كيف ترسم مصر مسارًا دبلوماسيًا معتدلا في الحرب الروسية الأوكرانية؟
صوتت القاهرة لصالح قرار الأمم المتحدة المدعوم من الولايات المتحدة والذي يدين الغزو الروسي ، لكنها لم تقطع علاقاتها مع موسكو، ويتساءل المراقبون، في الولايات المتحدة ما إذا كان الغزو الروسي لأوكرانيا قد وضع مصر في مأزق، بسبب المصالح المتشابكة للبلاد مع كل من الولايات المتحدة وروسيا.
وذكر موقع المونيتور الأمريكي أن موقف مصر آخذ في التشكل منذ 24 فبراير، عندما علقت الخارجية المصرية لأول مرة على الهجوم الروسي على أوكرانيا، مؤكدة "ضرورة إعطاء الأولوية للحوار والحلول الدبلوماسية والمساعي التي من شأنها الإسراع بالتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة" على النحو الذي يدعم الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين.
ومع ذلك، لم ينعكس الحياد الدبلوماسي المصري في وسائل الإعلام المصرية، وفي بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا تعاطف الإعلام المصري مع روسيا ومبرراتها للهجوم، وفي 22 فبراير ، أشاد عمرو أديب في برنامج الحكاية واسع الشعبية بمواقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الأزمة، واستضاف في 28 فبراير السفير الروسي لدى أوكرانيا جورجي بوريسينكو، في محاولة لتسليط الضوء على الموقف الروسي.
ودعت مصر إلى عقد اجتماع طارئ للجامعة العربية في 27 فبراير لبحث تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا ويرى مراقبون أن دعوة القاهرة تهدف إلى توحيد موقف عربي محايد تجاه الأزمة، خاصة وأن الإمارات العربية المتحدة امتنعت عن التصويت في 26 فبراير على مشروع قرار بشأن أوكرانيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو ما يعكس انحياز الإمارات الضمني تجاه موسكو.
وبالفعل، عقدت جامعة الدول العربية، في 28 فبراير، اجتماعا لبحث تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وأصدرت بيانا دبلوماسيا محايدا أكدت فيه دعمها لحل الأزمة عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية كما شكلت جامعة الدول العربية فريق اتصال وزاري عربي مكلف بمتابعة وإجراء المشاورات اللازمة مع الأطراف المتصارعة في أوكرانيا وروسيا للمساعدة في التوصل إلى حل دبلوماسي.
ومع ذلك، تخلت مصر عن هذا الحياد استجابة لدعوة سفراء دول مجموعة السبع في القاهرة - كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة - والاتحاد الأوروبي مصر في 1 مارس الجاري للتصويت ضد الغزو الروسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقالوا في بيان ، "ما نحتاجه هو أن تدين جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالإجماع الهجوم الروسي على أوكرانيا، وأن تقف إلى جانبها، وتؤكد التزامنا الراسخ بسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها ونحن على يقين من أن الحكومة المصرية تتمسك بنفس مبادئ السلام والأمن والاستقرار والسيادة على أساس القواعد الدولية "، في الواقع، صوتت القاهرة في 2 مارس لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا.
لكن القاهرة حاولت التخفيف من تأثير التصويت على علاقاتها مع موسكو وأكدت وزارة الخارجية المصرية في بيان أصدرته في 2 مارس، عقب اجتماع الأمم المتحدة ، أن "التصويت نابع من إيمان مصر الراسخ بقواعد القانون الدولي ومبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة"، حرصت القاهرة على التأكيد على ضرورة "مناقشة جذور الأزمة الحالية وأسبابها والتعامل معها بما يضمن نزع فتيل الأزمة وتحقيق الأمن والاستقرار".
وأشارت الخارجية المصرية إلى أنها "ترفض فرض عقوبات اقتصادية ليست ضمن آلية نظام دولي متعدد الأطراف ، انطلاقا من تجارب سابقة كان لها عواقب إنسانية سلبية وخيمة وفاقمت من معاناة المدنيين على مدى العقود الماضية".
حاولت مصر إبعاد قناة السويس عن الأزمة الروسية الأوكرانية. وأعلنت عدم إغلاق قناة السويس أمام السفن الروسية وقال رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع إن قناة السويس قناة عالمية محايدة لا تخضع للسياسات والحروب و"لا يمكننا منع أي سفينة من الإبحار في القناة لأي سبب سياسي، ونحاول دائمًا إبعاد القناة عن السياسة المحيطة".
تعتمد مصر أيضًا على روسيا في استيراد الطاقة وقبل أيام قليلة من الغزو الروسي لأوكرانيا، أعلنت وزارة الطاقة والثروة المعدنية المصرية أن موسكو والقاهرة ستوقعان قريباً اتفاقية مبدئية لبدء استخدام الغاز الطبيعي في قطاع النقل في حين أن وضع هذه الاتفاقية غير واضح، فإن العلاقات المصرية الروسية يمكنها تجاوز الأزمة الأوكرانية كما أن الاتفاقيات والعلاقات بين البلدين لن تتأثر بالموقف المصري في الأمم المتحدة، ويرجح المراقبون أن مصر لن تشارك في العقوبات ضد روسيا حتى لو تعرضت لضغوط أمريكية أوروبية.
وأكد الموقع الأمريكي أن رغبة القاهرة هي أن تنتهي الحرب بين روسيا وأوكرانيا في أسرع وقت ممكن، بسبب الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها، وأفادت رويترز في 2 مارس أن الغزو الروسي تسبب في خسائر اقتصادية لمصر ، قائلاً: "شهدت مصر، ضمن العديد من الأسواق الناشئة، خروج مئات ملايين الدولارات من أسواق سندات الخزانة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا الأسبوع الماضي حيث يفر المستثمرون من الأسواق الناشئة بحثًا عن ملاذات استثمارية أكثر أمانًا.
ويبدو أن السياسة التي ترسمها مصر تجاه الأزمة الراهنة ترتكز على الالتزام بالحياد رغم الضغوط الغربية والروسية، وذلك لأن للقاهرة مصالح مع جميع أطراف الأزمة، ومن الصعب عليها الانحياز لي جانب ضد الآخر.