معهد الشرق الاوسط: تقدم مصر في الطاقة الخضراء وإنتاج الهيدروجين يعزز أجندة قمة المناخ
تساعد سياسة الطاقة في مصر على تغيير شروط النقاش العالمي حول تغير المناخ من خلال إثبات وجود توافق أساسي بين تطوير موارد الغاز الطبيعي المحلية وتطوير مصادر الطاقة المتجددة، على نحو يدحض الرأي القائل بأن الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة متنافسين في سباق محصلته صفرية، وهذا ما يرجحه تقرير مطول أصدره معهد الشرق الأوسط، في واشنطن، ويبدو أن مصر تتخذ خطوات واثقة كدولة رائدة في تطوير الطاقة المتجددة مع زيادة قدرتها على إنتاج الغاز الطبيعي كما تولي الحكومة اهتماما كبيرا بإيجاد توازٍ دائم بين تطوير الغاز الطبيعي والانتقال للطاقة الخضراء، من المرجح أن تستخدم مصر موقعها كمضيف لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27) في نوفمبر في شرم الشيخ لتعبر عن صوت أكبر عن الدول الرئيسية في أفريقيا، التي تسعى إلى دور أكبر للغاز الطبيعي في عملية انتقال الطاقة وبهذه الطريقة، ستلعب مصر دورًا قياديًا مهمًا في التوسط في المصالحة بين إفريقيا وأوروبا، والقضاء على أسباب عديدة أدت حتى وقت قريب جدًا إلى تثبيط الاستثمار في تطوير الغاز الطبيعي.
في الفترة التي تسبق مؤتمر الأطراف الأممي، وفقا للتقرير، حققت مصر إنجازًا دبلوماسيًا مهمًا في تعزيز التنمية المتزامنة للغاز الطبيعي وموارد الطاقة المتجددة عندما وقعت اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي في 10 أبريل 2022 لتعزيز تعاونهما فيما يتعلق بكل من الغاز الطبيعي المسال وإمدادات الهيدروجين الأخضر المنتجة للطاقة المتجددة بين أوروبا وأفريقيا، وتم الإعلان عن الاتفاقية بشكل مشترك في القاهرة من قبل وزير الخارجية سامح شكري ونائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانز، المسؤول الرئيسي بالاتحاد الأوروبي عن الصفقة الأوروبية الخضراء وقانون المناخ الأوروبي والمفاوضات الدولية بشأن تغير المناخ.
ويعكس التزام بروكسل والقاهرة ريادة مصر في إنشاء نموذج جديد لدور تطوير الغاز الطبيعي في الجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ مع دعم أوروبا لبرنامج مصر لتصبح رائدة عالميًا في إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته مثل الأمونيا الخضراء، وستستمر القاهرة في ممارسة تأثير مركزي على اتجاه ووتيرة انتقال الطاقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وما وراءها.
سد الفجوة السياسية بين الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة
تفاقمت الآراء المتباينة بين أوروبا والعديد من دول الأسواق الناشئة حول كيفية مكافحة تغير المناخ وتزايد الخلاف في الرأي خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP26) الذي عقد في جلاسكو، المملكة المتحدة - وهو أهم مؤتمر لتغير المناخ منذ 2015 في باريس والذي كان من أهم مخرجاته "اتفاقية باريس"، والتي اتفقت الأطراف بموجبه على تنفيذ تدابير لخفض الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة واختتم مؤتمر جلاسجو الذي استمر أسبوعين في 12 نوفمبر 2021 وأغلق بطريقة تثبط الاستثمار في البنية التحتية للغاز الطبيعي في جميع أنحاء العالم.
