بعد عرض "بشتقلك ساعات وأصحاب ولا أعز".. هل انتهى دور الرقابة على المصنفات الفنية ؟
أزمة تلو الأخرى تلقي بظلالها على الساحة الفنية بسبب تقزم دور الرقابة على المصنفات الفنية مؤخرا، وسط ظهور منصات العرض الإلكترونية الجديدة، إضافة إلى عدم عرض الأعمال المشاركة في مهرجانات دولية وعالمية خارج مصر عليها.
فبعد أزمة فيلم "ريش" الذي أثار جدلا واسعا فور عرضه في مهرجان كان وفوزه بجائزة أسبوع النقاد، ثم عرضه في مهرجان الجونة وحصوله على عدة جوائز، أعلن رئيس الرقابة على المصنفات الفنية أن الفيلم عرض على الرقابة على الورق فقط كفيلم فانتازي غير واقعي، فيما عرضت منصة "نتفلكس" مؤخرا فيلم "أصحاب ولا أعز" النسخة العربية من الفيلم الإيطالي الشهير "غرباء بالكامل"، وأثار أيضا الفيلم جدلا واسعا فور عرضه مباشرة، ليعلن الدكتور خالد عبدالجليل رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، أن الفيلم لم يعرض على الرقابة من البداية لأنه يعرض على منصة عالمية لا تمتلك الرقابة قدرة على اتخاذ أي قرار ضدها.
ومؤخرا أطلت على الساحة الفنية أزمة جديدة فور عرض فيلم "بشتقلك ساعات" في مهرجان برلين في دورته الـ72، وأثار الفيلم جدلا واسعا لما تحتويه قصته التي تدور حول المثلية الجنسية وعلاقة حب تجمع بين رجلين، والفيلم من إنتاج مصري لبناني ألماني، ومن تأليف إخراج محمد شوقي حسن، ويشارك في بطولته سليم مراد، نديم بحسون، دنيا مسعود، أحمد الجندي، وأخرون.
حول تقلص دور الرقابة على المصنفات الفنية، وعدم قدرتها على مواجهة التطور التكنولوجي من ظهور منصات عرض جديدة لا تخضع لسلطة الرقابة، وظهور انتاج سينمائي يعرض في المهرجانات خارج مصر فقط، تحدث "الرئيس نيوز" مع عدد من النقاد والخبراء والمسئولين، للاجابة على السؤال الأصعب في تلك المرحلة، وهو .. هل انتهى دور الرقابة على المصنفات الفنية إلى غير رجعه ؟ وما السبل التي تمكنا من مواجهة هذا التغول الذي بدأ في الانتشار لبث أفكارا لا تشبه مجتمعاتنا؟.
رئيس الرقابة على المصنفات الفنية : دور الرقابة قائم داخل مصر
في البداية قال الدكتور خالد عبدالجليل أن الرقابة على المصنفات الفنية ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بهذه الأعمال، مؤكدا أن فيلم "أصحاب ولا أعز" يعرض بمنصة عالمية ولا دخل للرقابة في أعمالها، وأيضا فيلم "بشتقلك ساعات" لم تشاهده الرقابة ولم تجيز عرضه، وليس لها علاقة بعرضه في مهرجان برلين السينمائي الدولي.
وأضاف عبدالجليل أننا اصبحنا في عالم مفتوح كالقرية الصغيرة، والمنصات الجديدة التي تنطلق من خارج مصر من حقها عرض ما تريد، لأنها منصات مدفوعة ولأي شخص الحق في الاشتراك بها .
ونفي عبدالجليل أن دور الرقابة على المصنفات الفنية قد تقلص داخل مصر، مؤكدا أن الرقابة لديها سلطة وصلاحيات كبيرة وقادرة على واجهة ومنع أي عمل من انتاج مصري أو يتم تنفيذه داخل مصر اذا خالف هذا العمل القيم والمواثيق التي وضعتها الرقابة، كاشفا أن أي عمل فني يتم تجهيزه يعرض على الرقابة كورق (سيناريو) فقط، ولا تظهر ملامح العمل بشكل نهائي، وقد تطرأ بعض التغييرات والتعديلات أثناء تصوير العمل ولا تعرف الرقابة ذلك إلا بعد عرض العمل، وحينها تتدخل وتتخذ اجراءاتها.
