"صفر مشكلة".. سياسة دبلوماسية جديدة تتبناها الإمارات تجاه خصومها الإقليميين
تبدي الإمارات نشاطًا دبلوماسيًا لافتًا وجديرًا بالدراسة، نسلط الضوء عليه في هذا التقرير الخاص؛ حيث تعيد الإمارات النظر في أهداف سياستها الخارجية بهدف تعزيز شراكاتها التجارية العالمية وضمان استقرارها الأمني والسياسي، من خلال استبدال التدخل العسكري القوي والسياسات بالوكالة بالحوار والدبلوماسية.
ونقل أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، إشادة أوكرانيا بالإمارات العربية المتحدة خلال فترة رئاستها لمجلس الأمن الدولي منذ بداية شهر مارس الماضي، وأداء الدبلوماسية الإماراتية خاصة في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العالم.
وكتب "قرقاش"، في تغريدة عبر موقع تويتر: "تقدير كبير من قبل سفير أوكرانيا لدى الأمم المتحدة بشأن رئاستنا لمجلس الأمن وأداء الدبلوماسية الإماراتية في هذه الظروف الصعبة، فخورون بعمل وتفاني دبلوماسيينا".
وأثنى سفير أوكرانيا لدى مجلس الأمن على رئاسة دولة الإمارات ومعالي لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون السياسية، المندوبة الدائمة للإمارات لدى الأمم المتحدة، في شهر مارس، لافتًا إلى أنه قد يكون الشهر الأكثر دراماتيكية في تاريخ الأمم المتحدة.
زيارة رسمية لإيران
ووفقًا لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، تعكس الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى إيران مستشار الأمن القومي الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، تحولًا مهما في سياسات الإمارات تجاه جيرانها الإقليميين يبدو أن أبو ظبي تتبنى نهجًا أكثر براجماتية من أجل الفوائد الأمنية والاقتصادية.
وجه الشيخ طحنون، خلال اجتماعه مع المسؤولين الإيرانيين في طهران في 6 ديسمبر 2021، دعوة إلى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة الإمارات.
ونقل عن "طحنون"، قوله إن
الزيارة ستكون "نقطة تحول" في العلاقات بين البلدين.
نقطة تحول
لم يقم أي رئيس إيراني بزيارة دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عام 2007، ولكن زيارة طحنون بن زايد لإيران ليست سوى علامة إضافية على أن الإمارات العربية المتحدة قررت إطلاق العقد الثالث من هذه الألفية من خلال تبني سياسة "صفر مشكلة" تجاه منافسيها وخصومها الإقليميين: إيران وتركيا وقطر.
وتنطوي السياسة الجديدة على بناء جسور التواصل، وتوسيع الجهود الدبلوماسية والوساطة، وتجنب كل المواجهات التي قد تعيق مسعى أبوظبي لتعزيز الاقتصاد الوطني للدولة في مرحلة ما بعد كوفيد-19، بينما تشرع الإمارات العربية المتحدة في فترة ما بعد اليوبيل الذهبي وتضع الأسس الاستراتيجية للخمسين عامًا القادمة، يبدو أنها تركز أكثر على الحلول الدبلوماسية والقوة الناعمة لتعزيز مصالحها الاقتصادية وشراكاتها التجارية ويتجلى ذلك في خضم منافسة قوية من دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما من الجار والحليف القوي، أي المملكة العربية السعودية.
دعم عسكري
خلال انتفاضات الربيع العربي، تم تصوير الإمارات العربية المتحدة على أنها فاعل إقليمي قوي لم يخجل من التدخل العسكري القوي، ومع ذلك، تم استبدال تلك الصورة بدور أكثر مرونة وأكثر ليونة ولكن هذا التحول لا يعني أن الإمارات ستتوقف عن بناء أجهزتها العسكرية وأجهزتها الأمنية الوطنية في الواقع، تمضي البلاد قدمًا في صفقة مقاتلات إف 35 مع الولايات المتحدة - على الرغم من أن المخاوف في إدارة "بايدن" قد تؤدي إلى تعليقها، وصفقة 19 مليار دولار مع فرنسا لشراء 80 مقاتلة رافال وهذا يثير تساؤلات حول سباق تسلح في المنطقة، ومدى تراجع مقولة "اسبرطة الصغيرة"، ومدى تراجع رغبة أبو ظبي في التدخل العسكري في المنطقة، خاصة منذ أن ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الإمارات وتركيا وإيران زودت قوات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بأحدث الطائرات المسلحة بدون طيار مما ساعد في قلب موازين الحرب في إثيوبيا لصالح أبي ضد جبهة تيجراي وإذا كان هذا صحيحًا - كما نقلت صحيفة نيويورك تايمز رغم النفي الإماراتي، فإن هذا يؤكد أن حسابات التدخل العسكري أو الدعم لم تختف من أجندة السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة.
