الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

كيف يضع الصراع الروسى الأوكرانى مستقبل أوروبا والعالم على المحك؟

الرئيس نيوز

غرد وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا عبر موقع تويتر صباح اليوم لكي يحث على الدعم الفوري لبلاده من جميع أنحاء العالم، وكتب في تغريدته: "على العالم أن يتصرف على الفور، فإن مستقبل أوروبا والعالم أصبح على المحك، وتضمنت تغريدات كوليبا أشكال الدعم الذي تتوقعه أوكرانيا الآن، وهي:
1. فرض عقوبات رادعة ضد روسيا
2. عزل روسيا بالكامل بشتى الوسائل
3. توريد الأسلحة والمعدات لأوكرانيا
4. المساعدات المالية
5. المساعدات الإنسانية
يأتي ذلك في الوقت الذي شاركت فيه شبكة سي إن إن نيوز صورة من مكتب الرئيس الأوكراني في العاصمة كييف في أعقاب سماع دوي الانفجارات القوية، وبينما تخوض روسيا الحرب، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن فرض الأحكام العرفية التي ستغطي البلاد بأكملها وأشار زيلينسكي إلى أن: "روسيا شنت ضربات صاروخية على البنية التحتية وأهداف تابعة لحرس الحدود"، يأتي ذلك بعد أن تحدث الرئيس الأوكراني زيلينسكي ونظيره الأمريكي جو بايدن عبر الهاتف في وقت سابق من صباح اليوم.
في غضون ذلك، غرد العديد من الشهود على تويتر عن استخدام صواريخ صوتية لمهاجمة مدينة كراماتورسك الأوكرانية بينما تم إطلاق النار على القاعدة الميكانيكية رقم 54 في أوكرانيا، وبدأت الحرب الروسية على أوكرانيا للتو ومن المرجح أن يهرع المستثمرون والمتداولون في هجرة جماعية ومن ثم ارتفاع الطلب على أصول الملاذ الآمن مثل الذهب، ووفقًا لصحيفة بوسطن جلوب فإن مقياس الخوف في الأسواق هو العقود الآجلة لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 الذي انخفض بنسبة 2٪ تقريبًا خلال تعاملات اليوم.
تعد روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم جنبا إلى جنب مع أوكرانيا، وكلاهما يمثل ما يقرب من 29٪ من سوق تصدير القمح العالمي، وأشار دون تيورا، رئيس مجموعة سورسنج إندستري جروب إلى أن الصين هي المستورد الأكبر للذرة الأوكرانية، بعد أن حلت أوكرانيا محل الولايات المتحدة كأكبر مورد للذرة في الصين في عام 2021، وركز المحللون على مكانة روسيا وأوكرانيا بصفتيهما من كبار الموردين للمعادن وسلع أخرى، وبينما سيتأثر الاتحاد الأوروبي بالأزمة المتصاعدة، ستتأثر ألمانيا بشكل خاص ومن المقرر أن ترتفع أسعار النفط والغاز بشكل أكبر مع تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية، لكن التأثير على الطاقة لن يكون التداعيات الوحيدة.
من القمح إلى الشعير والنحاس والنيكل، تحدث المحللون لقناة سي إن بي سي الإخبارية الأمريكية متوقعين تعطل حاد لسلاسل التوريد مع تحول الأزمة الأوكرانية – الروسية إلى الأسوأ، وذكر آلان هولاند، الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة تكنولوجيا المصادر "كيلفار" أن أوكرانيا تعتبر سلة خبز أوروبا، وسيؤدي الغزو إلى تضرر سلسلة التوريد الغذائية بشدة.
ووصلت التوترات بين روسيا وأوكرانيا إلى ذروتها في الأيام القليلة الماضية حيث أمر الرئيس فلاديمير بوتين قواته بالانضمام إلى منطقتين انفصاليتين مواليتين لروسيا في شرق أوكرانيا وجاء ذلك القرار بعد أن أعلن الكرملين الاعتراف رسميًا باستقلال دونيتسك ولوهانسك ومن جانبه، وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الثلاثاء تصرفات روسيا بأنها بداية "غزو" لأوكرانيا.
الأمن الغذائي
قال محللون إن أوكرانيا تنتج القمح والشعير وحبوب الجاودار التي تعتمد عليها كثير من دول أوروبا كما أنها منتج كبير للذرة، وأكد هولاند: "على الرغم من أن موسم الحصاد لا يزال على بعد بضعة أشهر، إلا أن الصراع المطول من شأنه أن يؤدي إلى نقص الخبز وارتفاع الأسعار على عاتق المستهلكين في الخريف المقبل"، ويبدو أن الاتحاد الأوروبي لن يكون هو الوحيد الذي سيتضرر؛ فالعديد من الدول في الشرق الأوسط وأفريقيا تعتمد أيضًا على القمح والذرة الأوكرانيين، وقد تؤثر الاضطرابات في هذا الإمداد على الأمن الغذائي في تلك المناطق، كما قال دون تيورا.
