الديمقراطية.
وأشار المقال إلى جذور العلاقات التركية العربية منذ زيارة رئيس الوزراء التركي الساب عدنان مندريس إلى بغداد في عام 1955، بدعوة من رئيس الوزراء العراقي السابق نوري سعيد باشا، ولم يكن نوري سعيد غريباً عن تركيا، فقد تخرج في الأكاديمية العسكرية العثمانية، وكان يتمتع بعلاقة شخصية وثيقة مع مندريس وكان ميثاق بغداد الموقع في ذلك الوقت رمزًا للصداقة العربية التركية.
وكانت تركيا، بالتنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة وبريطانيا، تحاول جاهدة إقناع جيرانها العرب بالدخول في اتفاقية دفاع للشرق الأوسط يتصورها حلفاؤها في الناتو، ولكن تجاهلت تركيا عمومًا الدول العربية منذ ذلك الوقت، ولسوء حظ تركيا، نظرت العديد من الدول العربية البارزة، تحت القيادة المصرية، إلى جهود تركيا على أنها محاولة لإحياء الإمبراطورية العثمانية وكانت تحركات أنقرة مصدر استياء، ثم عارضت مصر علناً الجهود التركية ونجحت في قلب الرأي العام العربي ضد معاهدة الدفاع عن الشرق الأوسط وقضت على الفكرة التركية التي كانت تسعى للهيمنة.
وعلق المقال على زيارة أدوغان الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، مبرزا معاناة تركيا من العزلة الإقليمية التي طال أمدها وشهرتها في العالم العربي كدولة معتدية بسبب سياساتها الخاطئة تجاه كل من سوريا والعراق، ومسؤوليتها عن مرور آلاف التكفيريين إلى البلدين عبر حدودها مع جيرانها العرب بينما اتخذت الحكومة بعض الخطوات لإنقاذ تركيا من هذه العزلة التي فرضتها على نفسها، إلا أنها فعلت ذلك من خلال انتهاك الكثير من المبادئ، فقد ترك اليأس الناجم عن الركود الاقتصادي والسياسات النقدية المعيبة حكومة أردوغان أمام القليل من الخيارات ويعتبر التراجع الأخير والارتفاع اللاحق في العلاقات الثنائية مع المملكة العربية السعودية هو المثال الأكثر وضوحا على افتقار الحكومة للكفاءة الدبلوماسية والمهارات الأساسية في السياسة الخارجية، بل أصبحت الحكومة ضحية لسياساتها العاطفية وقصر نظرها، وأظهرت تناقضًا كبيرًا مع تكلفة خطيرة تحملتها مصداقيتها.
تفاقم انعدام الثقة في حكم القانون التركي بسبب الإدانة الأخيرة لرائد الأعمال الناشط عثمان كافالا؛ وحكم يتعارض مع كل مبدأ من مبادئ القانون الجنائي العالمي كما يتضح من حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الذي اختار أردوغان تجاهله، ومن أجل التقارب مع المملكة العربية السعودية، اختار أردوغان التضحية بمبادئه وكذلك الحقوق الأساسية العالمية، وقد يكون لإصلاح العلاقات مع المملكة العربية السعودية بعض الفوائد الاقتصادية المحدودة لتركيا، لكن سيكون له أيضًا تكاليف سياسية كبيرة فهناك تنافس لا نهاية له بين تركيا والدول العربية وحتما، أصبح أردوغان الآن جزءًا من هذا الصراع من خلال محاولته التصالح مع الإمارات والسعودية ولاحقا مصر، ولا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن سيدات بيكر، زعيم الغوغاء التركي الذي تحول إلى معارض مؤثر، والذي يعيش في منفى قسري في الإمارات العربية المتحدة، عاد للظهور من فراغ بعد اجتماع أردوغان وولي العهد السعودي.
ويبدو من المحتمل الآن أن تركيا تبحث أيضًا عن طرق لإصلاح علاقتها مع مصر ومن المرجح أن يُرى أردوغان والرئيس عبد الفتاح السيسي في اجتماع ودي في المستقبل القريب، ولكن ذلك سيكون على حساب تنازلات كبيرة سيضطر أردوغان لتقديمها من أجل إصلاح علاقات تركيا ومصر التي يعد أردوغان المسؤول الأول عن تخريبهاوأضاف المقال: "إن أهم مؤشر على هذا التطور المرتقب هو طرد عناصر الإخوان من تركيا والآخر هو إنهاء أنشطة محطة "مكملين" التلفزيونية الرئيسية المتحالفة مع الإخوان منذ يوم زيارة أردوغان إلى المملكة العربية السعودية.
في حين أن مثل هذا التطور سيكون مفيدًا لتركيا والمنطقة، فمن الحتمي أيضًا أن تواجه الدولة التي تُظهر مثل هذه التغييرات الجذرية في سياستها الخارجية تحديات من حيث القدرة على التنبؤ والاتساق والموثوقية في أعين محاوريها، كل هذا يحدث على خلفية الأزمة الأوكرانية مع محاولة تركيا اتباع سياسة توازن صعبة بين الغرب وروسيا مع إظهار تركيا لمثل هذه التناقضات الكبيرة في مبادئ سياستها الخارجية، فإن المجتمع الدولي متشكك وهو أمر مفهوم بشأن صدق تركيا في محاولات الوساطة بين الأطراف المتصارعة وربما يكون الأمر الأكثر إثارة للحزن هو السياسات الداخلية لتركيا مع إصرار الحكومة على مضاعفة ردود الفعل الاستبدادية مع إظهار البراجماتية غير المسبوقة في علاقاتها الخارجية ومن الواضح الآن أن الحكومة ستختار دخول الانتخابات العام المقبل بخطاب إنقاذ الدولة لتبرير الضغط المتزايد على الديمقراطية والسياسات الاستبدادية لأردوغان وحزبه.