الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
سياسة

من هو "زيلينسكي" رئيس أوكرانيا ؟.. الممثل الكوميدي الذى يواجه الإعصار الروسى

الرئيس نيوز

عندما انتخب رئيساً لأوكرانيا في أعقاب انتصار انتخابي كاسح في 31 مارس 2019، كان الفنان الكوميدي فولوديمير زيلينسكي ما زال دائم الابتسام، وظل يطلق وعوده للناخبين بعدم الإخفاق، متحدثاً عن إعادة تحريك محادثات السلام مع الانفصاليين في إقليم دونباس شرق البلاد بغية إنهاء سنوات من القتال هناك، فلم يكن يحظر بباله إعلان الإقليم استقلاله في شكل جمهوريتين انفصاليتين بادرت موسكو للاعتراف بهما.
ووفقًا لصحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية، وبعد انتقاله من لعب أدوار بمسلسلات تلفزيونية شهيرة إلى تولي الرئاسة فعلياً منذ 2019، يواجه زيلينسكي اليوم الحشود العسكرية الروسية التي بدأت بالفعل عملية عسكرية مثيرة للجدل على الأراضي الأوكرانية، فتذهب موسكو إلى تسميتها عملية دفاعية بينما يصر المخالفون لسياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تسميتها "الغزو الروسي".
لكن يبدو أن المرح انتهى واختفى منذ زمن، فقد تمركزت قوات قوامها 190000 جندي روسي حول الحدود الأوكرانية، ويتصاعد منذ الساعات الأولى من صباح اليوم القصف حول المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون المدعومون من روسيا في المناطق الأوكرانية الشرقية، وبالفعل نشرت شبكة سي إن إن صورًا لتصاعد أعمدة الدخان بالقرب من كييف وذكرت أن الصور تم التقاطها من شرفة قصر رئيس الجمهورية، زيلينسكي.
إذن كيف وجد زيلينسكي نفسه في هذا الموقف، وهو البالغ من العمر 44 سنة، وكان مبتدئاً في السياسة قبل ترشحه للرئاسة؟ إنها حالة حياة صارت أشبه بمسرحية ولكنها ليست كوميدية بالقدر الكافي، بل حياة واقعية كتب القدر لها أن تحاكي العمل الفني، فزيلينسكي نفسه أدى دور الرئيس في مسلسل تلفزيوني من قبل .
ولد فولوديمير لعائلة أوكرانية يهودية، وكان والده عالم متخصص في الحاسوب، ووالدته مهندسة، ونشأ في مدينة كريفيي ريه، المدينة الصناعية الرئيسة التي يتحدث سكانها باللغة الروسية، وذكرت الصحيفة البريطانية أن زيلينسكي عندما كان شابًا كان الأصدقاء وأعضاء الأسرة والمقربون ينادونه باسم "فوفا"، وكان يهوى الاستماع إلى موسيقى الروك الإنجليزي ويجيد العزف على الجيتار وفي وقت لاحق، حصل على شهادته الجامعية في الحقوق، في مسار الاتجاه المهني الذي ظنت والدته أنه يستطيع أن يسلكه.
ولكن التمثيل الكوميدي سبق المحاماة في حياة الشاب، فقد استحوذ الفن على خيال زيلينسكي لتكون البداية برنامج بثه التلفزيون الروسي بعنوان "كي في أن " KVN، وكان برنامج المسابقات والمواهب يستضيف فرقاً من كافة أنحاء الاتحاد السوفيتي السابق للتنافس في تقديم الاسكتشات الكوميدية واللقطات الهزلية القائمة على موهبة الارتجال، ومن ثم شارك زيلينسكي في تلك المسابقات – ضمن فرق مدرسية وفرق محلية – ثم حاز مكانة ثابتة في فريق مدينته، كريفيي ريه. وفي منتصف التسعينيات تابع مع أصدقائه النشاط الكوميدي لتأسيس فرقتهم الخاصة التي حملت اسم حي في كريفيي ريه، الحي 95 – أو "كي فارتال 95"، وفي أوائل 2003، شارك في تأسيس شركة إنتاج تلفزيوني حملت نفس الاسم، ومنح زيلينسكي بعض أصدقائه، من فرقة "كي فارتال 95"، مناصب وحقائب وزارية وأدواراً في إدارته عندما انتخب رئيساً.
وفي 2003 أيضًا تعرف على الفتاة أولينا زيلينسكا، التي أصبحت السيدة الأولى اليوم، وكانت من زميلات الدراسة، ورزقا باثنين من الأطفال؛ ولد وبنت.