ولفتت القناة الإخبارية إلى أن الغالبية العظمى من الأمريكيين عادة ما تولي القليل من الاهتمام للمخاطر والسياسة في أوكرانيا ولكن حشد القوات الروسية على حدودها، وسيل التقارير الإخبارية القادم من شرق أوروبا يحمل تداعيات خطيرة تؤثر بالفعل على الأمريكيين العاديين وسوف تتفاقم إذا تعمقت الأزمة، على سبيل المثال، هناك أسعار الغاز الآخذة في الارتفاع، وأموال حسابات التقاعد التي أصبحت تحت الحصار بسبب تعثر أسواق الأسهم ويثير شبح الغزو الشامل لأوكرانيا مخاوف من انتشار الصراع، مما يؤدي إلى أزمة إنسانية هائلة، واضطرابات اقتصادية كبيرة، وهجمات إلكترونية روسية على الولايات المتحدة، سيكون لها تداعيات اقتصادية رهيبة.
وقال بول كولبي، مدير مشروع الاستخبارات بكلية هارفارد كينيدي ومحلل وكالة المخابرات المركزية السابق: "لقد تعرضنا لأكبر عمل عدواني من قبل دولة قومية على دولة لا تشكل تهديدًا لها منذ الحرب العالمية الثانية"، ورجح كولبي إمكانية "استمرار الصراع لأشهر أو سنوات" وتقع أوكرانيا على بعد أكثر 4000 ميل من أمريكا، على مفترق طرق جيوسياسي حرج شهد صراعات دامية عبر التاريخ، بما في ذلك الحربان العالميتان في القرن العشرين وعلى هذا النحو، فإن مستقبلها له أهمية حيوية للأمريكيين والغرب، كما قال كولبي ومحللون آخرون.
قال كولبي إن الغزو الروسي الذي يمتد إلى ما وراء منطقتي دونيتسك ولوهانسك الانفصاليتين، واللتين اعترف بهما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنهما دولتان "مستقلتان" هذا الأسبوع، "سيكون ديناميكيًا للغاية وعنيفًا بشكل غير عادي ومن المتوقع أن سيزيد من جرأة نظام متهور بالفعل" إذا لم يرد الغرب بقوة، وفي يوم الثلاثاء، أعلن الرئيس الأمريكي جون بايدن عن أول موجة من العقوبات المفروضة على المصارف والنخبة الروسية ردا على ما أسماه بداية الغزو وأرسلت روسيا هذا الأسبوع قوات إضافية إلى الأراضي الأوكرانية الشرقية في دونيتسك ولوهانسك، حيث اندلع القتال بين الانفصاليين الناطقين بالروسية والحكومة منذ عام 2014.
وقال بايدن إن الولايات المتحدة مستعدة لفرض المزيد من العقوبات إذا ذهبت روسيا إلى أبعد من ذلك وفي استطلاع أجرته جامعة كوينيبياك في الأسبوع الماضي، قال 55% من المشاركين إنهم يتوقعون أن تؤدي الأزمة إلى حرب بين روسيا وأوكرانيا.
وقد أدان بايدن وزعماء غربيون آخرون بوتين بسبب الغزو، قائلين إنه يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي، وإن حربا واسعة النطاق من شأنها أن تكبد الشعب الأوكراني خسائر فادحة، وبينما ينتظر العالم خطوة بوتن التالية، يكاد يكون من المؤكد أن الحرب سوف تعني أن غالبية سكان العالم سيضطرون لدفع المزيد من المال لشراء البنزين لسياراتهم ومركباتهم وبالفعل ارتفعت أسعار النفط إلى ما يقرب من 100 دولار للبرميل، وهو مؤشر لم يشهده العالم لأكثر من سبع سنوات وانخفضت المخزونات كما أن أسعار الأغذية والسلع، التي ارتفعت بالفعل بسبب التضخم، قد ترتفع إلى أعلى من ذلك ويتوقع الباحثون في بنك أوف أميركا أن أسعار النفط قد تقفز بمقدار 20 دولاراً إضافياً للبرميل إذا تفاقمت الأزمة.