الناقدة الفنية خيرية البشلاوي : الرقابة عفى عليها الزمن
قالت الناقدة الفنية خيرية البشلاوي في تصريحات خاصة لـ"الرئيس نيوز" أن دور الرقابة الفنية تقلص في العالم بأكمله وليس في مصر فقط، مضيفة أن الأعمال التي تعرض حاليا تعرض على منصات إلكتروني لا تخضع للرقابة، وقالت :"فكرة الرقابة فكرة عفى عليها الزمان، ويجب أن تكون هناك رقابة ذاتيه ويجب أن يكون هناك وعي حقيقي من خلال خلق حالة من المعرفة والتثقيف للمشاهدين ليكونوا هم أنفسهم نقاد وقادرين على تقييم هذه الأعمال ورسالتها".
وأشارت البشلاوي أن المجتمع نفسه كمشاهدين ومتفرجين أصبح لديهم مواقف نقدية من الأعمال الفنية، وقالت :"بالطبع جميعنا يرفض عملية المنع إلا اذا كان العمل بالغ الفجاجة والاسفاف، فحينها علينا أن نمنع عرضه عرض عام".
وأضافت :"الرقابة لم تعد وسيلة طبيعية لمواجهة الفجاجة والخروج عن السياق، ولكن المتفرج هو الفيصل والحكم النهائي من خلال وعيه الذاتي وقدرته على تقييم هذه الأعمال والحكم عليها، وذلك من خلال التوجيه والتريد للاعمال الجيدة التي تصلح للمشاهدة".
وضربت البشلاوي مثلا بفيلم "أصحاب ولا أعز" قائلة :"ستجد أن فريق العمل لم يزيد عن 10 فنانين ولا يوجد مناظر تفصيلية في العمل، ولكن الأزمة في التأثير الكلي للعمل ورسالته الأخيرة والمعنى الموجود داخل هذه الرسالة".
وحول منصة "نتفلكس" وما تقدمه في الشرق الأوسط مؤخرا قالت البشلاوي :"بالطبع القوى الناعمة هي الأكثر تأثيرا في العالم حاليا، ولذلك يجب أن نواجه ذلك بالعقل والفن الراقي القادر على تقديم رسائل قوية ومؤثرة، لأننا لن نتمكن من المنع في المستقبل".
وتابعت :"بالطبع هناك تسليط ضوء كبير على الرق الأوسط ومحاولات من الغرب لتغيير مفاهيمنا عن كل شئ، ولكن علينا أن نواجه ذلك بالتوعية والتثقيف"، وقالت : "يمكننا التغلب على هذا الأمر بنشر الوعي ومناقشة هذه الأعمال مناقشة مجتمعية موسعة وتسليط الضوء عليها وعلى أفكارها التي تبثها وجهات تمويلها وأهداف تمويلها، ومناقشة الرسائل النهائية من هذه الأعمال وفحص تمويلها".
وقالت البشلاوي :"للأسف صناع السينما الجدد من الشباب لم يعد لديهم اهتمام بمن سيمول مشروعاتهم أو الغرض من تمويلها، وهذا بسبب عدم وجود فرص حقيقية لتمويلهم داخل مصر حاليا"، و الجهات التي تمول هذه الأعمال تعطي لهم دعم كبير سواء مادي أو معنوي وتحفيزي باشراكهم في مسابقات ومهرجانات كبيرة خارجيا، واعطائهم جوائز وتكريمات وترويج كبير جدا بخلاف ما يحدث في مصر"، وكشفت أن تراكم هذه الأعمال مؤخرا يصنع صور ذهنيه مختلفة تماما عن مجتمعاتنا ولذلك علينا أن نقدم أعمال في مواجهة ذلك تثبت الصورة الذهنية التي نتمنى أن تكون عليها مجتمعاتنا.
