غزو وعقوبات أم مصالحة.. هل تخرج روسيا من نفق الأزمة الأوكرانية؟
ستترك الخطوات التي قد يتخذها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حيال أوكرانيا تداعيات عميقة على أمن روسيا وأوروبا معاً وفقاً لما كتبه السفير النيوزيلندي السابق لدى موسكو أيان هيل في "معهد لووي" الأسترالي.
يقترح البعض إصدار الناتو وقفاً مؤقتاً لضم أعضاء جدد في صفوفه لكن ذلك لن يرضي روسيا على الأرجح بينما سيغضب أوكرانيا كما دولتي السويد وفنلندا المحايدتينيريد بوتين أولاً إعادة أوكرانيا إلى مدار روسيا لأسباب عاطفية في قسم منها وتتعلق بالهوية القومية والحنين الإمبريالي. فبوتين، مثل العديد من الروس، لا يقبل فعلاً بأوكرانيا كدولة وشعب منفصلين وهو مستاء من استقلالها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. لكن علاوة على ذلك، لدى بوتين هدف جيوسياسي أوسع. هو يريد إعادة رسم الهندسة الأمنية في أوروبا لما بعد الحرب الباردة.
بالتحديد، يسعى بوتين إلى وقف توسع الناتو نحو الشرق وعكس تمدده. كنتيجة طبيعية لذلك، يريد بوتين استعادة فضاء النفوذ حول الحدود الغربية لروسيا بما يعطيها عمقاً استراتيجياً.
يتعلق الأمر أيضاً بانعدام الأمان السياسي كما تابع هيل. يخشى الكرملين من الديموقراطيات المنفتحة التي تزدهر عند أعتاب روسيا (سواء في أوكرانيا أو بيلاروسيا) والتي توفر نموذجاً لمعارضيه في الداخل وقوة نقل للتأثير الخارجي. السياق الأكبر هو هدف بوتين المهيمن في إعادة تأكيد موقع ونفوذ روسيا العالميين كقوة عظمى، خصوصاً في الجوار القريب وإعادة بناء قوة روسيا الصلبة المتمثلة بجيش قوي لدعم طموحه.
نتائج سياسته
لغاية اليوم، يبدو أن الديبلوماسية القسرية كانت فعالة بالنسبة إلى بوتين. لقد حصل على انتباه الغرب بشكل عظيم. أجبرت مطالبات روسيا بضمانات أمنية مصحوبة بخطاب حربي وحشد عسكري تهديدي القادة الغربيين على التواصل مع روسيا وفقاً لشروطها. وعبر الحد من إمدادات الغاز، ذكرت روسيا القادة الأوروبيين بالرافعة التي تمتلكها من خلال اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية.
واتخذ بوتين خطوات لإعادة تأكيد وتوطيد العلاقات مع الصين من أجل ضمان دعم بكين لموسكو خلال أي أزمة مع الغرب. على مستوى التكتيك، أثبت التهديد باستخدام القوة فاعليته لبوتين مؤمناً أرضية عليا وقدرة على رفع وخفض الضغط على أوكرانيا والغرب. لكن إذا قرر بوتين الآن اجتياح الغرب، فقد يكون ذلك بمثابة خطأ استراتيجي فاضح ذي نتائج عكسية على المدى الطويل بالنسبة إلى روسيا.
تداعيات سلبية
سيؤدي تدخل روسي كهذا إلى إبعاد الشعب الأوكراني عن روسيا وتقريبه من أوروبا. من شأن اجتياح روسي تأجيج المشاعر القومية بين 43 مليون نسمة وسيقاومه الأوكرانيون بشدة. ثانياً، سوف يعمل هذا الاجتياح على تحفيز التماسك والحس بالهدف المشترك داخل حلف الناتو، بما يعزز الروابط بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.
وستتسبب العقوبات الغربية الواسعة النطاق بالضرر للاقتصاد الروسي وتدهور مستوى معيشة الروس العاديين الذين من غير المرجح أن يتلقوا الحرب مع أوكرانيا اليوم بالإيجابية نفسها التي تعاملوا من خلالها مع ضم القرم في 2014.