ومع مرور الوقت يتمكن زيلينسكي من تحقيق تجربة ناجحة في برامج البث المباشر وغيرها من العروض التلفزيونية المتنوعة، وأيضاً في الأفلام في ما بعد وزار موسكو ودول الاتحاد السوفيتي السابق، على الرغم من قوله إثر ضم روسيا لشبه جزيرة القرم سنة 2014، إن شركته قطعت صلاتها الروسية، أما بالنسبة إلى روح المرح التي تميزه، فقد أشار إليها فلاديسلاف دافيدزون، محرر مجلة "ذا أوديسا ريفيو"، قائلا: "الكوميديا التي كان يؤديها هي كوميديا صبيانية، سوقية أكثر ملائمة لمزاج الطبقات العاملة، أو ما يسميه الروس المرح السوقي"، وفي مقابلة مع "بي بي سي"، ذكر زيلينسكي إنه أحب مونتي بيثون، قبل أن يشير إلى أن جمهوره أقرب إلى أن يستسيغ أكثر نوع الكوميديا الذي يقدمه النجم البريطاني  "بيني هيل".
استطاع زيلينسكي أن يبني شهرة كبيرة بأداء دور الشخص العادي، وبالفعل برع في الأعمال الكوميدية الهزلية أو في أداء البطولة في الكوميديات الرومانسية التي تتميز بجانب تهكمي ساخر، إلا أن عمله الأهم انتظر حتى سنة 2015 كي يتحقق، وجاء بعنوان "سيرفنت أوف ذا بيبول" (خادم الشعب)، ولعب زيلينسكي دور "فاسيل هولوبورودكو"، أستاذ المدرسة الثانوية المتواضع الخجول، الذي صوره أحد التلامذة وهو يطلق كل ما في صدره من كلام مشحون وألفاظ نابية ضد الطبقة السياسية في أوكرانيا، واستقبل الجمهور شخصية هولوبورودكو باحتفال واحتفاء ومن ثم حقق شعبية واسعة، وفي هذا الدور، وعلى الرغم من عدم ترشحه للرئاسة، فإن الشعب ينصبه رئيساً لأن الرجل لا يثق بالرؤساء الذين حكموا قبله، ويحيط مدرس الثانوي هولوبورودكو نفسه بأصدقائه الأقدم.
حقق الدور الذي بثته شبكة "1+1" نجاحاً كبيراً، حيث منح المشاهدين فرصة الضحك والحلم بإصلاح البلاد في أعقاب التظاهرات التي أدت إلى إسقاط فيكتور يانوكوفيتش في السنة السابقة ومضى زيلينسكي في طريق شهرته التي لم تقتصر منذ تلك اللحظة على الكوميديا، فأطلق حزباً سياسياً يحمل اسم برنامجه التلفزيوني "خادم الشعب"، وركب موجة السخط العام من الجمود في المشهد السياسي العام، بما فيه منصب الرئاسة وقد استخدم عدم خبرته لمصلحته، نظراً لقلة ممارساته السياسية الفعلية السابقة، ولعدم وجود سجل سياسي خاص به يمكن مهاجمته على أساسه، كما يحدث لمنافسيه وذكر في هذا الإطار أنه يدرك أن الناس يريدون "شيئاً جديداً، ويريدون انتخاب شخص ذي وجه إنساني". لذا فقد قل اعتماده على الخطب الرسمية والتجمعات، وفضل مواد الفيديو المنشورة عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
جهود إحلال السلام
حصل زيلنيسكي على 73 في المئة من الأصوات في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وتولى الرئاسة، ونشر فيديوهات لأحاديث هادئة وحميمة وغير رسمية من بينها مقطع فيديو في سيارته بينما يطلب وجبة من مطعم "ماكدونالدز" وعلى الرغم من الفيديوهات الأحدث التي حاولت التأكيد على ظهوره بمظهر القائد العام للبلاد، فإن المشاهد لم تخلُ من أداء مسرحي أشار إلى خلفيته الاستعراضية خلال السنة الأولى من رئاسته وقد جرى في هذا السياق تنظيم مسابقة مفتوحة لاختيار شخص يتولى وزارة الإعلام في إدارته، فتقدم 4 آلاف مرشح تمت مراجعة مؤهلاتهم وأيضاً مدى طرافتهم وقدراتهم على تحمل الضغوط، وفي شهر أكتوبر 2019، بهدف محاولة رد الاتهامات القائلة إن إدارته لا تمارس الشفافية بالقدر الذي كان متوقعاً، عقد زيلينسكي مؤتمراً صحفياً طوال 14 ساعة في سوق الطعام بمدينة كييف.