لطالما اعتبرت الإمارات أن توسع إيران الإقليمي من أكبر التهديدات لأمنها القومي، خاصة بسبب احتمال امتلاك إيران أسلحة نووية ومع ذلك، من خلال تقاربها مع إيران وتركيا، تستخدم الإمارات نهجًا أكثر براجماتية في إدارة سياستها الخارجية لضمان أمنها القومي ولا تزال الخلافات قوية بين الإمارات من جهة وإيران وتركيا وقطر من جهة أخرى. ومع ذلك، بدأت الإمارات تدرك أن عدم وجود حوار ثنائي سليم مع القوى الإقليمية سيجعل التقدم نحو خفض التصعيد أكثر صعوبة. تقر الدولة، بعد عقد من الصراع الإقليمي والسياسات بالوكالة، بأن السياسات المتباينة للاعبين الإقليميين يجب ألا تمنع التعاون الدبلوماسي.
ليس هناك شك في أنه إذا حافظت كل من إيران والإمارات العربية المتحدة على نهج أكثر عقلانية، فسيكون بإمكانهما إقامة علاقات تجارية أكثر ازدهارًا مما كانت عليه في أي وقت مضى، حيث من المتوقع أن تصل التجارة بين الجارتين إلى أعلى مستوياتها في السنوات القليلة المقبلة.
وبحسب الأرقام الإيرانية الرسمية، بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين قرابة 1.5 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من السنة التقويمية الإيرانية الحالية (21 مارس - 22 أغسطس). الإمارات العربية المتحدة هي أيضًا رابع أكبر سوق تصدير لإيران للتجارة غير النفطية بقيمة تقدر بنحو 2.9 مليار دولار من البضائع.
العلاقات مع إيران وإسرائيل
تسير حكومة الإمارات العربية المتحدة
على حبل سياسي مشدود للغاية عندما يتعلق الأمر بموازنة علاقاتها مع إيران
وإسرائيل. وعلى الرغم من أن أبو ظبي كانت تؤكد باستمرار أن تطبيع علاقاتها مع
إسرائيل لا ينبغي أن يفسر على أنه تحرك عدائي تجاه إيران، إلا أن زيارة طحنون هي
التي ساعدت في تخفيف بعض التوترات التي تشعر بها طهران بسبب التقارب الإماراتي
الإسرائيلي، وتشير التصريحات التي أدلى بها مسؤولون إيرانيون بشأن نتيجة الزيارة
إلى مستوى عالٍ من الارتياح.
تعليق إيراني رسمي على العلاقات الإماراتية الإسرائيلية
وقال علي باقري كاني، نائب وزير الخارجية الإيراني والذي يشغل أيضًا منصب كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، إن إيران والإمارات اتفقتا على الدخول في "فصل جديد" في علاقتهما؛ على الرغم من أن إيران قد تبدو وكأنها تتكيف على مضض مع اتفاقية التطبيع الإماراتية الإسرائيلية، إلا أن طهران تدرك تمامًا أن الاتفاقية لا تنطوي على سياسة محصلتها صفر بالنسبة لإيران أو الإمارات العربية المتحدة. يدرك صانعو السياسة الإيرانية أن التطبيع الإماراتي الإسرائيلي لا يجب أن يُنظر إليه على أنه يأتي بنتائج عكسية لعلاقات طهران مع الإمارات، مثلما لا يؤثر الحوار الإيراني مع الإمارات على المكاسب الاستراتيجية التي ستجنيها أبو ظبي بسبب تطبيعها مع تل أبيب.
تغيرات جيوسياسية
بدافع من الحاجة إلى إعطاء الأولوية للازدهار الاقتصادي والإدراك المتنامي بأن أفضل طريقة لمعالجة الشواغل الأمنية المشتركة هي معالجة جماعية، تظهر رؤية سياسية براجماتية جديدة وتلغي 10 سنوات من نهج المواجهة والاستقطاب السياسي المفرط ومع ذلك، فإن أي تغيير في الواقع الجيوسياسي للشرق الأوسط يظل مرهونًا باستعداد إيران لوضع ثقتها في التعاون مع الجهات الفاعلة الإقليمية، بدلاً من الاعتماد فقط على اللاعبين الدوليين لتحديد حصتها من النفوذ في المنطقة. من المهم أن نلاحظ أن ما أخرج الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 عن مساره لم يكن فقط الانسحاب الأمريكي في عام 2017، ولكن أيضًا، وربما الأهم من ذلك، عدم الرضا الإقليمي عن النتائج المتوقعة للاتفاق.