وكانت إفريقيا على وجه الخصوص معارضة لتثبيط الاستثمار في الغاز الطبيعي بقيادة أوروبا ويبلغ نصيب الفرد من استهلاك الطاقة في إفريقيا جنوب الصحراء (باستثناء جنوب إفريقيا) 180 كيلوواط في الساعة فقط، مقارنةً بـ 6500 كيلووات في الساعة في أوروبا كما تنظر إفريقيا إلى الغاز الطبيعي على أنه بالغ الأهمية للكهرباء التي تمس الحاجة إليها من أجل التنمية، وقد تأثرت القارة السمراء بالفعل بالقرارات الأوروبية ومبادرة الاتحاد الأوروبي التي تبلغ قيمتها 1 تريليون يورو (1.08 تريليون دولار) لإزالة الكربون من أوروبا وتعزيز انتقال الطاقة، نظرًا لهدفها المتمثل في خفض الاستثمار في الغاز الطبيعي.
وفي جميع أنحاء العالم، وفقًا لتقرير بلومبرج، فإن تمويل مشاريع تحويل الغاز إلى طاقة في الأسواق الناشئة قد انخفض بالفعل بنسبة 10٪ في عام 2020 مقارنة بالعام السابق، وتعد السنغال أحد اللاعبين الجدد الطموحين في مجال الغاز الطبيعي في إفريقيا بحجم 1.13 تريليون متر مكعب من الاحتياطيات، في طور تطوير موارد الغاز البحرية لتلبية احتياجاتها المحلية من الطاقة وتصدير الغاز الطبيعي المسال دوليًا، وأعلن الرئيس السنغالي ماكي سال، الذي يرأس الاتحاد الأفريقي، أن قطع الأموال المخصصة للتنقيب عن الغاز الجديد سيكون "ضربة قاتلة" للدول الأفريقية الناشئة.
وبعد حوالي شهرين في 2 فبراير 2022، أعاد الاتحاد الأوروبي تصنيف الغاز الطبيعي على أنه "يتماشى مع أهداف الاتحاد الأوروبي المناخية والبيئية وسيساعد في تسريع التحول من الوقود الأحفوري الصلب أو السائل، بما في ذلك الفحم، نحو مستقبل محايد مناخيًا إلا أن تحول بروكسل لم يكن إشارة إلى مخاوف إفريقيا ولكنه جاء نتيجة ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة 400٪ خلال عام 2021.
مصر تنجح في تحقيق معادلة تطوير قطاع الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة معا
يعتبر صعود مصر كقوة طاقة إقليمية إنجازًا كبيرًا لأكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان، وعلى الرغم من المشاكل الاقتصادية وانقطاع التيار الكهربائي في الماضي بشكل منتظم، لم تنجح مصر في التوافق بين تطوير موارد الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة جنبًا إلى جنب فحسب، بل أثبتت أيضًا أن تطوير الغاز الطبيعي يمكن أن يحفز التطوير المتسارع للطاقة المتجددة وفي عام 2019، بفضل الإنتاج من رواسب الغاز الطبيعي البحرية الضخمة، حققت مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي وأصبحت موردا ومُصدِّرًا مهما للطاقة في شكل غاز طبيعي مسال وحفز توقع الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي التقدم المتزامن للقاهرة في تطوير موارد الطاقة المتجددة، فقد أوجد الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجددة معًا فائضًا في الكهرباء يمكن تسويقه ومن المقرر أن ينمو بشكل كبير في المستقبل القريب مع بدء مشروعات الطاقة المتجددة الإضافية والطاقة النووية في مصر.
وأدى فائض الكهرباء في مصر، بدوره، إلى تطوير الربط الكهربائي لأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء في حين أن معظم صادرات الكهرباء المباعة في البداية عبر التوصيلات البينية سيتم توليدها من الغاز الطبيعي، والذي يشار إليه عادة باسم "الغاز عن طريق الأسلاك"، فإن هذه الروابط البينية تؤدي إلى مزيد من الاستثمار في تطوير الطاقة المتجددة، بعد أن أنشأت البنية التحتية للنقل لتصدير الكهرباء سوق، ونظرًا لموقعها الاستراتيجي في شرق البحر الأبيض المتوسط، فإن مصر في وضع جيد على المدى الطويل للعب دور مهم في خدمة أسواق الكهرباء في ثلاث قارات.
