كريدي سويس.. مغارة على بابا للنخبة الحاكمة في الشرق الأوسط بعد الربيع العربي في 2011
في السنوات الأخيرة من حكم والدهما الذي دام ثلاثة عقود في مصر، كان جمال وعلاء مبارك، سادةً في عالمهم الخاص، يتنقلان بين المنتديات الاستثمارية والاجتماعات السياسية والمنازل الفاخرة وكان الاقتصاد التحرري في عهد الرئيس حسني مبارك مزدهرًا، وكان للأخوين صلات عديدة سمحت لهما بالاستفادة من ذلك الازدهار لصالحهما الخاص.
ولفت تقرير منظمة الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد أن الشقيقين كانا قريبين للغاية من التخطيط لخفض الدعم الحكومي، وخصخصة الشركات الحكومية بشكل مربح، وكان بإمكانهما الحصول على الأراضي المملوكة للحكومة بسعر رخيص، بحكم علاقاتهم وكونهم من الأشخاص النافذين في الدولة، وبالتالي جمع الشقيقان ما تقدر قيمته بمئات الملايين من الدولارات من الفيلات والسيارات الفاخرة وحصص في كبرى الشركات المصرية، وهي بحق ثروة لافتة للنظر في بلد يعيش فيه ربع سكانه على أقل من 3.20 دولارًا في اليوم.
ولم يقتصر الأمر على الشقيقين، فقد ازدهر أقاربهم وأصهارهم وشركاؤهم في العمل و آباء زوجات الأخوين مبارك أيضًا وجنى هؤلاء أرباحًا طائلة من الشركات الحكومية، وانهار كل ذلك في غضون ثلاثة أسابيع فقط في عام 2011، عندما خرج الملايين إلى الشوارع في جميع أنحاء العالم العربي، مطالبين بمساءلة الطبقة الحاكمة التي كانت تكدس الثروة وترسلها إلى الخارج على مدار عقود وترك مبارك المنصب الكبير في فبراير، وفي غضون 30 دقيقة جمدت السلطات السويسرية مئات الملايين من الدولارات من الأصول المرتبطة به وبحكومته.
وأطلق المحققون حملة مطاردة عالمية لملايين مبارك كما تم تجميد الأصول المرتبطة بمسؤولين آخرين في اليمن وسوريا وليبيا في الأشهر والسنوات التالية ولكن المحاسبة الكاملة للأموال المخبأة في الخارج ظلت بعيدة المنال، لا سيما في ظل الولايات القضائية السرية التي فضلوها في كثير من الأحيان، والآن، تكشف البيانات المسربة من بنك كريدي سويس عن نظرة ثاقبة جديدة لبعض الثروة التي احتفظ بها آل مبارك والنخب الأخرى في البنك الذي يتخذ من زيورخ مقراً له في السنوات التي سبقت الربيع العربي، وبعد أن فقدوا قبضتهم على السلطة.
وأشارت المنظمة إلى أن التحقيق في أسرار كريدي سويس هو مشروع صحفي تعاوني يستند إلى بيانات حساب مصرفي مسربة من عملاق البنوك السويسرية، وحصل المشروع على البيانات من قبل مصدر مجهول قام بتمريرها إلى صحيفة سود دويتشه تسايتونج الألمانية، التي شاركت كافة البيانات مع مشروع الكشف عن الجريمة المنظمة والفساد.
وتسلط البيانات الضوء أيضًا على الدور الذي لعبه بنك كريدي سويس لسنوات في السماح لبعض النخب العربية بتكديس ثرواتهم في الخارج، حتى عندما اتُهموا هم وحكوماتهم بالمساس بمنطقة بأكملها من خلال الفساد والمحسوبية - المظالم في قلب الربيع العربي. الاحتجاجات.