من جانبها، انتقدت إيران الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي ماكرون للإمارات واتفاق رافال الذي تلاها.، بالإضافة إلى ذلك، في 21 ديسمبر 2021، أطلق الحرس الثوري الإيراني صواريخ باليستية وصواريخ كروز خلال مناورات حربية في الخليج، وسط تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن خطط إسرائيلية محتملة لاستهداف مواقع نووية في إيران، وهذا يشير إلى أن محاولة الإمارات لحل معضلة علاقاتها مع كل من إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، ليست سهلة.
خبرات سابقة
تعكس زيارة "طحنون" التوازن الدقيق الذي تحاول أبوظبي تحقيقه مع إيران لتجنب تكرار الاختلاف الذي صبغ علاقاتهما في العقد الماضي المضطرب وتسبب في قلق كبير لدولة الإمارات العربية المتحدة، مركز الأعمال والخدمات في منطقة الخليج، وأوضح المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، متحدثًا في معهد بروكينجز في فبراير 2021، أنه "بخلاف الدبلوماسية، نحن (الإمارات العربية المتحدة) لا نرى أي خيار على الإطلاق" مع إيران. وأوضح أنه "حتى مع الضغط الأقصى في عهد دونالد ترامب، أرسلنا رسائل إلى إيران عبر الأوروبيين حول الحاجة إلى الدبلوماسية ووقف التصعيد". وعندما سئل عن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تطرح خياراً عسكرياً مع إيران، وصفها قرقاش بأنها "خطيرة للغاية".
وتعد زيارة "طحنون" شاهداً على تاريخ الإمارات الطويل وخبرتها في تجنب المواجهة مع إيران، حتى أثناء الأزمات الإقليمية الصعبة. في عام 2016، على سبيل المثال، عندما أعلنت المملكة العربية السعودية أنها قطعت العلاقات الدبلوماسية مع إيران في أعقاب الهجمات على سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد أثناء احتجاجات ضد إعدام نمر النمر، رجل الدين الشيعي البارز في المملكة، أبو ظبي. اتخذ نهجا أكثر حذرا. واستدعت سفيرها من طهران وخفضت وجودها الدبلوماسي إلى مستوى القائم بالأعمال متجنبة قطع العلاقات مع إيران. علاوة على ذلك، في نوفمبر 2020، أدانت حكومة الإمارات العربية المتحدة اغتيال العالم النووي الإيراني، محسن فخري زاده، باعتباره جريمة شنيعة، ودعت إلى ضبط النفس لتجنب انزلاق المنطقة إلى مزيد من عدم الاستقرار.
إن إعادة التموضع الإماراتي، كما تجلى في زيارة طحنون بن زايد لإيران، خطوة تعتمد على التجارب السابقة وقدرة الإمارات على عدم قطع حبال الاتصال حتى في الأحداث الإقليمية الصعبة وموازنة العلاقات مع اللاعبين الإقليميين المتخاصمين بطبيعتهم مثل إسرائيل وإيران.
السودان على أجندة دبلوماسية الإمارات
لمس الخبراء والمراقبون سعادة إماراتية غامرة برحيل الرئيس السوداني السابق عمر البشير عن السلطة في أعقاب ثورة شعبية عارمة، في أبريل 2019، حيث طالبت الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة بتغيير النظام، واتفقت الإمارات مع رأي الولايات المتحدة في ذلك الوقت على أن الوقت قد حان لرحيل البشير لكن من المحتمل أنهما اختلفا حول ترتيبات ما بعد البشير؛ فدفعت الولايات المتحدة من أجل الانتقال إلى ديمقراطية يقودها المدنيون بينما رفض قادة الإمارات مرارًا وتكرارًا الديمقراطية باعتبارها نموذجًا مناسبًا للحكم، ولم يمنع الخلاف إدارة بايدن من الاعتماد على الإمارات للضغط على الأطراف السودانية الفاعلة لإعادة هيكلة المرحلة الانتقالية ورداً على ذلك، يُعتقد أن الإمارات أقنعت الجيش بالتراجع عن التصعيد مع المكون المدني للسلطة الانتقالية.
وزار رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان المملكة العربية السعودية مؤخرًا، في أعقاب زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة وجنوب السودان وأوغندا الأسبوع الماضي، ووقع السودان في سلسلة أزمات سياسية واقتصادية منذ أكتوبر 2021، وأعلن حالة الطوارئ وحل الحكومة ووقف بعض أحكام الدستور السوداني.
وكان لزيارة "البرهان" للسعودية والإمارات بعد اقتصادي، ودارت معظم النقاشات حول الاستثمارات المرتقبة لدول الخليج في السودان وقد يتم تقديم النفط للسودان مقابل تصدير بعض السلع المهمة إلى الإمارات والسعودية، كما تطرقت مباحثات البرهان إلى ضرورة التنسيق والتعاون في مجال أمن البحر الأحمر وكذلك التعاون العسكري.