الناقدة الفنية ماجدة خيرالله : الرقابة في مصر مستمرة لأننا شعوب تعشق الوصاية
تحدثت الناقدة الفنية ماجدة خير الله في تصريحات خاصة لـ"الرئيس نيوز" عن دور الرقابة وقالت : "دور الرقابة لم ينتهي لأنه جهاز تابع لوزارة الثقافة ودوره مراقبة السياريوهات التي ستنفذ في مصر والأعمال التي ستعرض في مصر سواء مصرية أو أجنبية، وليس له أي دور فيما يحدث في الكون من حولنا، ومسألة المنصات لا تتبع الرقابة اطلاقا حتى لو قدمت محتوى مصري أو عربي، فالرقابة ليس لها أى سلطة علي هذه الأعمال".
وأشارت خيرالله أن من لديه القدرة على تقديم عمل فني مع هذه المنصات فعليه أن يتجه إليها، ولكن هذا أمر صعب جدا وهناك معايير معينة للأفلام أو المسلسلات التي تعرض بهذه المنصات، والمقاييس التي تضعها صعبة جدا.
وحول وجود الرقابة بشكل عام قالت خيرالله :"ستظل موجودة وقائمة في الدول التي تشبهنا لأننا مجتمعات وشعوب تعشق الوصاية".
واستكملت :"اذا سمع أحد أغنية لا تعجبه أو شاهد فيلم لم يعجبه سيتسائل كيف سمحت الرقابة بمرور هذا العمل ولماذا لم تتدخل الرقابة لمنعه".
وأدرفت :"طيب ما لو حاجة مش عجباك متشوفهاش أو متسمعهاش، ولكن دائما نبحث عن قوة تمنع هذه الأعمال".
وقالت :"الشيئ اللي مش عاجبك تجاهله ولن لا تفرض وصايتك علي أحد، وحاليا جميعنا يسمع عن فيلم ساعات بشتاق المشارك في مهرجان برلين، والجميع ينتقده ويهاجمه دون مشاهدته"، وتسائلت:"كيف نحكم على عمل قبل مشاهدته ؟".
وحول "نتفلكس" والمنصات الاخرى التي بدأت تنتشر مؤخرا قالت خيرالله :"للأسف احنا فاكرين العالم بيتآمر على أخلاقنا، وكأننا لدينا أخلاق وقيم والعالم يسعى لإفسادها والتآمر عليها"، واردفت :"نتفلكس أو غيرها من المنصات هدفها الربح أولا ولا يفكروا في قيمنا وأخلاقنا وعاداتنا، ومسألة ظهور شاربي الخمور أو المثلية الجنسية هم لا يعتبرونها إفساد أو شئ مشين على الإطلاق".؟.
وتابعت :"زمان كانت السينما المصرية أكثر انفتاحا، وكان ترى البار موجود في الكثير من المنازل كديكور حتى في النازل الفقيرة، وكانت الأمور عادية جدا ولم تفسد المجتمع على الإطلاق".
وأضافت أن الأعمال الفنية تقدم كل الكوارث كالقتل والجريمة وتجارة المخدرات، وهذا لا يعني إطلاقا أن العمل يروج لهذه الأمور أو يدعمها، وعلينا أن نخرج من إطار أن الفنانة الفلانية قدمت دور "واحدة شمال" فتصبح هذه حقيقتها في الواقع، أو فنان قدم دور مثلي جنسيا فتجد الناس تقول أن هذه حقيقته، ولا يمكن لفيلم أو مسلسل أن يغير مفاهيمنا أو علاقتها بديننا أو قيمنا ومفاهيمنا.
وانهت خيرالله حديثها قائلة :"الهجمة الوهابية التي اصابت مجتمعنا في السبعينات هي السبب فيما وصلنا إليه من تدني فكري مؤخرا، ولذلك علينا أن نعيد الفنون سواء الغناء أو التمثيل والمسارح والرسم وغيرها من الفنون إلى مدارسنا وجامعاتنا، وذلك هو الملاز الأمن لعودتنا إلى هويتنا الثقافية الحقيقية، لأن غياب الفنون عن أطفالنا هو أحد أسباب نشر الأفكار الوهابية في المجتمع".
وأخيرا يجب أن نوقف عملية الخلط التي تفرض نفسها حول تقييم الفنانين بناء على أدوارهم التي يقدموها في السينما أو الدراما، لأن هذا الخلط يؤثر سلبا على الفنان وعلى رؤية المجتمع له".