"إلى مصر مع خالص حبي".. الدبلوماسية الإسرائيلية والتاريخ المفقود لألقاب العائلات اليهودية في مصر
وقالت مجلة جويش كرونيكل إن فيفيان باويل نشأت في أسرة يهودية، وولدت في القاهرة قبل أن تنتقل إلى إنجلترا في عام 1956، وكانت في ذلك الوقت طفلة خجولة تحب قضاء معظم وقتها في المنزل، ووُلدت باويل في مصر النابضة بالحياة في النصف الأول من القرن العشرين، ونشأت في أسرة ميسورة الحال تتمتع بحياة اجتماعية ديناميكية ومنزل في وسط القاهرة الصاخب، بالقرب مما يُعرف الآن بميدان طلعت حرب.
وتتذكر الأجواء الرائعة حول شقة عائلتها، والناس يخرجون لقضاء بعض الوقت وتبادل القيل والقال في أماكن مثل سطح فندق سميراميس، ومينا هاوس، بحدائقه ورائحة الياسمين، بجوار أهرامات الجيزة>
وقالت باويل لموقع ميدل إيست آي: "أتذكر أن والديّ كانا يخرجان كل مساء تقريبًا، لأن الحياة في القاهرة كانت تبدأ بعد التاسعة مساءً، وكان الجميع يخرجون طوال الوقت فلم تكن هناك هواتف".
في نفس الوقت تقريبًا، استقرت عائلة والدها أيضًا في مصر، كانوا قادمين من اسطنبول - كما تعتقد – قبيل انهيار الإمبراطورية العثمانية الذي كان يلوح في الأفق، وكانت اللغات التي يتم التحدث بها في المنزل بمثابة تذكير بهذا المزيج من الأصول: كانت جدتها لأمها تتحدث اللغة العربية السورية فقط، بينما تحدث الجانب الآخر من عائلتها بالعبرية عندما لا يريدون أن يفههم المحيطون بهم، وبقية الوقت كانت اللغة الفرنسية تسمع بالمنزل بشكل أساسي، والتي كانت أيضًا لغة مدرستها، الثانوية الفرنسية في باب اللوق.
بينما كانت العائلة علمانية، لعبت التقاليد السفاردية دورًا كبيرًا في تربية باويل وكانت الأسرة تحفل بجميع الأعياد اليهودية الرئيسية وذهبوا مرتين في السنة إلى كنيس عدلي العظيم في وسط القاهرة للاحتفال برأس السنة اليهودية الجديدة،وعيد الفصح، وعشية يوم الغفران.
مغادرة مصر
بدأ نمط الحياة الشاعري هذا يتغير في منتصف القرن، وبدأ كل شيء يتغير ابتداءً من عام 1948، والذي تسميه دائمًا بداية النهاية، وفي اللحظة التي تم فيها إنشاء دولة إسرائيل، تغير كل شيء، مشيرةً إلى أن معظم أفراد عائلة والدها غادروا مصر في ذلك الوقت وبالنسبة لباويل، جاءت الضربة الأخيرة في عام 1956. عند عودتها إلى المنزل من المدرسة ذات يوم، وجدت والدها في حالة من الذعر، حيث قام بتعبئة أمتعتهم وبدأت للتو أنباء العدوان الثلاثي في الانتشار، وعلى الفور انتقلت العائلة إلى شقة عمها أثناء القتال في القاهرة وتتذكر صراخ إطفاء الأنوار، وتناول الطعام في الظلام، والارتياح فقط مع بزوغ الفجر، عندما تتوقف الغارات الجوية، ولم تعد الأسرة إلى المنزل إلا بعد انتهاء النزاع.
ولم تغادر العائلة مصر إلا في 10 ديسمبر 1956 ووصلوا بعد فترة وجيزة في نزل قديم جاهز للسكن في غرب إنجلترا وتتذكر باويل طعام المقصف الفظيع، والذي كان يحتوي في معظمه على لحم الخنزير، والذي لم تأكله الأسرة، ومن أجل الوصول إلى المدرسة، كان عليها عبور الحقول الإنجليزية في البرد القارس، وكانت تفتقد بشدة دفء وتألق القاهرة.
