الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

هل غيرت الطائرات بدون طيار قواعد اللعبة في النزاعات الشرق أوسطية ؟

الرئيس نيوز

تعاني منطقتنا العربية على مدار أكثر من 10 سنوات من الانقسامات والتوترات والاضطرابات، وقد ضاعف تنافس اللاعبين الأساسيين من طموحات بعض القوى الإقليمية التي أطلقت العنان  لمحاولات فرض النفوذ ولو بالقوة، نتيجة استشعارها فائض القوة، وتحديدًا إيران وتركيا وإسرائيل، فكل منهم تتبنى سياسات خارجية غير تقليدية قائمة على تحدي الشراكات طويلة الأمد مع القوى أجنبية، وكل منها تنفذ سياسة خارجية مناوئة لمصالح الدول العربية ومعارضة لأجنداتها الوطنية، وفقًا لمعهد بروكنجز.

وأدى التوسع في استخدام الطائرات بدون طيار إلى تغيير قواعد اللعبة في بعض النزاعات الشرق أوسطية، بقدر ربما يتجاوز تأثيرها الميداني المباشر لتتحول بسرعة لافتة إلى عنصر مهم من عناصر الحيوية والقدرة على المناورة السياسية والأمنية وأحد أوجه التنافس الذي أصبح على أشده بين دول المنطقة.

حقق العلم والتطوير مستويات غير مسبوقة من التقدم في تقنيات الطيارات المقاتلة غير المأهولة وتوسّع استخدامها من أداة عسكرية متخصّصة متاحة فقط لإسرائيل والولايات المتّحدة كما كان الحال في عام 2001، فقد استخدمت طائرة بدون طيار من طراز بريديتور في محاولة اغتيال فاشلة لزعيم حركة طالبان الملا محمد عمر في أفغانستان، واليوم تحولت إلى أسلحة رخيصة نسبياً وعالية التقنية في ترسانة عدد متزايد من الدول.

وتجذب سوق الطائرات بدون طيار العالمي نحو 100 مليار دولار من الاستثمارات خلال العقد الحالي، بارتفاع 30 في المائة من حيث الإنفاق على البحث والتطوير والمشتريات، مما يؤكّد أهميتها الاستراتيجية المتزايدة في منظومات الدفاع في العديد من دول المنطقة حيث سهولة اختراق الحدود والمساحات الشاسعة غير خاضعة للرقابة، مما أتاح للعديد من الحكومات جمع معلومات استخبارية قيّمة ومواجهة تهديدات الجماعات الإرهابية العابرة للحدود، وذكر تقرير لصحيفة الشرق الأوسط، النسخة الإنجليزية، أن الجزائر ومصر أطلقتا طائرات بدون طيار في حملات مكافحة تنظيم داعش.

إسرائيل

تتمتع إسرائيل بمكانة متقدّمة بين الدول المهيمنة في مجال الطائرات بدون طيار، وربما تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتّحدة وظلت إسرائيل حتى عام 2014 المصدّر الرئيسي للطائرات دون طيار في العالم، حيث استحوذت على 61 في المائة من الصادرات العالمية ويمكن لأكبر طائرة بدون طيار إسرائيلية من طراز ميل أداء مهام استراتيجية على ارتفاع يصل إلى أكثر من 13 ألف متر، وتبلغ مدة طيرانها أكثر من 30 ساعة، بفضل مجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار والذخائر بحمولة قصوى تصل إلى 2700 كيلوجرام وتتمتع هذه الطائرة بالقدرة على العمل عبر الأقمار الصناعية مع الاعتماد على نظام إقلاع وهبوط تلقائي يمكّنها من العمل بشكل مستقل في الظروف الجوية القاسية والتكيّف مع المهام الطارئة، وفقًا لصحيفة هاآرتس.

ولا تبيع إسرائيل مقاتلاتها المتطورة إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويعود ذلك إلى القلق الدائم بالتهديد الذي يشكّله جيرانها العرب رغم التطبيع الدبلوماسي الأخير مع بعض الدول العربية. وبعبارة أخرى، فإنّ إسرائيل غائبة عن السوق الإقليمية للطائرات المسيّرة وتستهدف صادراتها دولاً أوروبية، في مقدّمتها ألمانيا وبريطانيا ودول أميركا اللاتينية وآسيا حيث تتصدر الهند القائمة من حيث قيمة الصفقات.

ووفقاً لقاعدة بيانات (SIPRI) لنقل الأسلحة، اشترت 21 دولة ومنظّمتان دوليتان ما بين عامي 2010 و2019 مجموعات مختلفة من الطائرات الإسرائيلية بدون طيار وفي عام 2016 وقّعت الهند عقداً بقيمة 400 مليون دولار لشراء 10 طائرات قتالية من طراز هيرون - تي بي يتمّ تصنيعها بشكل مشترك في الهند.