من جانبها، قالت صحيفة الجارديان البريطانية إن تسريبات كريدي سويس لم تكشف سوى قمة جبل الثلج، وأشارت إلى أن هناك المزيد الذي يجب فعله من اجل ملاحقة المجرمين والمحتالين والسياسيين الفاسدين، كيف تستمر البنوك في الإفلات من العقاب؟ تقدم أحدث المعلومات التي تم الكشف عنها حول البنك السويسري لمحة أخرى عن العلاقة المتآكلة بين البنوك والشركات والمحاسبين والمحامين والوسطاء الماليين التي تمكن الأثرياء والنخب السياسية من الاستفادة من الممارسات غير المشروعة.
وأكدت الجارديان أن البنك نفسه ليس غريباً على الممارسات الجشعة فمنذ عام 2001، تم تغريمها 47 مرة على الأقل من قبل السلطات الأمريكية ودفع غرامات بلغ مجموعها 10.7 مليار دولار ومنذ عام 2010، تم تغريمه أيضًا في ست مناسبات على الأقل من قبل هيئة رقابة السلوك المالي في المملكة المتحدة ودفع غرامات بلغ مجموعها أكثر من 300 مليون جنيه إسترليني وأصبحت الغرامات مجرد تكلفة أخرى لممارسة الأعمال التجارية، ويتم نقلها إلى العملاء.
وأكدت الصحيفة البريطانية أن كريدي سويس ليس وحده، فتظهر قائمة أوراق بنما وأوراق باراديس وأوراق باندورا وتسريبات بنك إتش إس بي سي وتسريبات لوكسمبورج وغيرها أن كل بنك كبير تقريبًا متورط في ممارسات مشبوهة مثل هذه وقد أثارت كل هذه التسريبات نقاشًا عامًا - لكنها لم تلق استجابة تذكر من الحكومات.
وطالبت الصحيفة في ضوء التسريبات الأخيرة بإجراء تحقيق مستقل في عمليات البنك في المملكة المتحدة، خاصة وأن البنك هو مرتكب الجريمة المتكرر ومع ذلك، فإن فرص الشروع في التحقيق بالفعل منخفضة حيث تنشغل حكومة المملكة المتحدة في الترويج لإلغاء القيود وثقافة ريادة الأعمال ولن ترغب في تسليط الضوء على الجانب المظلم لهذا الأمر.
وعنونت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: "تسريبات كريدي سويس كشفت أين يخبئ الساسة ورؤساء المخابرات ملايينهم"، ونشرت الصحيفة تقريرًا لجيسي دراكر وبن هوبارد، ذكرا فيه أن قوائم عملاء البنوك السويسرية تعد من بين أكثر الأسرار التي تخضع لحراسة مشددة في العالم، حيث تحمي هويات بعض أغنى أغنياء الكوكب وتقدم أدلة على كيفية قيامهم بتجميع ثرواتهم.
والآن، يكشف التسرب غير العادي للبيانات من كريدي سويس، أحد البنوك الأكثر شهرة في العالم، كيف يحتفظ البنك بمئات الملايين من الدولارات لرؤساء الدول ومسؤولي المخابرات ورجال الأعمال الخاضعين للعقوبات وتغطي البيانات الحسابات التي كانت مفتوحة من أربعينيات القرن الماضي وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكن لا تغطي العمليات الحالية للبنك.
ومن بين الأشخاص المدرجين في قائمة حسابات كريدي سويس بملايين الدولارات العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وابنا الرئيس المصري السابق حسني مبارك. ومن بين أصحاب الحسابات الآخرين أبناء رئيس المخابرات الباكستانية الذي ساعد في تحويل مليارات الدولارات من الولايات المتحدة ودول أخرى إلى المجاهدين في أفغانستان في الثمانينيات والمسؤولون الفنزويليون المتورطون في فضيحة فساد طويلة الأمد، يُظهر التسريب أن البنك فتح حسابات واستمر في تقديم خدماته ليس فقط للأثرياء، ولكن أيضًا للأشخاص الذين كانت خلفياتهم إجرامية واضحة دون تمييز، وذكر دانييل ثيليسكلاف، الرئيس السابق لوكالة مكافحة غسل الأموال في سويسرا، إن البنوك السويسرية واجهت منذ فترة طويلة حظرًا قانونيًا على قبول أموال مرتبطة بنشاط إجرامي ولكنه قال إن القانون بشكل عام لم يتم تطبيقه.