قالت باويل، التي نشرت مؤخرًا كتابًا بعنوان "إلى مصر مع خالص حبي: ذكريات العالم الذي ولى": "كان الأمر مفجعًا، فلا أستطيع أن أتخيل كيف شعر والداي. كان عمري 14 عامًا وأتذكر أنني شعرت بالضياع؛ ولكن ليس بالقدر الذي شعر به والداي".
معظم الأشخاص الذين شكلوا حياة باويل كانوا مشتتين الآن في جميع أنحاء العالم، أناسًا وأصدقاء لن تلتقي بهم مرة أخرى وبمرور الوقت، حتى الأسماء أصبحت راسخة في الماضي لدرجة أنها تساءلت عما إذا كانت قد سمعتها حقًا، أو ما إذا كانت موجودة من قبل.
فهرس ألقاب اليهود في مصر
منذ عام 2019، يعمل الدبلوماسي الإسرائيلي المخضرم جاكوب روزين كونيجسبوش على تجميع فهارس الألقاب اليهودية في مصر، على أمل إنقاذها من الضياع في فراغ التاريخ وحتى الآن، تمكن من جمع المئات من ألقاب العائلات اليهودية التي عاشت، مثل عائلة باويل، في القاهرة أو الإسكندرية في مرحلة ما من القرن العشرين، وأصبح جاكوب شغوفًا بعلم الأنساب لرغبته في رصد التلاشي الذي حدث لعاثلات بأكملها، ووُلد والداه في بولندا، وكانا من الناجين من الهولوكوست، وظل ماضيهما محاطًا بصمت حجري حتى وفاتهما، قبل عقدين من الزمان عندما توفي كلاهما، كان الدبلوماسي المخضرم يعرف فقط اسم جده، حيث تم تسميته باسمه، ويصف تجربته التوثيقية قائ: "فقط بعد وفاتهم، بدأت في إجراء تحقيقات. وأصبحت نوعا ما خبيرا في البحث في المحفوظات والوثائق في بولندا وألمانيا.
ولاحقًا، قادته مسيرته المهنية إلى شغل العديد من المناصب في العالم العربي، بما في ذلك منصب سفير إسرائيل في الأردن بين عامي 2006 و 2008، ونظرًا لاهتمامه بجذور العائلات اليهودية أينما ذهب، سارع إلى إدراك أن أدوات الأنساب المتاحة لأوروبا الشرقية لم تكن موجودة في الشرق الأوسط، وفي حالة مصر، وجد أيضًا أنه على الرغم من الاهتمام الأدبي والأكاديمي الأخير بحياة المجتمعات اليهودية في القرن العشرين في البلاد، فإن الروايات الشخصية كانت غائبة في الغالب وهو يعتقد أن الفجوة في البحث ترجع إلى حد كبير إلى قصر عمر تلك المجتمعات، فضلاً عن عدم إمكانية الوصول إلى معظم أرشيفات الدولة.
بدأ جاكوب، الذي جمع أيضًا أسماء العائلات اليهودية من بغداد ودمشق، بالعمل للإجابة على هذه الأسئلة في أوائل القرن التاسع عشر، شهدت مصر تدفقًا كبيرًا من الناس من جميع أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط وما وراءه، وقد اجتذبتهم بشكل أساسي الفرص الاقتصادية والاستقرار وتمتعت المجتمعات اليهودية، مثل العديد من المجتمعات الأخرى في مصر، بأوجها بين افتتاح قناة السويس عام 1869 ومنتصف القرن العشرين. بلغ عددهم عشرات الآلاف، واستقر معظمهم في القاهرة والإسكندرية ومع ذلك، فإن قيام إسرائيل والقومية في مصر، منذ عام 1952، عجل بطردهم واليوم، بقي حوالي نحو 100 فقط في العاصمة.