"الأبيض والأسود".. تأثير الحرب الروسية على اقتصاد الشرق الأوسط
كيف تأثرت الأسواق الاوربية بالحرب الروسية على أوكرانيا؟
يتردد صدى الهجوم العسكري الروسي المستمر على أوكرانيا عبر أسواق السلع الأساسية فى جميع أنحاء العالم، وفي الوقت الحاضر تركز وسائل الإعلام الغربية بشكل أساسي على الآثار المباشرة للغزو العسكري والعقوبات الناتجة عن ذلك على أسواق السلع الأوروبية والأمريكية. وتشهد أسعار النفط الخام ارتفاعا حادا في الوقت الذي تمر فيه أسواق الغاز الطبيعي بأزمة، وفقًا لمجلة أويل برايس المتخصصة في شؤون الطاقة.
تم تسليط الضوء على أهمية روسيا في أسواق الطاقة الأوروبية في الأسابيع الأخيرة، مما يكشف عن مدى اعتماد أوروبا على واردات النفط والغاز الروسية، حتى أسواق الطاقة الأمريكية تضررت من هذه التطورات وفي الوقت نفسه، دعا السياسيون الغربيون أوبك لإعداد إنتاج إضافي لمواجهة أي حصار محتمل لصادرات الطاقة الروسية وهذا الاعتقاد الواضح بأن أوبك لديها القدرة على توفير أسواق الطاقة هو اعتقاد قد يهتز في المستقبل القريب لأسباب وجيهة، وستكون الأزمة الروسية الأوكرانية عاملاً رئيسًا لزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتهدد بالاضطرابات في عواصم عدة بالشرق الأوسط وأماكن أخرى كما يمكن أن يكون تأثير الأزمة على السلع الزراعية وحتى السياحة كبيرًا.
القمح والذرة والزيوت..خسارة كبيرة فى الصادرات الأوكرانية
بدأ بعض المحللين بالفعل في تقييم كيفية تأثير خسارة الصادرات الزراعية الأوكرانية، وخاصة الذرة والقمح وزيت عباد الشمس وزيت بذور اللفت، على الأسواق الاستهلاكية
تراجع الصادرات الروسية من البترول والغاز..أثار يجابية لدول "الأوبك"
بينما تحاول العديد من الدول في المنطقة البقاء على الحياد بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، لا يمكن تجنب الحقائق الاقتصادية للغزو. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها، قد يُنظر إلى احتمالية تراجع صادرات الطاقة الروسية على أنها إيجابية ولن تدعم أسعار النفط المرتفعة الإيرادات الحكومية فحسب، بل ستعزز أيضًا مكانة أوبك داخل أسواق النفط وينطبق الشيء نفسه على قطر، حيث تسعى أوروبا بشدة لاستبدال الغاز الطبيعي الروسي بكميات من الغاز الطبيعي المسال القطري ويمكن تقديم نفس الطلب لكل من الجزائر ومصر ومع ذلك، فإن صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا تواجه الآن قيودًا لوجستية، حيث أن معظم مصانع إعادة تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى الغاز في الاتحاد الأوروبي وتخزينه ممتلئة بالكامل.
زيادة الطلب على البترول السعودى
من ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي زيادة الطلب من أوروبا على النفط السعودي إلى زيادة قدرة السعودية على النفط. رسميًا، لم تُبد الرياض أي استعداد لزيادة إنتاجها، ولا تزال طاقتها الإنتاجية غير معلنة ويكتنفها الغموض.