وسوف يؤدي ذلك على الأغلب إلى اعتماد أكبر لروسيا على الصين. ويسلك الاعتماد على الطاقة اتجاهين متعاكسين. بينما تحتاج أوروبا إلى الغاز الروسي، تحتاج روسيا إلى بيعه وأوروبا هي أكبر زبون لدى موسكو. إن قطع إمدادات الغاز سيمثل في النهاية هزيمة ذاتية لروسيا.
ما احتمالات الاجتياح؟
يرى هيل أن روسيا تملك بالتأكيد إمكانات الاجتياح لكن نوايا بوتين تبقى غير واضحة. قد يكون الأمر عبارة عن خداع لزعزعة استقرار أوكرانيا وانتزاع تنازلات من الغرب. لكن من المقلق أن بوتين لم يقبل أياً من المخارج الديبلوماسية التي قدمها إليه القادة الغربيون. لذلك، إن الخطر حقيقي وتشدد عليه تقارير تشير إلى أن روسيا قد تهندس راية زائفة داخل المناطق الانفصالية الموالية لها كي تؤمن ذريعة لهكذا تدخل عسكري.
أضاف الكاتب أن روسيا تتمتع بمروحة من الخيارات لضرب استقرار أوكرانيا لا تصل إلى حد الاجتياح الشامل، مثل التوغل المحدود الذي يهدف في الظاهر إلى تأمين حماية المواطنين الروس في المناطق الانفصالية. وقد تشن هجمات سيبيرانية على المؤسسات والبنى التحتية الأوكرانية كما يمكن أن تقطع إمدادات الغاز والكهرباء لأوكرانيا. وقد تدمج روسيا أكثر من خيار.
هل من مخرج للأزمة؟
لن يكون الأمر سهلاً وفقاً للديبلوماسي نفسه. يكمن التحدي في إيجاد تسوية متفاوض عليها تعطي بوتين ما يكفي لإقناعه بخفض التوترات وإرسال جنوده إلى ثكناتهم، لكن في الوقت نفسه لا يكافئ تمرد روسيا عبر إضعاف أمن الدول الشرقية في الناتو أو تقويض سيادة أوكرانيا. رفضت روسيا العروض الغربية لمناقشة سبل تعزيز الأمن الأوروبي من بينها قيود متبادلة على نشر الصواريخ وشفافية عسكرية أكبر حول التدريبات وحوار موسع على المستويين السياسي والعسكري، قائلة إن تلك العروض غير مناسبة.
واقترحت فرنسا تكثيف المحادثات حول وضع المناطق الانفصالية في شرق أوكرانيا لنزع فتيل التوتر بالرغم من أن التواصل الأساسي بشأن صيغة مينسك-2 لم يكن مشجعاً الأسبوع الماضي. في جميع الأحوال، يصعب رؤية توصل موسكو وكييف إلى اتفاق مستدام بالنظر إلى أهدافهما المختلفة بشكل جوهري: تطمح كييف إلى استعادة السلطة الكاملة على الأراضي الأوكرانية، بينما تريد موسكو من الاتفاقية أن تقوض السيادة الأوكرانية.
يقترح البعض إصدار الناتو وقفاً مؤقتاً لضم أعضاء جدد في صفوفه لكن ذلك لن يرضي روسيا على الأرجح بينما سيغضب أوكرانيا كما دولتي السويد وفنلندا المحايدتين، وفقاً لتوقع هيل. إذا كان لا بد من حل هذه الأزمة سلمياً فسيتطلب ذلك تسويات من جميع الأطراف، خصوصاً إذا حجبت نجاحات بوتين التكتيكية المخاطر الطويلة المدى في الداخل والخارج والتي تنطوي عليها سياسة حافة الهاوية التي يعتمدها. ودعا الكاتب الغرب ختاماً إلى الاستعداد لمواجهة طويلة مع روسيا.