ويعد الرد الغربي إشارة حاسمة إلى بقية العالم، كما تعتقد بولا دوبريانسكي، التي شغلت منصب وكيلة وزارة الدولة للشؤون العالمية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش وسفيرة أمريكا السابق في أيرلندا الشمالية وترجح دوبريانسكي، زميلة مشروع مستقبل الدبلوماسية بكلية هارفارد كينيدي، "إن ما يفعله الغرب في أوكرانيا سيكون له انعكاسات فيما يتعلق بكيفية تصور واشنطن والحلفاء وما سيفعله المعتدون والسلطويون الآخرون في أجزاء أخرى من العالم، إن أوكرانيا مهمة من حيث الإجراءات التي يتخذها الناتو وليس فقط بما يقوله، ولكن بما يفعله".
ومن المرجح أيضاً أن يقلق الأمريكيون الذين يعيشون في دول سوفييتية سابقة أخرى ــ مثل بولندا ودول البلطيق في ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا ــ من أن أهداف روسيا الطويلة الأجل تمتد إلى ما هو أبعد من أوكرانيا، ومن ثم هناك عائلات أمريكية لديها أعضاء في الخدمة متمركزين حالياً في أوروبا، بما في ذلك 4,700 مظلي تم نشرهم في بولندا لدعم حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا الشرقية، وبعيداً عن العنصر البشري، قالت دوبريانسكي إن الأمريكيين لابد وأن يشعروا بالقلق إزاء احترام وإنفاذ الاتفاقات العالمية، مضيفًا: "ينبغي لنا أن نهتم بالقانون الدولي وعندما نوقع أو ندعم المعاهدات والاتفاقات والبروتوكولات، فإننا نؤمن أيضا إيمانا راسخا بالتمسك بها ".
وأضافت أن مخالفة المعاهدات يجب أن تكون لها عواقب على الدولة المخالفة على سبيل المثال، وافقت مذكرة بودابست، التي وقعتها الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة في عام 1994، على احترام حدود أوكرانيا واستقلالها السياسي وفي المقابل، تخلت أوكرانيا عن ترسانتها النووية الكبيرة، وحتى الآن، تعتقد دوبريانسكي أن رد الغرب أثلج صدرها فقد أوقفت ألمانيا، على سبيل المثال، التصديق على خط أنابيب الغاز الطبيعي في التيار الشمالي الثاني "نورد ستريم – 2" مع روسيا، المورد الهام للطاقة إلى أوروبا الغربية وتابعت دوبريانسكي "من المهم جدا أن تكون هناك وحدة هدف حقيقية من حيث القلق بشأن نوع التهديد الذي تشكله روسيا"، ولكنها تعتقد "إن المزيد من العدوان الروسي سيأتي بالتأكيد".
وأضافت قائلة "إن المزيد من العدوان من جانب روسيا سيواجه بالتأكيد خطر زيادة التكاليف بالنسبة لروسيا، من حيث احتمال وقوع خسائر روسية، وكذلك من حيث التكلفة بالنسبة للاقتصاد الروسي، الذي يعاني من مآزق رهيبة للغاية" ويعتقد إيجور لوكس، أستاذ التاريخ بجامعة بوسطن المتخصص في أوروبا الوسطى، أن بوتن "وضع نفسه في مأزق"، وأن جزءاً على الأقل من دافعه إلى تهديد أوكرانيا يتلخص في تحويل انتباه روسيا عن مشاكلها.
وقال لوكس: "إن روسيا تخضع لدكتاتور فاشل يحتاج إلى أن يقدم لجماهيره سيلا لا ينتهي من المفاجآت والانتصارات الإيجابية، وقد أعجبتني الطريقة التي تعاملت بها منظمة حلف شمال الأطلسي والغرب مع الأزمة"، وأشاد لوكس بخطاب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في الأسبوع الماضي أمام الأمم المتحدة، حيث حدد العواقب المدمرة المحتملة للهجوم الروسي الكامل وقال لوكس: "إن الولايات المتحدة، التي تنهار عادة خلال الأزمات ثم تستيقظ نوعا ما وتصدر أحكاما أخلاقية، قد استبقت المشكلة في هذه المرة بخطاب قوي" ورجح لوكس أن أغلب الأمريكيين لن يشعروا بتأثيرات الحرب على الفور، ولكن العواقب على الأمد البعيد قد تكون عميقة إذا لم يتم التصدي لبوتن، مؤكدًا أنه مهما حدث لأوكرانيا، ستستمر الحياة في كنساس وكاليفورنيا ونيويورك وفلوريدا ولكن يمكن أن يكون التأثير تدريجيا جدا على ظروف الحياة، لأن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على التمتع بعالم حر غير مقيد يمكنها فيه بيع منتجاتها وأفكارها على نطاق عالمي".