شؤون الرئاسة لم تكن بالقدر الذي كان يتوقعه من السهولة، إذ أن جهود إحلال السلام في منطقة دونباس جمدت بعد بضع محاولات لإعادة تحريك عجلة العملية السياسية التي لم تحرز أي تقدم قبيل الحشد العسكري الروسي الأخير، وفي الجانب الآخر من شعارات ترشح زيلينسكي للرئاسة وشعار  "تفكيك الأوليجارشية" كانت هناك أيضاً بعض التحركات بواسطة تشريعات تعرف الأوليجارشيين قانونياً وتخضعهم للقيود، منها حظر تمويل الأحزاب السياسية ولكن منتقدي الرئيس الأوكراني رأوا أن تلك التدابير صورية ولصالح الحلفاء الغربيين، بدل أن تعالج المسائل الجدية العميقة التي تواجهها الدولة، وكذلك واجه زيلينسكي انتقادات حادة بسبب علاقته بشخصية "إيهور كولومويسكي"، أبرز ملاك شبكة "1+1" الإعلامية  التي بثت مسلسل "خادم الشعب"،  الذي أيدت إمبراطوريته الإعلامية الأكبر حملة زيلينسكي الرئاسية إلا أن الرئيس الأوكراني نفى مراراً أن يكون "ألعوبة" في يد رجل الإعلام كولومويسكي.
كان على زيلينسكي أن يسير على الحبل، وكان يتوخى الحذر الشديد من أجل تجنب الوقوع في المتاعب وتفادي الوقوع في الخطأ حين يتعلق الأمر بالولايات المتحدة والغرب عموماً، حيث تعتمد كييف بالتحديد على الولايات المتحدة على مستوى الدعم العسكري والدبلوماسي الأوسع. وقد جاء المؤتمر الصحفي الماراثوني الذي عقده زيلينسكي طوال 14 ساعة بعد شهر من بداية انتشار تفاصيل المكالمة الهاتفية بينه وبين الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب، في يوليو 2019، وفي تلك المكالمة بدا ترمب كأنه يقترح بأنه يريد من زيلينسكي التحقيق في الصفقات التجارية التي يعقدها هانتر بايدن، نجل منافسه في الانتخابات الرئاسية الأميركية جو بايدن، الرئيس الأمريكي الحالي، مقابل دعوته لزيارة واشنطن وحصوله على دعم عسكري أمريكي إلا أن ترمب وزيلينسكي نفيا كلاهما أي اتفاق من هذا القبيل، وقد جرت مساءلة ترمب من قبل النواب الديمقراطيين في مجلس النواب الأميركي في محتوى المكالمة، ولكن ترمب عاد وأثبت براءته خلال محاكمته في مجلس الشيوخ.
تعرض زيلينسكي في تلك الفترة للارتباك، لكن الأمر أظهره رئيساً مكافحاً لإيجاد صوته كرجل دولة، وهذه الشخصية الأخيرة التي تبدو واحدة من الشخصيات القليلة التي لم يتمكن بعد من إقناع الناس بأدائه لها وسعى أيضاً لاجتياز مأزق مماثل في إطار الأزمة الراهنة القائمة عند حدود بلاده، إذ إنه استخف بكلام قادة غربيين أمثال الرئيس بايدن وبوريس جونسون حين قالا إن الاجتياح الروسي وشيكاً، واعتبر أن مجرد الكلام لن يساعد أوكرانيا.
وتتراجع معدلات التأييد الشعبي لزيلينسكي منذ فترة وهو يدرك أنه عالق بين مطرقة الروس وسندان الناتو، إذ لا يمكنه لوم الغرب بشكل كامل، لأنه بحاجة إلى دعمه، لكن عليه في الوقت عينه أن يظهر لناخبيه أن في وسعه حمايتهم وكونه انتخب بناء على وعد العمل لإرساء السلام، عليه أن يظهر أيضاً أنه ما زال مستعداً للحوار.
سافر زيلينسكي إلى مؤتمر الأمن في ميونيخ هذا الأسبوع، وقال إن الأوكرانيين ليسوا "خائفين، ونحن نريد أن نعيش حياتنا" ودعا بوتين كي يختار مكاناً يمكنهما أن يجتمعا فيه لمحاولة حل الأزمة قائلاً: "سوف تستمر أوكرانيا بانتهاج السبيل الدبلوماسي فقط، بغية الوصول إلى حل سلمي". كما اتهم الرئيس الأوكراني القادة الغربيين باعتماد "سياسة المهادنة" تجاه موسكو، وطالب بمنح أوكرانيا ضمانات أمنية جديدة وكانت العقوبات الغربية على روسيا هي ما يسعى إليه زيلينسكي على ما يبدو، وذلك لمحاولة كبح موسكو قبل تفاقم الأزمة.
وأضافت ذي إندبندنت: "إن الضغوط تتراكم على كاهل زيلينسكي، بل ينوء تحت ثقلها اليوم، فهو الذي غرد عبر "تويتر" قبل بضعة أيام متحدثاً عن الحاجة إلى التوصل لوقف كامل لإطلاق النار في شرق أوكرانيا، وسوف يحتاج إلى القادة الغربيين وبوتين وإلى الشعب الأوكراني كي يأخذوا سلطته على محمل الجد أي أنه يواجه أداء الدور الأكثر قسوة في حياته.