تركيا

يعد صعود تركيا السريع والحيوي إلى نادي الدول التي تمتلك طائرات مسلّحة بدون طيار من الأمور اللافتة، ويشير المراقبون دائمًا إلى حصة تركيا المتنامية من سوق هذه الطائرات في المستقبل القريب ومن بين شركاء تركيا التجاريين في المنطقة، قطر دون شك،  وبالفعل استلمت الدوحة مؤخراً الدفعة الأولى من ست طائرات قتالية من طراز بيرقدار علاوة على ثلاث محطات تحكّم أرضيّة، وتمّ التعاقد في عام 2018، في حين وقّعت تونس في أوائل مارس 2020 عقداً بقيمة 240 مليون دولار مع شركة تيركش أيروسبيس إندستري من أجل شراء ست طائرات قتالية بدون طيار من طراز أنكا-إس و3محطات تحكّم وخدمات تدريبية وكان آخر شريك لأنقرة أذربيجان التي أبرمت عقداً لشراء طائرات قتالية بدون طيار لنشرها في مواجهة القوات الأرمينية في منطقة ناجورنو كاراباخ المتنازع عليها، بعد أن أقرّ برلمانها مؤخراً تعاوناً عسكرياً ثنائياً مع تركيا، وتتحدث التقارير الإخبارية عن استخدام أوكرانيا لطائرات بدون طيار تركية الصنع.

إيران

دخلت إيران ودول عربية حلبة السباق واهتمت بتطوير قدراتها، بنشر المنصّات الصينية، ولا سيما سلسلة ونج لونج التي تنتجها مجموعة شنجدو إيركرافت إندستري، منذ عام 2015 بالإضافة إلى طائرات كاي هونج سي إتش 4 ب، التي تنتجها شركة الصين لعلوم وتكنولوجيا الطيران المملوكة للدولة وهذه النماذج استخدمت بالفعل في عمليات خاصة بالتوازي مع ذلك، تعمل بعض الدول على تعزيز صناعاتها المحلية، وقد استثمرت في نماذج محلية.

وأحرزت إيران تقدّماً في تطوير وتعزيز قدرات المقاتلات بدون طيار ووصف تقرير لوكالة استخبارات الدفاع الأميركية عام 2019 أن الطائرات بدون طيار تمثل «القدرة الجوية الإيرانية الأسرع تقدّماً» فقد طورت طهران العديد من الطرازات لأغراض القتال والهجوم المباشر مثل أبابيل والمهاجر وفوتروس وشاهد-129، ويعتبر الأخير، من إنتاج شركة صناعة الطائرات الإيرانية (HESA)، خطوة جديرة بالدراسة من حيث مدة الطيران والمدى؛ مقارنة بالأداء المحدود للطرازات السابقة، وتعاني الصناعة من أعباء  نقص أجهزة الاستشعار والمحركات والمكوّنات الأخرى بسبب العقوبات الدولية وأنظمة مراقبة الواردات الإيرانية. 

 

- «نزيف أمني» إقليمي

 

درون في قبضة التنظيمات

لم تعد الطائرات بدون طيار حصرية على الحكومات والجيوش النظامية، فقد انضم لسباق اقتنائها عدد كبير من المنظمات المسلّحة من غير الدول في الدول العربية، وحتى بعض الميليشيات مثل ميليشيا الحوثي افي اليمن حصلت على أنظمة الدرون.

في المقابل، طوّرت الجماعات غير الحكومية والإرهابية في المنطقة، وخاصة تنظيم داعش، قدرات الطائرات بدون طيار الرخيصة المتوفرة في الأسواق التجارية والتي يسهل شراؤها لأغراض المراقبة والاستطلاع أو لأغراض هجومية من خلال تزويدها بمجموعة متنوّعة من المتفجرات الثابتة أو الذخائر القابلة للإطلاق.

تعبّر هذه التطورات عن حقيقة لا يمكن إغفالها، بأنّ الطائرات بدون طيار - حتى البدائية منها - يوفر للجهات الفاعلة غير الحكومية قدرات محمولة جواً غير مسبوقة، والتي إن تمّ استخدامها بمهارة فقد يعزز ذلك أداءها بشكل كبير. هذا لا يقتصر على جمع المعلومات الاستخبارية في الوقت المناسب فقط ولتوقّع تحركات العدو والتخطيط لأعمال عسكرية فعالة، ولكن أيضاً لشن هجمات قاتلة بوسطة طائرات انتحارية على أهداف عالية القيمة.