نتج تحول مصر إلى قوة طاقة أقليمية عن تقارب أربعة عوامل رئيسية خلال السنوات الثماني التي قضاها الرئيس عبد الفتاح السيسي في منصبه:
1. اكتشافات الغاز الطبيعي البحرية الجديدة
2. الإصلاحات المالية
3. تنمية موارد الطاقة المتجددة
4. بناء شبكات الكهرباء
وكان الحدث الذي غيّر قواعد اللعبة والذي وضع هذه العوامل موضع التنفيذ هو اكتشاف حقل ظهر للغاز الطبيعي الضخم في مصر في أغسطس 2015 من قبل شركة إيني الإيطالية الكبرى للطاقة وأكبر اكتشاف للغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط حتى الآن بحجم 850 مليار متر مكعب من الغاز، وكان تطوير حقل ظهر يعني أن مصر يمكن أن تصبح مكتفية ذاتيًا من الطاقة وأن منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط لديها بشكل جماعي كميات قابلة للتسويق من الغاز الطبيعي للتصدير باستخدام مصانع التسييل الحالية في مصر، وبحلول عام 2020، استحوذ ظهر على 40٪ من إجمالي إنتاج الغاز اليومي في مصر. بين عامي 2016 و2018، قامت مجموعة التصنيع الألمانية سيمنز ببناء ثلاث محطات لتوليد الطاقة بالغاز ذات الدورة المركبة في مصر بسعة إجمالية قدرها 14.4 جيجاوات، وهو ما يكفي لتزويد 40 مليون مصري بالكهرباء الموثوقة. خلال نفس الإطار الزمني الذي طورت فيه مصر حقل ظهر وركبت محطات الطاقة التي تعمل بالغاز، قامت أيضًا ببناء مشروع بنبان للطاقة الشمسية الضخم خارج أسوان، وهي أكبر محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية في العالم بقدرة مركبة تبلغ 1.8 جيجاوات، يتكون مجمع الطاقة الشمسية الذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار من حوالي 40 محطة شمسية طورتها أكثر من 30 شركة أجنبية من 12 دولة، وسيمنع ما يقدر بنحو مليوني طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية.
بحلول يونيو 2019، مع تشغيل حوالي نصف قدرة بنبان فقط، بلغ إجمالي القدرة المركبة في مصر 58.4 جيجاوات، وفقًا للشركة المصرية القابضة للكهرباء وفي نوفمبر 2019، تم أيضًا تشغيل أكبر مجمع لتوليد طاقة الرياح في مصر، مزرعة الرياح في رأس غارب بقدرة 262.5 ميجاوات بالقرب من خليج السويس ويولد مرفق طاقة الرياح ما يكفي من الكهرباء لتزويد 500000 أسرة باحتياجاتها من الكهرباء، وتعادل الكهرباء التي تنتجها محطة بنبان للطاقة الشمسية ومزرعة الرياح في رأس غارب حوالي 16٪ من الطاقة الفائضة في مصر وبحلول عام 2020، عكست مصر عجزها إلى فائض في قدرة توليد الكهرباء البالغ 6 جيجاوات وحولته إلى فائض قدره 13 جيجاوات.
ثم حفزت قدرة مصر الفائضة الاستثمار في الربط الكهربائي - وعلى الأخص مشروع الربط الكهربائي الأوروبي الأفريقي بقدرة 2 جيجاوات لنقل الكهرباء من مصر إلى أوروبا عبر قبرص واليونان كما قامت مصر بتحديثات كبيرة لربطها الكهربائي مع إفريقيا. في ديسمبر 2019، أعلن الرئيس السيسي أن مصر مستعدة لتصدير 20٪ من فائض الكهرباء إلى الدول الأفريقية.