انعاكسات العقوبات الاقتصادية على روسيا..تركيا وإسرائيل تعانيان
وفي الوقت نفسه، قد يكون للعقوبات المالية على روسيا آثار سلبية على دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تتمتع القطاعات المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بصلات قوية مع الجهات الفاعلة الروسية، وبالنسبة لبعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخاصة إسرائيل وتركيا، فإن الوضع معقد بشكل خاص؛ فقد وضعت الحرب الروسية الشاملة ضد أوكرانيا إسرائيل تحت الضغط، بينما تتجه تل أبيب ببطء نحو وجهة نظر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإنها تشعر بالقلق من التداعيات المحتملة في سوريا وإيران إذا اتخذت الجانب الخطأ من روسيا، فإذا اختارت إسرائيل الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة، فيجب توقع تداعيات عسكرية واقتصادية من موسكو أما بالنسبة لتركيا، العضو في الناتو، فإن إمداداتها الرئيسية من الطاقة مرتبطة مباشرة بروسيا ويمكن أن تكون صلاتها بآسيا الوسطى والقوقاز مهددة وسيصبح مأزق أنقرة صعبًا بشكل خاص إذا دعاها أعضاء الناتو إلى إغلاق مضيق البوسفور لعمليات نقل البحرية الروسية، كما يبحث الناتو في شرق البحر المتوسط في الوقت الحالي، حيث تتجمع قوة بحرية روسية قوية مؤخرًا.
في حين أن كل من أسواق الطاقة والمخاوف الأمنية صحيحة، فإنها تتضاءل مقارنة بالمنتجات الغذائية والزراعية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إذ تعتبر روسيا وأوكرانيا من أكبر الدول المصدرة للقمح في العالم، حيث يذهب حجم كبير منها إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخاصة مصر والسعودية وغيرهما.
لا شك في أن الإمدادات الغذائية ضرورية للحفاظ على الاستقرار في معظم الدول العربية وأن الخسارة المحتملة لإمدادات القمح والذرة وحتى زيت عباد الشمس لمصر وغيرها ستؤثر بشكل مباشر على الاستقرار المحلي والإقليمي فبدون الإمدادات الروسية الأوكرانية، لن تتمكن أي دولة أخرى من سد الفجوة، وربما تظهر أعراض تعطل التوريدات على مصر خلال الأسابيع المقبلة، حيث استوردت البلاد، التي يقطنها أكثر من 100 مليون مواطن، حوالي 12.5 مليون طن من القمح في 2020-2021، جاء 85٪ منها من روسيا وأوكرانيا، وقد يؤدي نقص الغذاء إلى دفع الحكومة المصرية إلى مأزق، كما حدث قبل الربيع العربي ومن المحتمل أن تشهد ليبيا والجزائر مآزق مماثلة.
تعد أوكرانيا أيضًا في المرتبة 13 في العالم من حيث إنتاج الصلب وخامس أكبر مصدر لخام الحديد من حيث الحجم. بإنتاج 21.4 مليون طن متري من الصلب الخام في عام 2021، تم تصدير 80٪ من الحديد الأوكراني إلى مصر.
ربما تتأثر السياحة القادمة من روسيا وأوكرانيا إلى دول مجلس التعاون الخليجي، مثل الإمارات العربية المتحدة، وهناك قلق مماثل في تركيا بسبب احتمالات إلغاء رحلات ملايين الروس الذين يتدفقون عادة إلى شواطئها ويمكن أن يكون التأثير العام لهذا الغزو مدمرًا على المنطقة، خاصة بعد عامين من التداعيات الاقتصادية الكارثية بسبب جائحة كوفيد-19، على قطاع السياحة وستكون خسارة مليارات الدولارات ضربة قاسية لمصر وتركيا ودبي.
وبينما دفعت التطورات في أوكرانيا أسعار النفط الخام إلى ما يزيد عن 105 دولارات للبرميل يوم الخميس، فإن احتمالية حدوث اضطرابات جديدة في المنطقة وحتى اشتعال ربيع عربي ثان أكثر إثارة للقلق بالنسبة للأسواق ويمكن أن يقلل كل من جولدمان ساكس وجيه بي مورجان من تقديرهما بتقييماتهما البالغة 125 دولارًا للبرميل، ولكن على أية حال فإن الخسارة المحتملة للنفط والغاز الروسي إلى جانب الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستكون كارثية على أسواق النفط.